حسين عبد الرازقوجود خلافات بل وصراعات في الأحزاب السياسية أمر طبيعي وعادي، خاصة في ظل انسداد الأفق السياسي واستحالة تداول السلطة سلميا عبر صندوق الانتخابات، وبعد انتخابات عامة هي الأسوأ في تاريخ انتخابات مجلس الشعب التي تشهد عادة تزويرا متفاوتا منذ بدء التعددية الحزبية المقيدة في / آذار مارس 1976، ولكن ما ليس طبيعيا هو تحول الخلافات والصراعات إلى صدام عدائي وانقسام وانشقاق يهدد وحدة الحزب بل ووجوده.
وبحكم أن الحزب العربي الديمقراطي الناصري حزب حليف لحزب التجمع وشعاره العام (حرية اشتراكية وحدة) هو نفس الشعار العام للتجمع، وقادته المؤسسون كان أغلبهم أعضاء في حزب التجمع وخرجوا منه لتأسيس حزب يحمل راية الناصرية وينتسب إليها، وتربطني على المستوى الشخصي علاقات قوية بعدد منهم، كان من الطبيعي أن ينتابني القلق عندما أتابع ما يجري داخل الحزب الناصري في الأيام والأسابيع الأخيرة. والمشهد كما يبدو بوضوح أمام الرأي العام أن هناك انقساما أفقيا ورأسيا في الحزب الناصري بين مجموعتين، المجموعة الأولى تضم سامح عاشور النائب الأول لرئيس الحزب ونقيب المحامين السابق والذي يحمل تفويضا من رئيس الحزب ضياء الدين داود الغائب عن الحزب والحياة العامة منذ سنوات والمقيم في بلده بدمياط بسبب المرض، ومعه د محمد أبوالعلا نائب رئيس الحزب وتوحيد البنهاوي الأمين العام المساعد وعدد من أمناء وقيادات الحزب في المحافظات، المجموعة الثانية تضم أحمد حسن الأمين العام للحزب ومعه أحمد الجمال نائب رئيس الحزب ود محمد سيد أحمد أمين الشؤون السياسية بالحزب وعبدالسلام الألفي وعلي زرزور ومحمود مجر وجمال عبدالناصر عويس. وفي خطوة واضحة في اتجاه الانقسام دعا سامح عاشور لعقد مؤتمر طارئ للحزب يوم الجمعة الماضي 17 / كانون الأول ديسمبر 2010 في نقابة التجاريين حضره 302 من أعضاء المؤتمر البالغ عددهم 516 عضوا بنسبة ٢٥ ٨٥٪، وقرر المؤتمر قبول اعتذار ضياء الدين داود عن عدم الاستمرار في موقعه كرئيس للحزب وتنصيبه زعيما ورئيسا شرفيا للحزب مدى الحياة والموافقة على تولي سامح عاشور نائب رئيس الحزب مهام رئيس الحزب حتى انعقاد المؤتمر العام لانتخاب رئيس جديد للحزب. كما قرر المؤتمر تأجيل انعقاد المؤتمر العام المقرر عقده في 23 من هذا الشهر لمدة تتراوح بين ستة أشهر وسنة، وتجميد الهيئة البرلمانية للحزب الناصري في مجلس الشورى المكونة من أحمد حسن عضو معين ومحسن عطية عضو منتخب، ودعوة الناصريين الذين ابتعدوا عن الحزب في الفترة الماضية للعودة وممارسة دورهم، وتشكيل لجنة عليا لإعادة تنظيم الحزب، وتكليف سامح عاشور بمعالجة مشاكل صحيفة العربي واتخاذ الإجراءات القانونية الضرورية وتحقيق المساواة بين الصحفيين العاملين بالعربي وإنهاء خدمة من يتسبب في تأخر الجريدة. واستبق أحمد حسن انعقاد المؤتمر العام الطارئ بخطوة انقسامية أخرى، فقام بإبلاغ لجنة شؤون الأحزاب برئاسة صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري والأمين العام للحزب الوطني الديمقراطي ببطلان انعقاد المؤتمر العام الطارئ حيث تنص اللائحة الداخلية للحزب على انعقاد المؤتمر العام الطارئ في حالتين، الأولى بقرار من الأمانة العامة للحزب أو بناء على طلب ثلث أعضاء المؤتمر العام، وهو ما لم يحدث، وعقد اجتماع للأمانة العامة للحزب يوم الخميس 16 ديسمبر 2010 وهو اليوم السابق لانعقاد المؤتمر الطارئ، حضره طبقا لبيانها 43 عضوا من ٧٧ هم مجموع أعضائها. وناشدت الأمانة العامة أعضاء الحزب جميعا مقاطعة المؤتمر العام الطارئ لبطلانه، وتجميد عضوية كل من سامح عاشور النائب الأول لرئيس الحزب ود محمد أبوالعلا نائب رئيس الحزب وتوحيد البنهاوي الأمين العام المساعد للحزب وإحالتهم للجنة الانضباط الحزبي للتحقيق معهم، وتشكيل لجنة الانضباط الحزبي وتفويضها لاتخاذ ما تراه من إجراءات تجاه الخارجين على الالتزام الحزبي، وتكون مسؤولة أيضاً عن حماية مقرات ووثائق ومستندات الحزب. وهكذا اتخذ الطرفان الخطوات الكفيلة بانقسام الحزب العربي الديمقراطي الناصري وللأسف فليست هذه الأزمة هي الأولى في تاريخ الحزب الناصري، فقبل تأسيس الحزب بصورة قانونية وبحكم قضائي، شهد التيار الناصري انقساما بين مجموعتين اشتهرتا بمجموعة طلعت حرب بزعامة ضياء الدين داود ومجموعة عابدين بزعامة فريد عبد الكريم وتعرض الحزب بعد قيامه وإصدار صحيفة العربي لانقسام آخر داخل القيادة الحزبية حول الهيمنة على الصحيفة أدى إلى انسحاب مجموعة من القيادات الشابة بزعامة حمدين صباحي أسست بعد ذلك حزب الكرامة. ومراجعة هذه الانقسامات المتتالية، بما في ذلك الانقسام الحالي، تكشف غياب خلافات سياسية واضحة بين المتصارعين، فالقضايا المطروحة كلها قضايا تنظيمية ولائحية وقانونية، دون بروز أي قضايا سياسية تهم المواطن المصري وتتعلق بحياته ومستقبله يتنافس الطرفان في تقديم الحلول والبرامج لها وهذا النوع من الخلافات يؤدي إلى تحولها لخلافات وصراعات شخصية يصعب إيجاد حلول وسط لها، والخاسر في هذه الصراعات وبصرف النظر عن مدى مسؤولية كل طرف، هو الحزب والتيار الناصري عامة وهو تيار عريض في الشارع المصري وأكبر من الحزب بكثير. ومن حق الحريصين على الناصرية والح
أزمة الحزب الناصري
نشر في: 22 ديسمبر, 2010: 04:34 م