علي حسن الفواز بات الخطاب الإعلامي من أكثـر مصادر التأثير في الاوساط العامة وعلى مستوى الانماط المحددة للجمهور المستهدف، وعلى مستوى عمل المؤسسات الرسمية والمدنية، وعلى تمكين العديد من الفعاليات الاجتماعية من المساهمة في برامج التنميات البشرية والثقافية، وكذلك في تأمين المصادر الاستقصائية والاستبيانية لصناعة فاعلة للرأي العام من خلال ما تنعكس في أنماطه وتوجهاته من التغيرات الحادثة في العادات
والمواقف والاتجاهات، فضلا عن الاستجابة الى الكثير من التأثيرات التي تستدعيها أسئلة هذا الخطاب وطبيعة انعكاساتها على الظواهر العامة بدءاً من الظواهر السياسية والاجتماعية والثقافية، وانتهاء بانعكاسها على إمكانية حشد السياسات الملائمة للتأثير على صنّاع القرار، خاصة الجهات التشريعية باتجاه تأمين تشريع القوانين التي تمنح الخطاب الإعلامي قوة أخلاقية وقانونية مؤثرة وفاعلة.rnفي هذا السياق تبرز أهمية الخطاب الإعلامي في مواجهة التحولات العميقة التي يعيش معطياتها المجتمع من خلال الانحناء على الظواهر والفعاليات والمواقف الاجتماعية والسياسية، باعتبار ان هذا الخطاب يخضع الى توصيفات مهنية تلتزم بمعايير الحيادية والاستقلالية، ومصداقية المسؤولية عن صناعة رسالته الى الجمهور المستهدف والى صياغة مضمونها، فضلا عن ضرورات تأمين الاستعدادات للوسط الاجتماعي والثقافي المستهدف لكي يستوعب هذا المضمون بشكل أفضل لما تحوزه من معان ودلالات رمزية وقيمية وأخلاقية. فضلا عن ان هذا الخطاب اصبح في ذات السياق عنصرا مهما من عناصر بناء الوعي الاجتماعي وفي تشكيل الكثير من الضواغط المؤثرة على تشكيل ملامح الظواهر الاجتماعية بما فيها ظاهرة الدولة، وظاهرة المجتمع المدني وغيرها.ولعل الحديث عن دور الخطاب الإعلامي في مواجهة العوامل والأسباب المعيقة لإنتاج وتعزيز مثل هذه الظواهر، يعني الحديث في البحث عن الأسباب المعيقة لدور الرسالة الإعلامية في التعاطي مع مثل هذه الأسباب وتعقيداتها وظروفها، فضلا عن التعاطي مع الإشكالات المرتبطة بها والتي تحدّ من فاعلية دور هذه الرسالة في الاستهداف الإيجابي والمؤثر لجمهورها ووسطها، وفي نقلها مضمونها الحقيقي واستقصاء اثر فاعليتها في التأثير على هذا الجمهور وعلى صناعة رأيه العام أولاً، وفي التأثير على صناع القرار ثانيا، وبالتالي التأثير في مواجهة الكثير من الظواهر الاجتماعية الأخرى ذات الآثار الخطيرة على التنميات الاجتماعية والسياسية والثقافية.الفساد..الظاهرة والموقف..تشكل علة الفساد في جوهرها ظاهرة اجتماعية تنشأ وتتفشى في اوساط معينة وتحت اسباب معينة واستثنائية، ينعكس من خلالها تدني الالتزام باخلاقيات العمل وضعف القدرة على اداء العمل بشكل متوازن في سياق مجالاته التنظيمية والبرامجية والحقوقية والخدماتية، لكن معطى هذه الظاهرة يقترن أيضاً عبر ما يتمظهر فيها من نتائج تقع في باب ما تؤديه من أضرار عامة وأخطار تنعكس بشكل سلبي وضار على الامن الاجتماعي والاقتصادي وعلى انظمة العمل النافذة، بعيداً عن اتخاذ اية مواقف وإجراء اية معالجات للأسباب الاخلاقية والثقافية والحقوقية والتنظيمية والمادية التي يمكن ان تشكل أبرز العوامل المساعدة لارتكاب مثل هذه الانتهاكات المخلة بالنظام العام، وإفساد ذمم البعض ممن يرتكبونها. ويبرز دور الإعلام كفعالية مهنية واجتماعية وثقافية ومعارفية مهمة من أبرز الفعاليات التي يمكنها التصدي لهذه الظاهرة والتعاطي مع أسبابها وجوانب الكشف عن مظاهرها، ومساعدة الجهات المعنية على مواجهة آثارها وأخطار تداعياتها، لكن هذا الدور يرتهن في الكثير من موجهاته الى العديد من المؤثرات التي تضع الخطاب الاعلامي بمواجهة الكثير من تعقيدات الواقع الاجتماعي، والكيفيات التي يمكن من خلالها استشراف فاعلية هذا الدور وإسناد الجهات المعنية ضمن ظروف لها خصوصيات معينة، وأحسب ان التعرّف على طبيعة المرجعيات الاعلامية في الوسط الاجتماعي وجهات تمويلها تعدّ من اول الحقائق التي ينبغي إدراكها، وتشخيص ادوارها، وبيان الطرائق التي يمكن أن تتعامل بها مع هذه الظاهرة او تلك. ومن هنا نجد ان التوصيف المهني للاعلام وقوة تأثيره، وطبيعة التشريعات او اللوائح المعمول بها في الوسط الاعلامي، هي الجامع الاساس الذي يجب ان ينتظم بموجبه عمل الجهات الاعلامية في مختلف مستوياتها المرئية والمسموعة والمكتوبة، وهي التي ترسم خرائط الطرق وسياقات عملها التي ينبغي ان تحدد التزام الرسالة الاعلامية بالموضوعية والاستقلالية والمهنية ودقة المعلومات وصدقيتها بمواجهة العديد من الازمات ومنها ظاهرة الفساد.إن وجود الوسط الذي تتفاعل فيه هذه السياقات بإيجابية يعني تأمين قدرة هذا الإعلام على التأثير في الوسط الذي يعمل به، وعلى حيوية دوره واستقلاليته عن المؤثرات النافذة والضاغطة على الواقع بكل مرجعياتها السياسية والاقتصادية والإيديولوجية والدينية. ومن ذلك ندرك خطورة الدور الإعلامي في الواقع العراقي في مرحلة ما بعد 2003 في استشراف معطيات وتعقيدات هذا الواقع، إذ أن هذه المرحلة قد انفتحت على نهاية عصر المركزيات السياسية والإعلامية، والتي كانت تضع الصناعة الإعلامية باعتبارها جزءاً من الصناعة السياسية
أسئلة فـي التعاطي مع ظاهرة الفساد نموذجاً
نشر في: 22 ديسمبر, 2010: 04:34 م