د. فالح الحمراني
يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه قد سُمح لمرشحً إصلاحيً واحد فقط من بين الساسة الستة الذين جرت الموافقة على مشاركتهم في الانتخابات للمنصب الرفيع. وتمكن بيزشكيان من اجتذاب ما يقرب من نصف الناخبين الذين جاءوا إلى صناديق الاقتراع في الجولة الثانية، والتغلب على أزمة الشرعية التي طال النقاش حولها. وكان من المنتظر أن تكون نسبة مشاركة الناخبين منخفضة للغاية لم تشهدها إيران طوال السنوات الأخيرة، كما كانت في انتخابات مجلس المجلس الإسلامي (البرلمان)، ومجلس الخبراء، وحتى في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الذي جرت هذا العام. إن إقبال 50% من الناخبين على الانتخابات حقق بالفعل التغلب على حالة الجمود السلبية في الانتخابات. وبالنسبة لبيزشكيان، كان هذا مهما في المواجهة مع شخصية ذات وزن ثقيل في السياسة الإيرانية مثل سعيد جليلي، الذي عمل في وقت ما في منصب مهم مثل أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، والممثل الخاص لآية الله علي خامنئي في المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، الخ.
وبحسب وسائل الإعلام الإيرانية، فإن فوز الإصلاحي م. بيزشكيان كان غير متوقع بالنسبة للدول المجاورة. وكان الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي قد أكد مراراً على أهمية العلاقات بالدول المجاورة بالنسبة لإيران، وبحسب وسائل الإعلام الإيرانية، فإن "الرئيس الشهيد الراحل إبراهيم رئيسي، المتمسك بالمنهج الإسلامي المبني على العقلانية، سعى إلى استعادة العلاقات مع الجيران وتعزيزها وتوطيدها، وفي هذا الصدد تغلب على العديد من العقبات واتخذت خطوات فعالة". ومن الواضح أن دول الجوار مستعدة لمواصلة الحوار، ولهذا فهناك مؤشرات واضحة من دول الجوار حول ضرورة استمرارية السياسة الخارجية الإيرانية في هذا الاتجاه. والملاحظ أن الدول المجاورة كانت أول من هنأ السيد بيزشكيان على فوزه الأكيد. وتأكيدا لهذه الحقيقة، كتب عالم السياسة الإيراني رسول إسماعيل زاده دوزال في وسائل الإعلام أن زعماء الدول المجاورة " سارعوا ليكونوا أول من أرسل التهاني بعد فوز السيد بيزشكيان". ويرى هذا المحلل أن أكثر ما بدا واضحا في ردود أفعال هذه الدول هو حرصها على "بداية جديدة بنهج جديد".
ويبدو أن الأمر يتعلق أولاً بالحوار في الاتجاه الإيراني - الأذربيجاني. يتذكر الجميع وقوع في عهد الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي هجوم إرهابي مأساوي على سفارة جمهورية أذربيجان في العاصمة الإيرانية، مما خفض من قيمة جميع الإنجازات الأخيرة للحوار الإيراني - الأذربيجاني وخفضها إلى أدنى مستوى مستوى. ولا يخفى على أحد أن العلاقات بين البلدين المتقاربين في كثير من النواحي والجوانب شهدت العديد من التقلبات، ووصلت في بعض الأحيان إلى حد المواجهة الأكثر حدة. وأدى الهجوم الإرهابي الذي وقع في أوائل عام 2023 إلى تقليص مؤقت للأنشطة الدبلوماسية الأذربيجانية في طهران. لكن وسائل الإعلام في البلدين كتبت أن "المسؤولين تمكنوا من مواجهة الظواهر السلبية وإبطال تصاعد التوترات ومنع ظهور الأزمة". وفي المرحلة الحالية، طورت إيران نشاطها الدبلوماسي من اجل تنشيط العلاقات بين البلدين. إن أذربيجان مستعدة لتسريع وتعزيز علاقاتها مع جمهورية إيران الإسلامية. وهذا هو بالضبط ما ينبغي أن نقيم به الزيارة التي قام بها وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيراني محمد مهدي إسماعيلي إلى باكو في شهر أيار. وتم خلال لقائه مع نظيره الأذربيجاني الإشارة إلى أهمية العلاقات الثقافية بين البلدين، نظرا للقاسم المشترك التاريخي، والثقافي، والديني، واللغوي. وأكد محمد مهدي إسماعيلي خلال زيارته لأذربيجان أن القيادة الإيرانية اقترحت من خلال التوقيع على مذكرة شاملة بين البلدين خلق أساس لتنمية العلاقات الثقافية على نطاق واسع. وقد تم وضع الخطوط العريضة لبرنامج لمثل هذا التفاعل. وفي اجتماعات عديدة في جمهورية أذربيجان، قال الوزير الإيراني أيضا إن طهران تؤكد بلا كلل على أولوية تطوير التعاون الثقافي في الاتجاه الإيراني الأذربيجاني. ومما لا شك فيه أن زيارة الوزير عززت وأضفت أجواء أكثر دفئا من خلال حقيقة أن الوزير الإيراني تحدث بلغته الأم الأذربيجانية خلال معظم اللقاءات والاحتفالات الودية. وهكذا خفف من حقيقة وجود حركات سياسية في إيران تعارض تطوير العلاقات الشاملة مع جمهورية أذربيجان.
ومن الخطوات الجادة الأخرى التي تهدف إلى إحياء الحوار، افتتاح الهيكل الهيدروليكي المشترك في كيز كالاسي على نهر أراكس الحدودي في 19 مايو بحضور رئيسي البلدين. ومن المحزن أن الرئيس الإيراني توفي أثناء عودته من هذه الفعالية المهمة الهادفة لتعزيز التعاون بين البلدين. وقد دعا رئيس جمهورية أذربيجان علييف مرارا إلى تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في اجتماعه الأخير مع رئيس الجمهورية الإيرانية الراحل إبراهيم رئيسي. ومما يعزز التفاؤل في هذا الاتجاه البيان الصادر مؤخرا عن وزارة الخارجية الإيرانية بأن سفارة أذربيجان في طهران ستستأنف أنشطتها في نهاية تموز. وكما يكتب المحللون، فإن مقتل أحد موظفي البعثة وإصابة اثنين آخرين تسبب في أزمة خطيرة في الحوار الإيراني - الأذربيجاني، والتي يتم التغلب على عواقبها تدريجيا وديناميكيا.
ومن الواضح أن وصول رئيس إصلاحي إلى السلطة، وعلى خلفية الهيمنة الاستثنائية (233 مقعداً من أصل 290) للأصوليين في البرلمان الإيراني، لن يؤثر سلباً وبشكل خطير على العلاقات الإيرانية - الروسية. وفي محادثته الهاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، أعرب السيد بيزشكيان عن استعداده لتوقيع اتفاقية استراتيجية مع روسيا. ولنلاحظ أنه على الرغم من كثرة التصريحات المختلفة حول الاستعداد للتوقيع على مثل هذه الوثيقة في عهد المغفور له ابراهيم رئيسي، إلا أنه لم يتم فعل أي شيء. نحن الآن نتحدث عن حدث ملموس للغاية يمكن أن يحدث، كما قال السيد بيزشكيان، على هامش قمة البريكس في موسكو. دعونا نلاحظ أن الرئيس الإيراني الجديد وصف في محادثة مع الرئيس فلاديمير بوتين، بإنا روسيا بأنها جارة وصديقة.
ولكن في هذا السياق يشير المراقبون الى ضرورة الأخذ في الاعتبار مراجعة السياسة في الاتجاه الأوروبي التي أعلنها بالفعل الرئيس بيزشكيان. واستمرار لسياسة ـ الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي ـ يعتزم بيزشكيان التوصل إلى وسيلة للخروج من العزلة عن الغرب، والعمل على نحو ما على "تخفيض" الخطاب المناهض للغرب، وتحقيق نتائج حقيقية على هذا الطريق. ويبدو لنا أن الغرب نفسه سوف ينظر إلى هذا الأمر بشكل إيجابي للغاية.
وتجدر الإشارة إلى أن وسائل الإعلام الإيرانية ظلت تكتب كثيرا في الأيام الأخيرة عن الأمل في استمرار سياسة حسن الجوار التقليدية التي تنتهجها إيران في اتجاه الدول الأخرى في بيئتها المباشرة، ولا سيما تركيا وطاجيكستان. حيث سيتم الحفاظ على حوار متنوع. وقد دعا الرئيس إمام علي رحمون بالفعل السيد بيزشكيان للقيام بزيارة رسمية إلى دوشانبي. وتحدث رجب طيب أردوغان بتفاؤل شديد بشأن تعزيز الحوار الثنائي مع وصول بيزشكيان إلى الرئاسة.
*اعتمدت المادة على تقارير وسائل الأعلام الروسية.