علي حسين
ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي هذا كان يردد دوماً أن أفكار فولتير وكلماته مهدت للثورة الفرنسية، وبعد سنوات أعثر في مجلة الكاتب المصرية على مقال كتبه طه حسين عن فولتير فيه معلومات قيمة عن هذا الفيلسوف، وعرفت أن فيلسوف التسامح إضافة لاهتمامه بالفكر ومشاغله ، فهو روائي وكاتب لعدد من المسرحيات، بعدها حصلت على روايته الشهيرة "كانديد "بترجمة لواحد من شيوخ المترجمين "عادل زعيتر "وهي رواية كتبها فولتير عام 1755 تناول فيها المأساة التي تعرضت لها مدينة لشبونة جراء زلزال ضربها وفيها حاول أن يقدم فلسفته في التسامح حتى أن كاتباً مثل بورخيس يصفها بقوله "لايزال المؤلف فيها يستفز الناس بأفكار شكلت آنذاك وسيلة لنشر قيم عصر التنوير ".بعدها وقعت في يدي أعداد من مجلة الاثنين والدنيا المصرية ، فاذا بي أكتشف أن العراقيين سبقوا العرب جميعاً في التعريف بهذا الفيلسوف، ففي عام عام 1932 ينشر الأب انستاس الكرملي مقال في المجلة تحت عنوان، فولتير وفلسفة التسامح " وفيه يلخص كتاب فولتير "رسالة في التسامح "حيث يقول الكرملي إن هذه الرسالة تعد من بين أهم ما كتب عن موضوعة التسامح بين الأفراد والمجتمعات ، هكذا اكتشفت أننا العراقيين سبقنا الجميع في الحديث عن فكرة التسامح والتي كانت جزءاً من تفكير هذا الشعب المتجانس قبل أن يلتهمهم حوت التعصب والطائفية، وقبل أن تستفحل ظاهرة سياسيي الطوائف التي أخذت تتفشى في قطاعات عريضة، الجانب الجوهري فيها هو كلما أصبحت طائفيا ًوعنصرياً وهددت وقتلت وهجرت وشردت وصرخت وشتمت واستخدمت كل ما لا صلة له بالقانون يمكنك أن تنجح، والأخطر أن الناس قد تهابك وتخاف منك، هذه الظاهرة انتقلت من السياسيين إلى الشارع وبالعكس، وأصبحنا نرى برلمانيين ووزراء يستخدمون الورقة الطائفية لإقصاء خصومهم، ووصل الأمر إلى حد أن تغلق وزارة بأكملها لمكون طائفي واحد لا لشيء إلا لكون الوزير ينتمي لهذه الطائفة أو تلك.
يكتب الرصافي عام 1921"في الإستانة اطلعت على كتب الفيلسوف الذي شغل العصر فولتير ووجدت دعوته للفكر وأحكام العقل صدى في نفسي، حتى أنني نظرت إلى حال أهلنا في العراق وتمنيت عليهم أن يأخذوا بأفكار هذا الثائر الذي وصفه بقصيدة شهيرة
بفكرك دوحة العرفـــــــان تنمــــــو… كـــذا الأدواح تنمو بالضـــــــــــــياء
أيها السادة الناس نريد نظاماً سياسياً لا يستبعد فيه أحد بسبب رأيه، أو طائفته .. نظام قضيته الأولى العدالة الاجتماعية .. ومثله في السياسة والحياة بقيمة الإمام علي " ع " الذي قال قبل فولتير إن آلة الرياسة سِعَة الصدر.
جميع التعليقات 1
د . وليد محمود خالص
منذ 4 شهور
الأستاذ علي حسين المحترم تحيات مقالكم عن فولتير رائع وليس غريبا على الأب أنستاس أن يكتب عنه . للفائدة فقط أصدرت كتابا منذ مدة عنوانه (لو كان فولتير عربيا) خصصته للموازنة بين منجز فولتير ومنجز الراحل الكريم جورج طرابيشي . د. وليد محمود خالص