سامي عبد الحميدكان معظم الذين انتموا إلى فرع التمثيل في بداية تأسيسه في معهد الفنون الجميلة من خريجي الدراسة المتوسطة وقليل جداً أولئك الذين انهوا دراستهم الثانوية، وربما الكثير منهم قد انتمى إلى المعهد هرباً من الخدمة العسكرية وليس رغبة في صقل مواهبهم الفنية وذلك ربما بعكس وجبة الطلبة الذين انتموا عام 1950 ، اذ كان منهم من تخرج في كلية الحقوق- كلية القانون حالياً، وكان منهم من لم يتخرج بعد من تلك الكلية. وفي حينها لم تكن(جامعة بغداد) قد تأسست بعد. وهكذا التقيت بزميلي (بدري حسون فريد)
الذي كان موظفاً في البنك المركزي وأنا موظف في دائرة التلفونات المركزية.من الأيام الأولى لانتمائنا لفرع التمثيل عبرنا عن تطوير معرفتنا وعن عدم العلم للفن حيث اعتقدنا ان فن المسرح يجمع بين ثناياه فنوناً مختلفة وعلوماً مختلفة وانه ليس لهواً وتسلية بل بحث واكتشاف وللأسف إننا لم نلمس مثل هذا الميل لدى من سبقونا في الدراسة أولئك الذين انقسموا إلى فئتين كما لاحظنا:الأولى لحقي الشبلي الذي كان يدير الفرع ويدرس المادة الرئيسة فيه ولكن في تلك السنة نقل إلى التفتيش التربوي ولم نعرف السبب والفئة الثانية تتحمس لإبراهيم جلال الذي حل محل استاذه في رئاسة الفرع وبقينا (أنا وبدري) نرقب الحال ونستطلع الآراء ونزن الطروحات والمبررات واكتشفنا ان الأمر يرجع إلى مبدأ (صراع الأجيال) فالفئة الأولى ظلت متمسكة بالماضي بالقديم والفئة الثانية تطلعت إلى الحاضر إلى الجديد، الماضي الذي يمثله (الشبلي) التزم بقواعد وأصول وأعراف فنية فات زمنها والحاضر الذي يمثله (جلال) ينشد التغيير والتجديد ويلجأ إلى المنطق العقلاني ويرفض التقليد الأعمى والتحجر.بعد عام كامل عاد (حقي الشبلي) إلى مركزه في رئاسة فرع التمثيل ونقل (إبراهيم جلال) إلى مديرية النشاط المدرسي. وخلال العام الذي قضيناه مع (جلال) تغيرت أمور كثيرة في مسار الدراسة في المعهد حيث استقدم أساتذة من عدد من الكليات العلمية لتدريس عدد من المواد المنهجية كالأدب المسرحي وعلم النفس وتاريخ الحضارة وسمح بتقديم مسرحيات أعدوها بتقديم أو كتبوها بأنفسهم وربما يخرجونها بأنفسهم أيضاً كما حدث مع (مسمار جحا) التي أعدها زميلنا (يوسف العاني) الذي التحق بنا بعد سنة من تخرجه من كلية الحقوق وكما حدث عندما كتبنا وأخرجنا أنا وزميلي بدري حسون فريد مسرحية (تضحية معلم). ولم يكن يسمح الشبلي لأحد من طلابه بتقديم مسرحية من تأليفه أو من إخراجه.فقد كان هو وحده الذي يختار النصوص المسرحية التي اعتاد ان يخرجها بنفسه لتقدم ضمن حفلة سنوية إضافة لفقرات يقدمها طلبة وأساتذة فرع الموسيقى في المعهد.كان من المتغيرات في عهد إبراهيم جلال أيضاً تزايد أعداد الجمهور الذي يقبل لمشاهدة عروض فرع التمثيل المسرحية وخصوصاً عندما احتوى برنامج تلك العروض مسرحيات باللهجة الدارجة كتبها يوسف العاني، بينما كان الجمهور في عهد الشبلي يقتصر على فئة معينة من المدعوين، ومن الجدير بالذكر في هذا المجال ان إقبال الجمهور على مشاهدة عروض المعهد المسرحية قد اتخذت طابعاً سياسياً وحماساً منحازاً خاصة عندما يكون في مقدمة المتفرجين شخصيات شعبية مشهورة مثل الشاعر الكبير (محمد مهدي الجواهري)، وخاصة أيضاً لأننا نحن المنتمين الجدد للمعهد نحمل أفكاراً تقدمية وأهدافاً سياسية. كنا نحمل الفن المسرحي طاقة ابعد من طاقته الفنية التثقيفية والاجتماعية. طاقة تنويرية توعوية ربما تطرفنا أحياناً في ضخها في عروضها المسرحية. وربما كان ذلك التطرف وذلك الإقبال الجماهيري المتزايد على عروض المعهد هو الذي حفزنا أنا وزميلي يوسف العاني لحث إبراهيم جلال على تأسيس (فرقة المسرح الحديث). وقد كانت العروض المسرحية الأولى للفرقة امتداداً لعروض المعهد. وللحقيقة أقول إن الكثير من أعضاء الفرقة كانوا من طلبة إبراهيم جلال لم يكونوا منسجمين فكرياً معنا غير إن ثقلنا الفكري وثقافتنا الواسعة بالنسبة لهم جعلتهم يسيرون في ركبنا وربما تأثر البعض منهم بتوجهاتنا السياسية والفنية. ولأننا وقفنا ضد كل ما هو قديم في السياسة وفي الاقتصاد وفي الاجتماع وفي الفن سمينا (فرقة المسرح الحديث).
محطات ..صــراع الأجـيــال
نشر في: 24 ديسمبر, 2010: 05:19 م