د. صلاح نيازي لـــنـــدنرغم شيوع مصطلح المنظورية Perspective منذ عصر النهضة في الفنون التشكيلية الأوروبية، ولا سيّما الإيطالية، ورغم شيوعه في الوقت الحاضرفي السينما، إلاّ أنه لا وجود له في قاموس "بنغوين" للمصطلحات الأدبية. ولكن لا تعدم أن تجده في قاموس المصطلحات الفنية وحتى في قاموس مصطلحات علم النفس A dictionary of psychology.
بالطبع لا وجود لهذا المصطلح في القواميس العربية- العربية، قديمها وحديثها. لكنْ يرد في قاموس المورد المترجم ما يلي:(1) "أ" الرسم المنظوري: فن رسم الأشياء بطريقة تحدث في النفس عين الآنطباع (من حيث الأبعاد النسبية والحجم ألخ.)الذي تحدثه هي ذاتها حين يُنظَر أليها من نقطة معينة."ب" رسم منظوري (أيْ مرسوم بهذة الطريقة)(2) "أ" مظهر الموضوع كما يتبدّى للعقل من زاوية معينة (Historical perspective ). "ب"القدرة على رؤية الأشياء وفقاً لعلاقاتها الصحيحة أو أهميتها النسبية. (3) "أ"منظر؛ مشهد. "ب" نظرة وجهة نظر. (4)المنظورية: بدوّ الأشياء للعين وفقاً لبعدها النسبي ومواقعها النسبية. (5) منظوري.أما قاموس "المغني الأكبر" فقد اكتفى بالقول:Perspective : منظورية = هيئة الشئ كما يظهر للناظر بسبب البعد والقرب. رَسْمَة (أو صورة) منظورية. من الواضح ان القاموسيْن أعلاه لم يتطرقا أيضاً للمنظورية كمصطلح نقدي أدبي. من باب تحصيل الحاصل، ما من ناقد أنكليزي توفّر على توظيف هذا المعيار النقدي في تفسير بعض النصوص الأدبية.المنظورية إذنْ كمصطلح نقدي لم يوضَع موضع التطبيق من قبل. ولأنه أرض بكر، فلا بدّ من معالجته بحذر. قد يكون من المفيد العودة إلى الوراء تأريخياً للوقوف على تطور مفهوم المنظورية. فالمصطلح مأخوذ من الكلمة اللاتينية Perspicer أيْ :النفاذ في المظهر أو عدم الآنخداع به بصرياً :To see through . يبدو أنّ من أوائل مَنْ استعمل هذا المصطلع علمياً هما إقليدس وأفلاطون في بحوثهما في علم الضوء، إلاّ أنّ ما قدّماه لم يكن صحيحاً كلّ الصحة، إلى أن جاء ابن الهيثم وهو عالم فيزيائي ورياضي عراقي (ت 1041 م)، فألّف :"كتاب المناظر"وكان يُعرف باللاتينية: De aspectibus أو :Perspectiva مصححاً فيه آراء إقليدس وإفلاطون. يعتبر ابن الهيثم " واضع علم الضوء الحديث".لكنْ ما يهمنا هنا من كتاب المناظر، هو أنه المصدر الأساس للرسومات المنظورية في عصر النهضة، بإيطاليا على وجه الخصوص.الشئ بالشئ يُذكر، لقد تُرجم كتاب المناظر إلى الإيطالية في القرن الرابع عشر بعنوان: Deli aspecti . اعتمد على هذه الترجمة اعتماداً كليّاً الفنان الإيطالي لورنزو غيلبرتي Lorenzo Ghlberti (1378- -1455) وهو نحات وصائغ ومهندس معماري وكاتب ورسام. كان كتاب المناظر مدار فكر غيلبرتي في الفنّ وفي علم الجمال البصري، وربما كان"أساس تطوّر المنظورية في الرسومات الإيطالية، في بداية عصر النهضة". (A.Mark Smith 2001 ).انتقلت المنظورية من الرسم، كما يبدو، إلى عدسة التصوير فالكاميرا السينمائية فأصبحت علماً تخصصياً، إلا أنه لم يدخل، كما قلنا، في المصطلحنت النقدية.لتقريب مفهوم المنظورية، كمعيارنقدي Critique من الأذهان، فلا بأس من مقارنته بعين الرسام وبعدسة الكاميرا، ومن أية زاوية تلتقط الصورة، وأين يقف الرسام أو المخرج السينمائي. قال ناقد إنكليزي:" لتفهم نصّاً شعرياً فلا بدّ لك أوّلاً من تعيين أين يقف الشاعر من المشهد". بالإضافة؛ لا بدّ من تعيين زاوية نظره. يُذكر، أن معرضاً فنياً لرسامين يابانيين أقيم في العشرينات من القرن الماضي بلندن. ضمَ ذلك المعرض لوحات وقف فيها الرسامون في نقطة عالية ورسموا الأشياء التي تحت نظرهم. من هذا المعرض تعلّم الرسامون الإنكليز ولأول مرة، الرسم من الأعلى إلى الأسفل أيْ النظرة الجوية :Aerial view.لكن قبل ذلك، ظهرت النظرة الجوية في الشعر الإنكليزي في قصيدة ويردزويرث الشهيرة"كنت وحيداً أطوّف" . تُعرف هذه القصيدة أيضاً بعنوان آخر:"السوسن البري".كان راوية القصيدة ينظر إلى السوسن والأشجار والبحيرات من نقطة عالية. تمكّن الشاعر بهذه الوسيلة من تصوير بقعة أوسع، ومن كلّ الجهات مرّة واحدة: "كنتُ أطوّفُ وحيداً كغيمةتحلّق فوق الوديان والتلالعندما فجأة رأيتُ حشداًجُمّةً، من النرجس الاصفرجوار البحيرة، تحت الشجرترفرف وترقص في النسيم"سنتمعن في هذه القصيدة لاحقاً، ولكن ما المنظورية في المقطع أعلاه؟ وكيف وظّفها الشاعر؟ كان راوية القصيدة ينظر من الأعلى إلى الأسفل وذلك بتشبيه نفسه بغيمة.
المنظورية فـي تفسير النص..الشعــر السومــري- دانتـي- المتنبـي- شيكسبيــر
نشر في: 24 ديسمبر, 2010: 05:20 م