TOP

جريدة المدى > الملاحق > لا أحد يحب دفع الضرائب!

لا أحد يحب دفع الضرائب!

نشر في: 24 ديسمبر, 2010: 05:28 م

يبدو أن اليونانيين من أكثر الشعوب نفوراً من مسألة دفع الأموال للدولة. دميتريس جورغاكوبولوس، الرجل المسؤول عن الضرائب في وزارة المال، يقول إن هذا الموقف يعود إلى الفترة التي كان فيها العثمانيون يحكمون اليونان، حيث كان الناس يتهربون من دفع الضرائب كشكلٍ من أشكال المقاومة. أما المواطنون العاديون، مثل المحامية إلينا تسانيتاكو (29 عاماً)، فيوجهون أصابع الاتهام إلى السبب المباشر المتمثل في الفساد، حيث تقول: «النظام الحالي فاسد، مثلما كان دائماً في الماضي، لذلك يتساءل الناس: لماذا يجب علينا دفع المال؟»
خلال العقود الأخيرة، كلما وصلت حكومة إلى السلطة في اليونان، كانت تقسم بمحاربة الفساد والتهرب من الضرائب، لكن خلال سنوات الوفرة، لم تكن هناك ضغوط خارجية تُذكر على البلاد كي تصلح شؤونها الداخلية. أما الآن، وبعد خروج الدين العام لليونان عن السيطرة وتوجيه الاتهامات لها بتعريض اليورو للخطر، أصبح سقف الرهانات أعلى بكثير، فقد بات يتحتم على اليونان أن تخفض الإنفاق وتجمع المزيد من العائدات، وإلا فإنها ستتعرض لخطر التخلف عن دفع ديونها.وقد أعلن رئيس الوزراء اليوناني بأن الإصلاح الضريبي سيكون العنصر الأهم في خطة التقشف التي تبناها، حيث قال إن بلاده عازمة على معالجة أوضاعها الاقتصادية المأزومة من جذورها. ثم أضاف إن اليونان سوف تصلح عجزها المالي من دون اللجوء إلى ما لجأت إليه مؤخراً إيرلندا وإسبانيا والبرتغال، وهو إحداث تخفيضات كبيرة في الأجور والوظائف، بل ستقوم بدلاً من ذلك بملاحقة المتهربين من دفع الضرائب. وكان باباندريو لخَّص مشاكل اليونان إنها ناتجة عن «الهدر والفساد وعدم احترام القانون»!لكن ثمة أسباباً وجيهة تدعو للشك بأن اليونان لن تجد علاجاً سريعاً لمشاكلها الضريبية. فثقافة التهرب من الضرائب في هذه الدولة، كما هو الحال في سائر الدول الأخرى الواقعة جنوب أوروبا، راسخة الجذور ومتغلغلة ضمن نسيج العلاقة بين المواطن والدولة. أحد صغار رجال الأعمال، الذي طلبَ أن يُنادى فقط باسم دميتريس كي لا يواجه عواقب وخيمة في حال عرفت السلطات اسمه الحقيقي، قال: «اليونانيون يحبون وطنهم، لكنهم لا يثقون به؛ فمن ناحية يقولون لنا إن الدولة مفلسة، ولا توجد أموال كافية للصحة والمعاشات التقاعدية والتعليم؛ ومن ناحية أخرى نشاهد كيف يقوم الناس ببناء المنازل الكبرى المجهَّزة بالمسابح»!؟ويعترف دميتريس، الذي يمتلك متجراً صغيراً، بأنه يتهرب من دفع الضرائب. ويقول إن الفواتير الضريبية التي يسلمها لا تعادل إلا نصف ما يبيع تقريباً. وعندما يُطلب منه الكشف عن العائدات، فإنه لا يكشف إلا عن تلك العائدات التي أصدر إيصالات بموجبها. والأمر نفسه ينطبق على الشركات التي تزوِّده بالمواد، حيث لا تعلن إلا عن نصف ما تبيع، كما أن الشركات الأخرى التي تقوم بإدخال تلك المواد إلى البلاد لا تقوم بدفع كامل الرسوم الجمركية المترتبة عليها حتى الآن. يقول دميتريس: لم يخضع متجره للتدقيق، لكن عندما يأتي موظفون من الجهات المختصة للتدقيق في سجلاته، فإنه يستطيع استمالتهم عبر تقديم الرشوة لهم. يُذكر أنه في العام 2007، وهي السنة الأخيرة التي تتوفر عنها إحصاءات، لم تحاكم السلطات سوى 10 أشخاص بجرائم تتعلق بالتهرب من الضرائب.من المستحيل تقريباً حساب كلفة التهرب من دفع الضرائب في اليونان. إلا أن الحكومة اليونانية تقول إن 30 في المئة من اقتصادها يتمكن من الإفلات من الضرائب، ما يجعل منها واحدة من أضخم الأسواق السوداء بين دول منطقة اليورو الست عشرة.صحيحٌ أن اليونان تواجه أزمة في الوقت الحالي، لكن ثمة مخاوف من أن الدول الأخرى الضعيفة في منطقة اليورو قد تلحق بها؛ إذ إن جزءاً كبيراً من اقتصادات البرتغال وإيطاليا وإسبانيا يتمكن من الإفلات من نظام الضرائب المعمول به، كما أن هذه الدول، على غرار اليونان، تواجه عجوزات هائلة في ميزانياتها.في جميع تلك البلدان يؤدي التهرب من الضرائب إلى الحد من عائدات الدولة؛ لكنه وبدرجات متفاوتة، كما يرى تيتو بوري، أستاذ الاقتصاد في جامعة بوكوني في ميلان، يمثل أيضاً السبب الرئيس للمشاكل الأخرى المتعلقة بالقدرة على المنافسة. يقول بوري: «أعتقد أن المشكلة الحقيقية التي تطرحها قضية التهرب من الضرائب تتمثل في أنها تركِّز الضغوط الضريبية على شريحة صغيرة من قوة العمل؛ وهذا يشكل عائقاً أمام النمو».هذا التهرب الواسع الانتشار من دفع الضرائب يغذي الموقف الرائج بين اليونانيين الذي يعتبر أن الأغبياء فقط هم الذين يدفعون الضرائب، لذلك لا عجب إذا كانت العائدات الضريبية اليونانية (19,8 في المئة من إجمالي الناتج المحلي) تُصنف بين الأدنى مقارنةً بباقي الدول الأوروبية، حيث لا تتقدم إلا على تلك الدول التي لا تستخدم اليورو، مثل جمهورية التشيك وسلوفاكيا ورومانيا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

اشتعال أزمة سوريا وتركيا.. ورومني يدعم تسليح المعارضة
الملاحق

اشتعال أزمة سوريا وتركيا.. ورومني يدعم تسليح المعارضة

  دمشق / BBCبعد أيام من سقوط القذائف السورية عبر الحدود إلى تركيا، ما يزال التوتر وأعمال القتل، تتصاعد على جانبي الحدود، في وقت أعلن فيه مقاتلو المعارضة قرب السيطرة على معسكر للجيش النظامي...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram