TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > السياسة بين أرسطو.. واليوم

السياسة بين أرسطو.. واليوم

نشر في: 23 يوليو, 2024: 12:27 ص

داميان ثيلير

ترجمة: عدوية الهلالي

في هذه الفترة التي تتسم بالمناظرات الانتخابية والشعارات والعبارات القصيرة، يبدو من المفيد لنا أن نتذكر، مع مفكري القانون الطبيعي، أن السياسة ليست كل الحياة في المجتمع. إنها ليست بداية ولا نهاية.
قبل السياسة، كان هناك أفراد يجتمعون للبحث عن لقمة عيشهم وكذلك عن سعادتهم. وإذا لجأوا إلى القوة الحكومية، فذلك لحماية ممتلكاتهم: حياتهم وحريتهم وممتلكاتهم. لكن السياسة ليست ملكاً للأفراد، بل هي في خدمتهم.
لكن هذا بالضبط ما تؤكده نظرية القانون الطبيعي، التي صاغها أرسطو لأول مرة. فهويؤكد أن هناك محتوى في أي نظام قانوني لا يعتمد على إرادة المشرع، وبالتالي فإن القواعد مفروضة على المشرع. والقانون الطبيعي هو ماهو صالح عالميًا، في كل مكان وفي كل زمان. والقانون الوضعي هو ما هو في حد ذاته غير مبالٍ ولكنه ملزم للجميع نتيجة لاختيار تقليدي ومشروط.
وهكذا يميز أرسطو بين الحق الطبيعي والحق الإيجابي أو الاتفاقي فالعدالة السياسية نفسها نوعان، أحدهما طبيعي والآخر قانوني. والطبيعي هو الذي له نفس القوة في كل مكان، ولا يعتمد على هذا الرأي أو ذاك؛ أما القانوني فهو الذي يمكن أن يكون في الأصل هذا أو ذاك، ولكن بمجرد إثباته يفرض نفسه.ولذلك هناك فكرة العدالة الطبيعية عند أرسطو، فالعدالة الطبيعية هي التي لها نفس القوة في كل مكان ولا تعتمد على هذا الرأي أو ذاك. إن التمييز بين العادل والظالم يتطلب عمل العقل لاكتشاف ما يتوافق أو لا يتوافق مع الطبيعة العالمية للإنسان التي نهايتها السعادة وتتطلب تحقيق استعدادات معينة للنفس.
وفي الفكر اليوناني، الطبيعي هو ما يتوافق مع النمو الطبيعي للكائن الحي.وكل كائن حي له غرض داخلي. وعندما يتحقق النمو، يتحقق هذا الهدف الداخلي. ومع ذلك، هناك بعد غائي في الوجود الإنساني. بل إن هناك مجموعة من الغايات التي يمكن تحديد أولوياتها: الحفاظ على الحياة، والسعادة، والحرية، والعدالة. وهذا أيضًا ما نسميه السلع الأساسية.
إن عبارة "حقوق الإنسان"، التي يتفق عليها كثير من الفقهاء، تؤيد ضمنا فكرة القانون الطبيعي لأنها تستهدف الحقوق المرتبطة قبل أي تشريع وضعي بإنسانية الإنسان ذاتها. وبدون هذا المعيار الأخلاقي الأعلى، لن تكون هناك سلطة نقدية قادرة على تفسير النظام القانوني والتشكيك فيه.
وتذكرنا هذه الفكرة بأن الأمير (مثله مثل الرؤساء الحاليين) لا يتمتع بالعدالة بحد ذاتها، بل هو نفسه يخضع لقانون يتجاوزه ويجب أن ينظم حكمه. القانون الوضعي يؤسس نظام العدالة السياسية، لكنه لا يملك العدالة نفسها. ويقول أرسطو إنه إذا كان هناك قانون إيجابي فقط، فإن كريون سيكون دائمًا على حق، حتى عندما يكون مخطئًا. لكن إذا حافظنا على الفكرة التنظيمية للقانون الطبيعي، فسوف تتمكن أنتيجون من الوقوف عندما يحين الوقت والاحتجاج ضد قانون غير عادل، وهو الحق الأسمى للقانون غير المكتوب.
ولذلك لا يمكن فصل السياسة في فكر أرسطو عن الأخلاق. وهكذا، وفقًا لأرسطو، فإن "نهاية السياسة ستكون الصالح الإنساني الصحيح. ".وفي الواقع، يقول أرسطو بشكل جوهري في السياسة، إن الإنسان لا يمكنه تحقيق كامل إمكاناته في الحياة في المجتمع، إلا من خلال التعاون والصداقة. إن الأخلاق تؤدي إلى السياسة، والسياسة لها نهاية أخلاقية.
*بروفسور في الفلسفة

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram