بغداد / المدى
يشهد العراق تصاعداً ملحوظاً في انتشار المخدرات، حيث أصبحت قضية تهريب وترويج المواد المخدرة تحدياً كبيراً يؤثر على المجتمع.
وعقد في بغداد، صباح أمس الاثنين، مؤتمر بغداد الدولي الثاني لمكافحة المخدرات، الذي تشارك فيه وفود على مستوى وزراء الداخلية وأجهزة مكافحة المخدرات من تسع دول عربية وإقليمية، والأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب، وجامعة نايف للعلوم الأمنية، فضلاً عن مشاركة مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة المنظمة. مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي افتتح اعمال المؤتمر، ذكر في بيان تلقته (المدى)، أن "أهمية رفع مستوى التنسيق والتعاون المشترك في مواجهة هذه السموم الفتاكة بالمجتمعات والاقتصاد، وتأثيراتها في استقرار المنطقة بأسرها"، مشيراً إلى أن "العراق يضع خبراته وإمكاناته الاستخبارية، وفي مجال مكافحة الإرهاب، برسم هذا التعاون البنّاء".
وقال رئيس مجلس الوزراء، في كلمته خلال المؤتمر: إن "مكافحة المخدرات مسؤوليةٌ تتحملُها الدولةُ بكلِّ أجهزتِها وأذرعِها، كما تتحملُها مُجتمعاتُنا بجميعِ عناوينِها الاعتباريةِ العاملة".
وأوضح، أن "المخدرات والمؤثرات العقلية عامل أساسي من عوامل عدم الاستقرار في المنطقة، وتهديدها لا يقتصر على الضرر الذي تستهدف به الشباب بل يعني أن المستقبل بمجملهِ يقعُ في دائرةِ الأخطار".
وأشار، إلى أن "التخادم بين الإرهاب وعصابات المخدرات يسعى إلى خلقِ مناطقَ مَعزولةٍ، تخرجُ عن سيطرةِ القانون، وتستهدف زعزعة الأمن وهز الأسس المستقرة للمجتمعات".
واستطرد، أن "هدف المخدرات والإرهاب يتمثل في نَشرِ الصِّراع، وتوسعةِ ساحاتِ العُنف، لإنتاج التطرّف، والمزيدِ من اللاجئين، إذ إن المُخدّراتُ لم تعدْ مجرّدَ عقاقيرَ كيميائيةٍ تلعب بعقولِ بعضِ الأفرادِ والمُتعاطين، بل هي وسيلةٌ لتدمير المجتمعاتِ من الداخل".
إحصائيات
وتطرق المشاركون في المؤتمر إلى الإحصائيات الخاصة بكميات المخدرات التي جرى ضبطها والمتهمين الملقى القبض عليهم في الأعوام الممتدة من 2022 و2023 والنصف الأول من العام الجاري، إضافة إلى الإحصائيات الخاصة بنسبة ترويج وتعاطي المخدرات في الدول المشاركة في هذا المؤتمر، والثغرات القانونية في التشريعات النافذة للدول المشاركة ومدى الحاجة إلى تعديلها وأبرز التحديات التي تحول دون نجاح الخطط الخاصة بمكافحة المخدرات ومدى فعالية التواصل وتبادل المعلومات من ضباط الاتصال الذين سموا في مؤتمر بغداد الأول لمكافحة المخدرات والاجتماع الرباعي الذي عقد في الأردن.
وبحسب المتحدث باسم وزارة الداخلية مقداد ميري، فإن "الوزارة تمكنت خلال الأشهر الستة الماضية، من ضبط مواد مخدرة بكمية إجمالية بلغت: طنًا و (822) كيلوغرامًا، وتضمنت هذه المواد: (الكريستال، الترامول، الحشيش، الأفيون، الهيروين، والكوكايين)، مما أظهر انخفاضًا بنسّبة: (4%) في جرائم المخدرات مقارنة بالأشهر الستة الأولى من السنة الماضية، كما تم القبض على: (7.705) متهمين في مجال جرائم المخدرات".
ويرى خبراء، أن "انتشار المخدرات في العراق وعدد من دول المنطقة، يشكل ظاهرة خطيرة للغاية، ويشير لتطور قدرات الإنتاج والترويج من قبل مافيات الاتجار بالمخدرات، بالإضافة إلى زراعة الحشيش وغيره من مواد مخدرة في بعض مناطق العراق. وما يزيد الأمر تعقيدا هو زيادة نشاط شبكات التهريب، من أفغانستان مرورا بإيران فالعراق، ومن ثم نحو بقية دول المنطقة، وبالعكس".
من جانبه، أكد مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، اليوم الاثنين، ان السلطات العراقية صادرت العام الماضي كميات قياسية من حبوب الكبتاغون قد تصل قيمتها إلى 144 مليون دولار، محذرة من أن البلاد تتحول إلى "محور" مهم لتهريب المخدرات.
وبحسب تقرير لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة: "شهد العراق طفرة هائلة في الاتجار بالمخدرات واستهلاكها خلال السنوات الخمس الماضية"، لا سيما حبوب الكبتاغون المخدرة والميثامفيتامين".
ووفق التقرير، "صادرت السلطات العراقية في العام 2023 "رقماً قياسياً بلغ 24 مليون قرص كبتاغون" يفوق وزنها 4.1 أطنان، وتقدّر قيمتها بما بين 84 مليون دولار و144 مليوناً".
وأشار التقرير إلى أن "مضبوطات الكبتاغون زادت بنحو ثلاثة أضعاف" بين العامين 2022 و2023، لافتاً إلى أن المضبوطات في العام الماضي هي "أعلى بمقدار 34 مرة" من تلك في 2019. والكبتاغون تسمية قديمة لعقار يعود إلى عقود مضت، لكن تلك الحبوب، وأساسها الأمفيتامين المحفّز، باتت اليوم المخدّر الأول على صعيد التصنيع والتهريب وحتى الاستهلاك في منطقة الشرق الأوسط.
تحذير الأمم المتحدة
وحذر تقرير الأمم المتحدة من أن "العراق معرض لأن يصبح محوراً متزايد الأهمية بالنسبة لمنظومة تهريب المخدرات عبر الشرق الأوسط والأدنى، حيث يقع العراق في نقطة تقاطع منظمة عالمية معقدة لتهريب المخدرات".
وغالباً ما تعلن بغداد ضبط كميات كبيرة من المواد المخدرة أبرزها الكبتاغون الذي يتمّ تهريبه بشكل أساسي من سوريا التي باتت المصدر الرئيسي لتصنيع تلك الحبوب المخدرة.
وبحسب تقرير الأمم المتحدة، فإن 82% من حبوب الكبتاغون المضبوطة في المنطقة بين عامي 2019 و2023 مصدرها سوريا، يليها لبنان (17%).
ويتحول العراق تدريجياً أيضاً إلى ممر لتهريب الميثامفيتامين، ومصدره الأساسي جنوب غرب آسيا وخصوصاً أفغانستان. وسجّلت في العراق زيادة في المضبوطات تناهز ستة أضعاف بين 2019 و2023. وحذر تقرير الأمم المتحدة من أنه "رافق ارتفاع عمليات نقل المخدرات عبر العراق والدول المجاورة، زيادة في الاستهلاك المحلي في جميع أنحاء البلاد".
وأوصى المشاركون في المؤتمر في بيان ختامي بـ"تعزيز آليات العمل المشترك واعتماد مبدأ التكامل في العمل الأمني من اجل قطع طرق تهريب المخدرات".
الأول عربياً في مكافحتها
كشف رئيس المركز الستراتيجي لحقوق الإنسان، فاضل الغراوي، أمس الاثنين، أن العراق احتل المرتبة الأولى عربياً في مجال مكافحة المخدرات خلال الثلاث سنوات الأخيرة.
وقال الغراوي في بيان إن "المديرية العامة لشؤون المخدرات التابعة لوزارة الداخلية العراقية، ألقت القبض على 42 ألف تاجر وحائز مخدرات خلال ثلاث سنوات".
وبين أن "العام 2022 شهد القبض على 17 ألف تاجر وحائز مخدرات بينهم 123 أجنبياً، وبلغت كمية المواد المضبوطة نصف طن من المخدرات بأنواعها كافة (18) مليون حبة".
وأضاف "كما العام 2023 شهد القبض على 9 آلاف تاجر وحائز مخدرات وضبط 12 طناً من المخدرات والمؤثرات العقلية"، مشيراً إلى أن "العام الحالي شهد القبض 16 ألف تاجر وحائز مخدرات وضبط 12 طناً من المخدرات والمؤثرات العقلية".
وتابع الغراوي "نسبة التعاطي في المناطق الفقيرة بلغت 17%، وأعلى نسب لأعمار المتعاطين تراوحت بين 15-30 سنة، وأكثر المواد تعاطياً في العراق هي الكرستال حيث بلغت 37.3%، والكبتاغون بنسبة 34.35%، والأنواع الأخرى بنسبة 28.35%".
ولفت إلى أن "العام 2022 شهد إتلاف خمسة آلاف طن من المخدرات والمؤثرات العقلية، و54 مليون حبة مخدرة، و31 ألف أمبولة، وتسعة آلاف قنينة من المخدرات المختلفة".
وأردف "العام 2023 شهد إتلاف كميات كبيرة من المخدرات والمؤثرات العقلية بواقع طنين و118 كيلو 386 غراماً، بالإضافة إلى أربعة ملايين و934 ألفاً و132 قرصاً مخدراً".
وأوضح الغراوي أن "العام الحالي شهد إتلاف 42 كيلو و322 غراماً و380 مليغراماً، و772 قرص من مجموعة مواد مخدرة ومؤثرات عقلية مختلفة". ودعا الغراوي الحكومة، بمناسبة انعقاد أعمال مؤتمر بغداد الدولي الثاني لمكافحة المخدرات، إلى إطلاق السياسية الإقليمية لمكافحة المخدرات تشارك فيها الدول العربية والإقليمية كافة، لتعزيز التعاون في مكافحة المخدرات وإصدار اتفاقية إقليمية لمكافحة المخدرات والوقاية منها، وإطلاق حملة وطنية للوقاية، وتعزيز التعاون الدولي، وتعديل قانون المخدرات بما يضمن تشديد الأحكام ضد تجار المخدرات، وإنشاء مصحات لتأهيل المدمنين.