TOP

جريدة المدى > سياسية > كفاح يومي بلا ضمانات.. عمال تحت شمس بغداد الحارقة

كفاح يومي بلا ضمانات.. عمال تحت شمس بغداد الحارقة

نشر في: 23 يوليو, 2024: 12:47 ص

المدى – تبارك المجيد
في سوق شعبي وسط بغداد، يقف حسان، الرجل ذو الأربعين عاماً، خلف كشكه الصغير لبيع المأكولات السريعة. يستعد منذ الفجر ليوم طويل تحت شمس تتجاوز حرارتها الخمسين درجة مئوية. على الرغم من التحديات، يحرص حسان على تقديم أفضل الشطائر والكباب للزبائن الذين يعرفونه ويثقون بجودته.
عندما تصل الشمس إلى ذروتها، يتحول كشكه إلى فرن، لكن حسان يواصل العمل بلا توقف، مستقبلاً الزبائن بوجه بشوش وكلمات طيبة. يواجه الحرارة بتفاؤل، مدركاً أن الجهد المبذول سيعود عليه برزق كريم. وفي نهاية اليوم، يجمع أغراضه ويعود إلى منزله، ليعود في اليوم التالي مستعداً لمواجهة شمس بغداد من جديد.
حسان ذكر لـ(المدى) أنه أغمي عليه عدة مرات بسبب الحرارة، لكنه لا يملك خياراً آخر، فهذا مصدر رزق عائلته.
دون ضمانات اجتماعية أو حتى صحية، يعمل العديد من العمال في العراق بمختلف المهن تحت أشعة الشمس الحارقة. وبالرغم من منح بعض المحافظات العراقية عطلًا رسمية لوصول درجات الحرارة إلى 50 درجة، إلا أن أصحاب المهن الحرة غالبًا ما يكونون خارج إطار تلك العطل الرسمية، التي تشمل الموظفين في الدولة فقط.
تحدث معاون مدير عام دائرة التوعية والاعلام البيئي في وزارة البيئة، أنعم ثابت خليل عن تأثير ارتفاع درجات الحرارة على جميع شرائح المجتمع، مشيرًا بشكل خاص إلى الفئات التي تعمل تحت أشعة الشمس المباشرة مثل العمال والمزارعين وأصحاب البسطات، أوضح أن تأثير الشمس يتمثل في زيادة مستويات الأكسجين في الجسم إلى مستويات عالية، مما قد يؤثر سلبًا على صحة الإنسان بشكل خاص.
وبحديث مع (المدى) أكد خليل، أن "ارتفاع درجات الحرارة يساهم في زيادة معدلات الأشعة فوق البنفسجية الضارة بالجلد، والتي قد تسبب أمراضا جلدية متنوعة من بينها السرطان".
وعن إجراءات وزارة البيئة، بين أنها "تتخذ إجراءات للتكيف مع التيارات المناخية وارتفاع درجات الحرارة من خلال زيادة الاستزراع وإعادة الغطاء النباتي والتشجير"، مضيفاً، أن "هذه الجهود تتطلب توفير المياه واستدامتها، حيث أن غياب الاستدامة النباتية يمكن أن يؤدي إلى تدهور سريع".
وأشار إلى أن زراعة الأشجار وخاصة الأنواع الملائمة للبيئة، بالإضافة إلى مشاركة المواطنين، تساهم في زيادة معدلات الأكسجين، مما يساعد في التغلب على آثار ارتفاع درجات الحرارة.
وفقاً لخليل: "تساهم الأشجار والغطاء النباتي بشكل عام في تقليل درجات الحرارة والتخفيف من تأثير التيارات المناخية، لذا تعمل وزارة البيئة بالتعاون مع الجهات المختصة مثل وزارة الموارد المائية والبلديات والأمانات لتوفير الغطاء النباتي والتشجيع على زراعته، مما يقلل من تأثير درجات الحرارة العالية ويساهم في زيادة معدل تساقط الأمطار في فصلي الشتاء والربيع".
يشهد العراق منذ أكثر من ثلاثة عقود أزمة حقيقية في انقطاع التيار الكهربائي وانهيار منظومة الطاقة الكهربائية، مما يزيد من معاناة العمال خلال فصل الصيف حيث ترتفع درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية في بعض الأيام. علياء حسين ماهود، عضو المكتب التنفيذي في اتحاد نقابات عمال العراق، تحدثت لـ(المدى) عن هذه الأزمة وتأثيرها على العمال.
بينت علياء، أن "الإجهاد الحراري يحدث عندما تصل درجة الحرارة إلى مستويات لا يمكن أن يتحملها جسم الإنسان دون التعرض لتدهور صحي، خاصة عند درجات حرارة تتخطى 35 درجة مئوية في مناخ عالي الرطوبة". وأشارت إلى أن التعرض للحرارة الزائدة يشكل خطراً على الصحة المهنية، حيث يحد من القدرات الجسدية للعمال ومن قدرتهم على العمل، مما يؤثر سلباً على الإنتاجية. كما حذرت من أن التعرض الشديد لأشعة الشمس قد يسبب وفيات، خاصة للفئات الضعيفة جسدياً.
ولفتت علياء إلى الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الإجهاد الحراري والتي تزيد من الحرمان الاقتصادي القائم بالفعل، مثل ارتفاع معدلات الفقر وزيادة العمل غير المنظم والزراعة بغرض الكفاف وضعف الحماية الاجتماعية. وأضافت أن النساء العاملات في زراعة الكفاف والرجال العاملين في قطاع البناء والتشييد هم الأكثر تضرراً من هذه الظروف. كما ذكرت أن الإجهاد الحراري يزيد من الهجرة، حيث يغادر العمال الريف بحثاً عن فرص أفضل، فيما وصفت العمل تحت اشعة الشمس الحارقة بأنه "كفاح يومي لا يتوقف".
وأكدت علياء أن "عمال العراق، خاصة عمال البناء وفرق وزارة الكهرباء، يعانون بشكل كبير من تأثيرات الإجهاد الحراري. حيث تستمر أعمال الصيانة في فصل الصيف على مدار 24 ساعة بسبب صهر الأسلاك ونشوب حرائق في محولات ومحطات الكهرباء". وذكرت أن عدد أعمال الصيانة قد يصل إلى أكثر من 180 أمر عمل يومياً في أصغر المدن العراقية، وفي كافة أنحاء العراق تصل إلى مئات الأوامر يومياً خلال الفترة من حزيران/يونيو إلى آب/أغسطس.
ختاماً، شددت علياء على ضرورة اتخاذ إجراءات فاعلة في مجال الصحة والسلامة المهنية لحماية أرواح العاملين. وأشارت إلى ضرورة وجود توصيات واضحة تستهدف العاملين في درجات الحرارة العالية وتحت أشعة الشمس المباشرة، للتعرف على طرق الوقاية والتعامل مع هذه الظروف. كما أكدت على الحاجة إلى سياسات وإجراءات لحماية العاملين في هذه الظروف القاسية لضمان سلامتهم وصحتهم وتحسين ظروف عملهم.
من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، تحدث لـ(المدى) مع مدير عام المركز الوطني للصحة والسلامة المهنية، م. مشرق عبد الخالق، وقال، أن "ارتفاع درجات الحرارة والتغير المناخي الذي تتعرض له البلاد يؤدي إلى تعرض العمال لأشعة الشمس بشكل مستمر، مما يزيد من خطر الإصابة بالإجهاد الحراري".
وعن دور المركز الوطني للصحة والسلامة المهنية، بينه انه "يتجلى في التثقيف والتوعية بهدف تجنب هذا المرض من خلال الالتزام ببعض الإجراءات الوقائية التي يجب على كل عامل اتباعها لتجنب التعرض المستمر لأشعة الشمس وبالتالي الحماية من الإجهاد الحراري".
وأكد عبد الخالق، أن "المركز يعمل على عقد ورش توعوية تثقيفية بالتعاون مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ضمن حملة "سلامتك أولويتنا"، التي انطلقت منذ أكثر من أسبوعين. تشمل الحملة زيارة مواقع العمل، خاصةً التي يتعرض فيها العمال لأشعة الشمس المباشرة، مثل الجسور والمجمعات السكنية الحديثة. وخلال هذه الزيارات، تم توزيع فلكسات وبوسترات توعوية، بالإضافة إلى لقاءات مع أصحاب العمل والعمال لشرح كيفية تجنب الإجهاد الحراري".
وأشار إلى، أن "من أهم الإجراءات الوقائية التي يعمل عليها المركز الوطني للصحة والسلامة المهنية، هي توعية العامل بارتداء الخوذة أثناء العمل، تقليل ساعات العمل، التوقف عن العمل في ساعات الذروة، ضرورة وجود أماكن ظليلة، والإكثار من شرب الماء. كل هذه الإجراءات تهدف إلى تقليل تعرض العمال لأشعة الشمس ومن ثم تجنب الإجهاد الحراري".
كما أعلن مشرق عن نية المركز عقد مؤتمر علمي مخصص لموضوع الإجهاد الحراري، بمشاركة وزارة الصحة ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بالإضافة إلى القطاعات التي يتعرض عمالها لأشعة الشمس مثل القطاع النفطي. سيتمخض عن هذا المؤتمر توصيات تُلزم كافة الوزارات بالالتزام بها للحد من إصابات وحوادث العمل، وفقا لقوله.
وأوضح، أن "المركز الوطني للصحة والسلامة المهنية يحتوي على قسم مخصص للتوعية والتثقيف، والذي يقدم العديد من الدورات التدريبية المجانية للعمال في مجالات السلامة المهنية والإسعافات الأولية وفحص المواد الكيميائية وتخزينها. هذه الدورات تهدف إلى تعزيز ثقافة العمال بتطبيق اشتراطات الصحة والسلامة المهنية في كلا القطاعين، العام والخاص".
وفي ختام حديثه، أكد عبد الخالق على "تعاون المركز الوطني للصحة والسلامة المهنية مع منظمات دولية في إعداد سياسات وبرامج خاصة بالصحة والسلامة المهنية. ولأول مرة في العراق، تم وضع سياسة للصحة والسلامة المهنية تهدف إلى تنفيذ وتطبيق اشتراطات الصحة والسلامة في مواقع العمل، والحد من إصابات وحوادث العمل. كما تشمل هذه السياسة تطوير مهارات وقدرات العاملين في هذا المجال".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

مقالات ذات صلة

هجوم
سياسية

هجوم "الطوز" يكشف وجود تمويل ومصانع عبوات لـ"داعش"

بغداد/ تميم الحسن بعد 7 سنوات من هزيمة تنظيم "داعش" في العراق، اعترف التنظيم بتنفيذ هجوم "دقيق"، وفقًا لوصف خبراء، استهدف قوات عسكرية شرقي صلاح الدين.الهجوم، الذي أسفر عن مقتل وإصابة 6 عسكريين، بينهم...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram