طالب عبد العزيز
تتحدث الموازنة العراقية عن أرقام كبيرة مخصصة لمديريات الأوقاف الدينية (السني، الشيعي، المسيحي) وبغض النظر عن أحاديث الفساد المعلنة وغير المعلنة، والهدر بالمال العام، فضلاً عن أعداد الموظفين فيها والتي تفوق موظفي وكالة ناسا الفضائية، بحسب ما نقرأ ونسمع.. وغير مبالين كذلك، بالأموال التي ترد الأوقاف من هنا وهناك، وهي كثيرة بلا شك، إلا أننا لا نجدُ عملاً واحداً من شأنه لملمة نثار الجسد العراقي، تحت راية الدين الحنيف، الذي يدعو الى ذلك، أو إشارة حتى تخصُّ وحدة ومستقبل الانسان العراقي، وسط هذه المشاحنات والتقاطعات التي يفتعلها السياسيون، والتي ستقود البلاد الى نهايات لا يعلمها إلا الله. نقول هذه باِفتراض أنَّ الأوقاف هذه واجهات دينية لا سياسية.
إذا كان المشروع السياسي قائماً على التفرقة بين الطائفتين، بخديعة الناس دينياً، وهو واضح ومعلن من خلال الانقسامات الطولية والعرضية بينهم، بعيداً عن مصلحة البلاد في الوحدة والوطنية فإن مهمة الأوقاف الشرعية تقتضي نبذ الفرقة هذه، بل والعمل على سدِّ أبوابها، وعدم الإتجار بها على طريقة السياسيين المعلنة، وهنا ستقوم الخطوة الأولى على مرتكز توحيد الأوقاف في مديرية واحدة، أمّا غير ذلك فهم شركاء معهم، ويمارسون ذات الدور في تخريب البلاد، ولنا في تذكر بيت الجواهري المثال المناسب هذا حين يقول:" مستأجَرين يخرّبونَ ديارَهم. ويكافَئونَ على الخرابِ رواتبا". أما إذا كان الوظيفة هي لجمع المال، وهو مال غير معلوم المقدار بطبيعة الحال فصدقته إنفاقه في ما يصلح شأن الامة وتوحيد كلمتها، وهل هناك أيسر من ذلك بوجود المال والكلمة السواء، مع علمنا بأن فئات كهذه إنما تعتاش على الفرقة، ولا يعنيها من أمر الامة إلا توسعة الشق والتنعم بتوسعته.
الغريب أنَّ أثرنا العربي الديني يكاد أنْ يكون خلواً من أسباب التقريب، ومن يقلبُ كتبنا الفقهية وكتب الحديث والسير قلما يعثر على بذرة الوحدة التي نتحدث عنها، والفجوات كثيرة، عمل الولاة والامراء على تعظيمها، ولعلنا نجدُ العذر لهم، فهم صنيعة أزمنة تراجع العلم فيها، واستثمرت الاميّة، واستعملت السياسة بوجود الحاكم الفارسي والعثماني.. لكننا، ونحن في الألفية الثالثة، حيث لم يعد للتجهيل والاستغفال وجود بمعنى الوجود، فالمعارف متاحة للجميع، وفكرة الخلق والخالق والأديان وسواها واضحة في رؤوس القائمين على المؤسسات الدينية، وبطبيعة الوظيفة هذه فهم الأعلى مرتبة في فهم الدين والتشريع والسنة.. لذا، يتوجب عليهم تدارك الامر، والعمل بعيداً عن الاهواء والاغراض الشخصية، وإلا فهم متصلون بأسلافهم في الأزمنة الغابرة تلك، أو باحثون عما يعمق من الهوة بين المذهبين، وهم في هذه وتلك مسؤولون أمام الله الذي يعرفونه وأمام الناس الذين يعرفونهم.
هناك المئات من الأملاك الوقفية بيعت أو أجرت أو سرقت، بعد العام 2003 كان أصحابها قد أوقفوها لصالح الناس الفقراء، لكنها اليوم موارد ضخمة تذهب الى جيوب الأغنياء، على خلاف القاعدة الوقفية. البائع والمستولي والمستأجر كلهم على جادة الباطل. سنعلم لماذا يشترك موظف الوقف مع السياسي في لعبة الوجود والبقاء والسيطرة بمعاينة بسيطة الى ما آلت اليه الأملاك الموقوفة تلك، أتصفح كتاب الشيخ عبد القادر باش أعيان (خطط البصرة) فأقع على مئات الدونمات و الأملاك الموقوفة من قبل المحسن الفلاني والمحسنة الفلانية ثم أبحث في واقعها اليوم فأراها نهباً بين دائرتين، واحدة كانت لا تملك شيئاً، وثانية باتت تملك القليل منها، والله المستعان.