د. عبد جاسم الساعدي تعود الأسئلة وتتجدد عن الثقافة والمثقفين والوزير إلى صدارة البحث والحوار والمراجعة النقدية ، وكأنها بين ضفتين متقاطعتين، ضفة المحافظة على القديم والدفاع عن شروطه ومرتكزاته الدينية والاجتماعية ووضع العقبات الممكنة أمام أيّ تحول ثقافي آخر، يمكن أن يهزّ مؤسسات القديم ويخضّ مكوناته ويجرده عن خيوطه التي يتشبث بها ويصدر الدعوات والفتاوى والقرارات للتحريض والتعبئة على قوى التغيير والتجديد، من دون فهم طبيعة المشاركة وتحمل المسؤولية لبناء عراق ينهض بأدبائه ومبدعيه ومفكريه وفنانيه .
والعراق الحديث بكل مكونات الحداثة ومفاصلها الثقافية والأكاديمية كانت عنواناً لسمعة العراق وتطوره وإضاءته المعرفية في منطقة الشرق الأوسط والعالم ، بما قدّم من منجزات في فضاءات الكتابة، والإبداع والفن والعلوم التطبيقية، والاجتماعية ونشر الثقافة المدنية والنقابية والمهنية ، وثقافة الاحتجاج والاعتراض على ثقافة الاستبداد والخوف والطغيان . إن الحملات المضادة على اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، في ما يخصّ غلق ناديه الاجتماعي، تحولت إلى موقف واضح الدلالة والأهداف على المثقفين والأدباء ، وخرجت عن كونها حواراً ومساجلة نقدية إلى تصفية " حسابات " تعود إلى النتائج التي ترتبت على انتخابات الهيأة الإدارية الجديدة للاتحاد، بما تحمل من أساليب غير ديمقراطية ، كانت تحاول الحفاظ على " شرنقتها " القديمة من دون المرونة واستيعاب التنوع والطاقات الجديدة في العراق ، فخرجت الحملة عن مراميها الثقافية إلى لغة التهديد والتحريض والإقصاء ، بما لا ينسجم أبداً مع الدور الريادي والثقافي للأدباء والكتاب والصحفيين والفنانين وكل المعنيين ببناء عراق آخر ، فهم الذين يواجهون الإرهاب والاستبداد من خلال الدفاع عن ثقافة المواطنة والحوار والتعدد الثقافي . سينتهي تماماً زمن التهديد والخوف والتهميش ، والفساد المالي والإداري والمحاصصات الطائفية . كان يمكن أن تجري حوارات ثقافية مفتوحة بين الأدباء والمبدعين لمعالجة أزمات البطالة والخوف والتلاميذ المتسربين الذين يبلغون زهاء تسعة ملايين، وكيفية الخروج من مضاعفة الأطفال المتسكعين والنساء الأرامل والمطلقات، وأن تقدم للحكومة الجديدة مشروعات عمل إصلاحية تعبر عن مستويات الوعي والمشاركة والاقتراب من البرامج الوطنية ، وأن توضع تصورات واضحة لوزارة الثقافة المقبلة ، بعد أن " غطست " في برك الفوضى والارتباك و " البحث عن الأنا " والمنافع الشخصية وترهلت حتى عادت من دون هوية . ولعلّ الاشتغال لتنظيم تلك الرؤى والتصورات على تنوعها بحسب برنامج ثقافي جديد، يأخذ في الاعتبار الأزمات وسبل معالجتها في ندوات ثقافية تعتمد على الحوار والتنظيم بين كل القوى والأطراف والشخصيات والمنظمات الثقافية لبلورة رؤية واضحة ستساعد أصحاب القرار السياسي على فهم الإشكالية لاختيار " وزير " من البيئة الثقافية . كما لا يبدو أن فكرة تنظيم قائمة الأسماء التي ظهرت على مواقع البريد الالكتروني التي تناشد رئيس الوزراء لدعوتهم باختيار وزير " الثقافة " من خلالهم ، كانت صائبة، انما تعبر هي الأخرى عن " الكسل " الثقافي والفكري لأنها تفتقر إلى رؤية فكرية ثقافية يمكن أن تكون مشروعاً يدخل في إطار البحث والمناقشة وتبادل الرأي ، ونشر ثقافة الحوار بين الجمهور . وبعد، لابدّ من فهم جدلية الصراع الثقافي بين ثقافتين اثنتين ، هما ثقافة السلطة بركائزها وشروطها الدينية والثقافية المدنية ، التي تسعى لنشر ثقافة الحوار والمواطنة والثقافات النقدية، وإجراء مراجعات شاملة لمناهج التعليم والأمية والفساد الإداري والمالي وتراكمات الخوف والقسوة على النساء .إن ثقافة النوع الثاني، لا يمكن أن تحقق مشروعها إلا ببرنامج يشتغل ليل نهار، في إثارة السؤال والحوار واللقاءات المشتركة في ندوة ودورة تدريبية وكتابات نقدية، تشمل كل الجماعات والكيانات والنقابات والأفراد والمؤسسات الثقافية ومنظمات المجتمع المدني .
وجهة نظر..الثقافة العراقية إلى أين..؟
نشر في: 25 ديسمبر, 2010: 04:45 م