اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > المنظورية فـي تفسير النص ..الشعــر السومــري- دانتـي- المتنبـي- شيكسبيــر

المنظورية فـي تفسير النص ..الشعــر السومــري- دانتـي- المتنبـي- شيكسبيــر

نشر في: 25 ديسمبر, 2010: 04:47 م

د. صلاح نيازي لـــنـــدن2-2ألا يدلّ اختلاف المفسرين في تفسير الآية :"وإذا العشار عطّلتْ"، على اختلاف معاييرهم، أو ربما هي مجرد اجتهادات غير ممنهجة.هنا يأتي دور المنظورية مُعِينةً وكاشفة.تبدأ سورة التكوير بالشمس أيْ بأعلى نقطة في الكون. تشرع الصورة بالانحدار إلى النجوم فالجبال  فالعشار. إلى هنا وما تزال اللقطات جوية.
بتعبير أوضح فإن العشار في الجوّ. أصبحت الصورة أرضية لأوّل مرة في الآية :" وإذا البحار سجرتْ"، وتنتقل إلى باطن الأرض بالآية :" وإذا النفوس زُوّجتْ".حسب هذه المنظورية لا يصحّ منطقياً تفسير العشار بالنوق الحوامل وفي شهرها العاشر. معنى العشار: السحاب. فالسورة عطّلت الشمس بتكويرها، والنجوم بانكدارها، والجبال بانكشاطها، والعشار بجفافه وعقمه. وكلّها صور حالقة في الأعالي.  لم يتوصّلْ الفخر الرازي إلى معيار المنظورية ولكنه استدلّ على معنى العشار بالقرائن. أيْ أن العشار مقرونة بالشمس والنجوم والجبال.فسّر الفخر الرازي كذلك :"الخنّس"  في الآية الكريمة:"فلا أقسم بالخنّس الجواري الكنّس..." بأنها كواكب بعينها، ولا علاقة لها بالحيوانات الأرضية.هكذا تكون المنظورية أداة نافعة Instrumental لا بإبراز جمالية النص فقط، بل بمعناه.ذكرنا في بداية  هذه الورقة  شيئاًعن قصيدة وردزويرث وكيف أثرى قصيدته  بمنظورية النظرة من الأعلى إلى الأسفل، فأصبحت القصيدة أوسع، والموصوفات أكثر.لكنْ لا ننسى أن الشاعر السومري(أو الشاعرة)  أوّل من وظّف المنظورية الجوية. لنتوقف قليلاً عند  القصيدة السومرية التالية وهي أوسع من قصيدة ويردزويرث وأشمل وأعمق. كان راوية قصيدة النرجس البرّ يقف على تلّة عالية ولكن أقل علواً من الغيمة التي كان ينظر إليها. بينما راوية القصيدة السومرية يقف في نقطة لا محدودة في السماء. أكثر من ذلك فإن قصيدة النرجس البري تنتهي بشيخوخة ٍ "راضية مرضيّة" في حين تبدأ القصيدة السومرية من حيث انتهت قصيدة النرجس - إن صحّ التعبير- بالإخصاب وتوليد الحياة.جعل الشاعر السومري الأرض على سعتها امرأة أميرة وهي تتهيّأ للسماء- الإله الذكر. جهّزتْ نفسها بالزينة والتبرج والجواهر الملونة. ما يهمنا في هذه العملية التبرجية أنها تجري ببطء وعلى مراحل لإثارة شبق الإله الذكر الذي كان ينظر إليها، إلى الأرض الأنثى من منظورية عالية وواسعة . ربما كان يتطعم بمفاتنها مرحلة مرحلة وهي تنضج تحته. ظهرت مهارة الشاعر السومري ثانية حينما جعل السماء – الإله الذكر وكأنّه مخلوق أرضي بدليل قوله:"غرس في الأرض العريقة ركبتيْه" ( يبدوغرس الركبتيْن صورة لأسد، حيث تكون اللبوءة رابضة على الأرض، بينما يغرس هو ركبتيه في الأرض عند الإخصاب".rn"الأرض الفسيحة لبستْ تألقهاجمّلتْ نفسهاالأرض العريضة بالمعدِن الثمين واللازورد زيّنتْ جسَدهاتبرّجتْ بالينع والعقيق الأحمر  البرّاقزيّنت السماء رأسها بأوراق الشجر وظهرت كأنها الأميرةالأرض المقدسة العذراء تبرجتْ من أجل السماء المقدسةالسماء، الإله الرائع الجمال غرس في الأرض العريقة ركبتيهوسكب في رحمها بذرة الأبطال، الأشجار والمقاصبالأرض الطرية، البقرة الخصبة، تشبعت بمنيّ السماء الغنيوبالفرح ولدت الأرض نباتات الحياةوبغزارة حملت الأرض هذا التاج الرائع، وجعلت الخمر والعسل يسيلان"(الشواف :ديوان الأساطير ص 21 = خزعل الماجدي:جذور الديانة المندائية)rnلكنّ أعنف وأقدم منظورية جوية هي تلك التي ظهرت في ملحمة كلكامش، وعلى وجه الخصوص، في قصة الطوفان الرهيب.كان أتونفشتم قد جهّز الفلك (السفينة)بالمخلوقات، في انتظار الطوفان. وحتى يزيد الشاعر (أو الشاعرة) من رعب الطوفان جعله يبدأ في الليل، حتى تنعدم حاسة البصر، ولا تُسمع إلاّ الأهوال ولا تدري من أين سيدهمك الخطر:rnوفي الليل أنزل إله العاصفة مطراً مهلكاًتطلعت إلى حالة الجوّ فكان مكفهرّاً مخيفاً للنظر"rnما أن "تظهر أنوار السحر" حتى تظهر غمامة سوداء، ومعها تبدأ رعود "أدد" وبروقه وزوابعه.الإله لوكال"ينزع الأعمدة"، والإله ننورتا يفتق السدود. أمام جيوش الطبيعة هذه، وهي عمياء وكاسرة، يقف الإنسان جافلاً لا يدري كيف يحارب السماء. الإنسان في أشدّ حالاته ضعفاً.المنظورية ما تزال حتى الآن متجهة إلى الأعلى. ولكنها اتجهت إلى الأسفل ساعة رفع أنوناكي المشاعل حتى ترى العين الأهوال بعد أن صمّت الآذان بتلك الرعود القاصمة:"وتحطمت البلاد الفسيحة كما تتحطّم الجرّة...وحتى الآلهة  ذعروا من عباب الطوفانفهربوا وعرّجوا إلى سماء آنولقد استكان الآلهةوربضوا كالكلاب حذو الجداروصرخت عشتار (كما تصرخ) المرأة في الطلق".في اليوم السابع خفت زوابع الطوفان وهدأ البحر، واستقرت سفينة أتونفشتم على جبل "نصير". اخذ أتونفشتم يتطلع بمنظورية معاكسة إلى الأسفل:"وتطلعتُ إلى الجوّ، فوجدت السكون عاماًورأيت البشر قد عادوا جميعاً إلى الطين وكالسقف كانت الأرض مستويةفتحت‘ كوّة طاقتي فسقط النور على وجهيسجدت ورحت أبكيفان

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بسبب الحروب.. الأمن الغذائي العالمي على حافة الهاوية

اعتقال "داعشي" في العامرية

التخطيط تبين أنواع المسافرين العراقيين وتؤكد: من الصعب شمول "الدائميين" منهم بتعداد 2024

هروب امرأة من سجن الاصلاح في السليمانية

وفاة نائب عراقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram