ثامر الهيمص

وليكن نظرك في عمارة الارض، ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لان ذلك لا يدرك الا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة اخرب البلاد، واهلك العباد ولم يستقم امره الا قليلا. في رسالة الامام علي (ع) الى مالك الاشتر.
الاستفادة من التجربة الاسلامية في فلسفة الحكم,؟ امرا ليس جديدا, حيث ان الامور انذاك والان, لم نلمس فرقا في ايقاعها نوعيا, كون الاقتصاد الريعي لازال ماثلا بحكوماته المركزية والاستبدادية غالبا، اللهم الا شذرات باتت الاستثناء، كما حاول الراشدين مثلا، وبما ان التغيرات والانعطافات الفكرية وخزين التجارب، لا يسعفنا في وصفاته كثيرا’ بقدر ما يكون ارشادا, نظرا لجملة التغيرات وطوارق الحدثان في الدين والفلسفة، وجميع المعطيات قولا وعملا.
لذلك وكما ورد في القاموس الفلسفي ويؤكد: ليس المهم بأي وسيلة تعالج المريض، المهم كيف تشفيه!!.
في هذه الحالة, وبعد عقدين من تجربة ديمقراطية لا نحسد عليها, الا باعادة النظر, برؤيتنا لتراث الاستبداد المختلف من حيث الجذر الاقتصادي عن مركزيات العالم, اذ اننا من الخاضعين للنمط الاسيوي للانتاج, اي الادارة المركزية للزراعة او اعمار الارض, الذي يتواكب مع الخراج المدفوع للدولة المركزية. والذي حل النفط عمليا محله, ولذك نصح الامام بعدم الاعتماد على الخراج, لغرض اعمار الارض.
فالنمط الاسيوي للانتاج يشير: الى ان مناطق شاسعة من مصر واليمن وفارس وهندوستان, كانت مزدهرة فيما سلف, قد تحولت الان الى صحارى بنتيجة اهمال الحكومات وظيفتها في تنظيم الري الجماعي. (يوجين فارغا ومجموعة من الكتاب /حول نمط الانتاج الاسيوي /ص60/ترجمة جورج طرابيشي /1978).
هذا السبب يتأتى عادة من اهمال الرأي السديد للاقتصادين كون الاقتصاد مكون من مجموعة قوانين تسمو على اي ثقافة واي زمن, ومن ثم فهو اكثر مصداقية ونفعا من النظريات الكبرى المتعلقة بالجنس او الوطن, او التطور الاجتماعي. فالاقتصادي الحق هو(من لا يكون أثيرا ابدا عند المستبدين والديماغوجين. فهو معهم سيكون دائم الازعاج, وكلما اثبت لهم في انفسهم ان اعتراضاته تقف على ارض صلبة (زاد كرههم له). (نوم باتلر – باودون /الاقتصاد خلاصة اعظم الكتب /ص210/ 2020).
وهكذا وصلنا الى معادلة واضحة من ان الزراعة والصناعة والصحة اصبحت حصتها في الموازنة اقل من الاوقاف رغم ان الاخيرة لها مواردها واملاكها اذ يفترض انها على الاقل تمول نفسها. وهذا يفسر رسالة الامام وضغط كتاب الاقتصاد لاعمار الارض.
اذن اننا امام هندستين, للتوافق التنموي, فالاولى فشلت بشكل مدو, منذ اكثر من نصف قرن, حيث لم يجر تحالف طبقي افقي بين البرجوازيات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة بعمالها وفلاحيها افقيا. اذ تناهشتها الهويات الفرعية كلا حسب مرجعيته الخارجية والداخليه. رغم اننا دولة او مشروع دولة, حتى ساستها الدكتاتورين لهم مرجعيات فكرية, خارجية او محلية, باستثناء فترة حكم عبد الكريم قاسم الذي عانى شديدا من مرجعيات الداخل والخارج التي ادى تظافرها لاسقاطه.
ولهذا كان ولا زال النفط سيد الساحة الذي كان من الممكن ان يكون سلاح بحد واحد, اذ كان الحد غير الاساس مهندسا للعلاقة بالطبقات الاجتماعية من الدولة المأزومة المحاصرة بالهويات الفرعية, اذ يوحد هذه الهويات فقط الفقر كقاسم مشترك, يتوسع افقيا وعدديا بتفاوت شديد طبقيا, بفقر بكامل تجلياته. اذ اهملت المشاريع التنموية العامة من الكهرباء التي باتت مؤشرا كاف يجيب عن كل التساؤولات القديمة والحديثة, كون ذلك المسبب الاساس لردع عن الصناععة الافقية, التي تربط اجزاء البلد, لتكون المياه مكملا موضوعيا كمحجم للزراعة والصناعة, اذ لا زالت النواعير والكرود والفدان الخشبي كما تركها لنا الاسلاف, حيث لم يجر تحديث الزراعة في تنظيم الري’ اذ بقت مراعينا تنتظر الهواطل واغلب زراعتنا في الشمال والوسط ايضا هواطلية الهوى, فالمطر الطبيعي لا يمكن الاعتماد عليه, بل بات الاعتماد على خرجية النفط, التي وصلت الامور ان يحددها لنا الفدرالي الامريكي او صندوق النقد الدولي’ لتنشيط نافذة العملة التي هي تحت السيطرة, اما الصناعة’ فنسأل كم معمل طماطة لدينا ليتنج معجون او معمل زيوت بمواد اولية عراقية او كم معمل بترو كيمياوي او كم مصفى نفط؟؟ وهكذا جميع الصناعات الجامعة للعراقين وفقا لكفائتهم لا حسب انسابهم واحسابهم واعمامهم. ان(الطبقية والاثنية… مستقلتان كثيرا الواحدة عن الاخرى وهما في كثير من الاحيان مبدأن متضادان بالنسبة الى التضامن والتنظيم الاجتماعيين.) (ارنست ليبهارت /الديمقراطية التوافقية في مجتمع متعدد/ ترجمة حسني زينه / ص262/ 2006).
علينا القول ان هذا المأزق التاريخي’ وان الطائفية والعنصرية وابنتهما غير الشرعية وغير الدستورية (المحاصصة) وصلت لطريق مسدود اقتصاديا, في الصناعة والزراعة, وكان الجواب جاهزا من التلميذ الكسول(بأن المعلم عداوه) نعم لان معلم العصر او مرجعيته له مصالحة ولم يحضر لوجه الله. والنخب المتحاصصة انشغلت بالكعكة وصولا بكيفية التغانم. بغياب البرنامج الاقتصادي لجميع التيارات والاحزاب المتشرذمة كنتيجة للتغانم.
فالوضع الاقليمي والدولي, يمضي وفق برامج مدروسة ستراتيجية بعيدة المدى, ليصل الامر ان تبشرنا الجهات المالية النقدية ان رواتبنا مؤمنة حتى نهاية السنة حسب الموازنة وحسب قطارات الفدرالي الامريكي, لا حسب عائدات سومو. فالوضع الدولي مرهون بين ادارة اكبر سفارة في العالم بالنسبة للشرق الاوسط وغرب اسيا, مقابل التحالف الروسي الصيني الزاحف. فأن منظمة شنغهاي للتعاون تعد تحالفا دوليا تسعى الى تحقيق توازن مع القوة الامريكية التي تمارس الهيمنة على مشهد العلاقات الدولية, والحد من تعاظم دورها في منطقة جنوب شرق اسيا ومنطقة شرق اوروبا عبر تمدد حلف شمال الاطلسي (الناتو), اذ عدته الصين وروسيا تهديدا لامنها القومي, فعملتا على تجميع قوتيهما (اجتماع القوة الصينية مع القوة العسكرية الروسية) لبناء منطقة جغرافية مغلقة سياسيا ضد اي توع من النفوذ الامريكي في منطقة اسيا الوسطى. (دكتور جعفر بهلول جابر الحسناوي /امريكا ما بين القطبية الصلبة والتحديات /تكتلا البريكس وشنغهاي اتنموذجا / ص238/ 2012). اين نحن في هذا المعترك؟ الذي ينعكس اقليميا وقد تنادت دول الاقليم ازاء هذه التحالفات بتبادل السفراء بين ايران والسعودية ورغبة تركيا الشديدة في انجاز طريق الفاو زاخو ثم اوروبا. لتضعنا هذة المستحدثات امام سؤال كبير’ اين نحن؟؟؟ من هذا المفترق, ونحن بموقعنا العمودي الوسطي جغرافيا نواجة تداعيات المواقف الدولية, بمجتمع منقسم عمليا من خلال المحاصصة الفعلية غير الرسمية. لذلك سيكون مشروعا موحدا تذوب فية كل الشرائح الاجتماعية عابرة لانتماات مجربة بالفشل في قيام وحدة وطنية كدولة حديثة رسمتها سايكس بيكو, ولا خيار بين الفساد والفوضى, غير المشروع الموحد (بتشديد الحاء) ترفده زراعة حديثة وصناعة بمواد اولية عراقية. فعندما نسمع انه الان لدينا 28 معملا للادوية, ونحن نعلم ان المواد الاولية مستورد ه, فهل يعني هذا ان المعمل مجرد مكان للتعبئة, او مجرد فرع للشركة الام؟ وما درجة تكامله مع بقية المصانع القطاعية او مع نظرائه. ربما تصلح هذه الجزر الصناعية لبلدان لا تملك الارادة كما هي سنغافورة اومجرد مكان للتعبئة او الخزن لتسمى بالادب الاقتصادي الصناعة الكمبرادورية.
هذه الادوار الصناعية لا تصلح لنا كونها لا تقع ضمن ديناميكية داخلية، التي بغيابها كانت سببا من اسباب انهيار اكبر ثاني امبراطورية في العالم، كون الديناميكية الداخلية غيبتها البيروقراطية، لتنجح الصين او تقفز كون بيروقراطيتها شذبتها الثورة الثقافية في عهد ماوسيتونغ, لتصبح جاهزة للتغير، اذ كان شعارها او منهجها: لا يهم لون القطة سوداء او بيضاء مادامت تأكل الفئران، فالفئران عندنا تكاثرت قبل وبعد 2003 كما تؤشر قائمة المال المهرب البالغة حسب تقديرات 350 مليار دولار، اي معادلة للديون المقيتة، ولا زال حبل التهريب مستمرا اذ دمر السوق، ما دامت الصناعات الرئيسية مشلولة والزراعة تنتظر هطول المطر تعويضا عن عطايا سد اليسوا وغيره في تركيا وسوريا وايران حلفائنا, علينا ان لا ننتظر لطفهم اولا، بل نمضي نأكل من صنع ادمغتنا وايدينا, فالحليف الحقيقي اولا وفقط تشابك ايادي الشرائح الاجماعية من افرها الى اغنيائها النزهاء، مع فتح التسامح، لندخل جميعا في بوتقة مشروعنا التنموي وصناعتنا النفطية باحياء شركة النفط الوطنية من خلال بعث الحياة في قانون النفط والغاز. اذ لازال الاخير اي الغاز يمثل حاجة شديدة ندفع ثمنها ابتزاز في الكرامة والمال والمنصورية وعكاز يشكوان خزينها من الاحتصار