نجاة الكواز التعليم له أهمية قصوى تتعلق بقضية وجود الإنسان في المجتمع ،فالأمة عندما تريد النهوض بأبنائها نحو التقدم والتطور لابد من أن تصلح النظام التربوي باعتباره ضرورة من ضرورات الحياة ،ولاشك في أن ما أوصلنا إلى ما نحن فيه هو طريقة التفكير السائدة في عقول بعض التربويين التي لا صلة لها بالعالم فهي في حالة رحلة إلى الماضي المظلم ولا تعرف اختراعاً اسمه المستقبل، ومن الطبيعي إن نتمادى في شعورنا بخيبة أمل
ونحن نرى هذا التراجع المأساوي في المنظومة التربوية المتمثلة بالأساليب القديمة للتعليم التي تفتقر إلى أسلوب البحث العلمي وطريقة استخراج المعلومة وتعتمد فقط على الكتب ذات المحتوى الجامد والقديم الذي لا يتناسب مع التطور والتقدم العلمي للعالم والثورة المعلوماتية .لقد تضافرت مجموعة من الأمور التاريخية التي أدت إلى هذا الواقع المرير الذي تكالب على واقع التربية والتعليم من خلال استخدام الأساليب القهرية للسلطة في النظام السابق ،والدخول في حروب طويلة أدت إلى تهديم البنية التحتية للمجتمع ،ثم سنوات الحصار العصيبة التي عزلت العراق عن العالم وأدخلته في غيبوبة تاريخية لفترة مظلمة أهمل النظام التربوي فيها واقتصر على توجيهات القائد الأوحد ،وانخفض دخل المعلم إلى حد لم يستطع فيه مواكبة متطلبات الحياة اليومية ،وتسرب الطلاب من مقاعد الدراسة من اجل توفير لقمة العيش لعوائلهم الفقيرة ،وهنا وضع العراق قدمه على أولى الخطوات باتجاه الأمية حتى وصلت الآن إلى 60% من نسبة الطلاب.السؤال الذي يطرح نفسه هنا ماذا حصل بعد عام 2003 ؟وأود القول في هذا الصدد حصلت تغيرات لكنها لم تكن بالمستوى المطلوب، فالتحسن النسبي الذي حصل في رواتب المعلمين لا يوازي راتب الموظفين في الوزارات الأخرى ،قلة الدورات العلمية والتاهيلية التي تحسن من أداء المعلم وانعدام الندوات التي تتناول موضوع الواقع التعليمي وسبل الارتقاء به ،وضع الخطط الناجحة لتحسين أداء العاملين في الوزارة لإعطاء نتائج ايجابية ، عدم تفعيل قانون التعليم الإلزامي ، وكذلك السلبيات ما زالت قائمة في المدارس ، فعدد الطلاب في الصف الواحد يتراوح ما بين (70-90)طالباً مما انعكس سلبا على أداء المعلم وذلك لصعوبة السيطرة على مسار الدرس وإيصال المعلومة بصورة صحيحة لجميع الطلاب، ولاسيما إن الحصة الواحدة هي (45)دقيقة ،وكذلك قلة عدد الأبنية وازدياد عدد المدارس التي تشغل البناية الواحدة ، وقلة عدد الساعات الدراسية وانحسار وقت الاستراحة الذي يحصل علية الطالب خلال اليوم الدراسي ،وحتى الأبنية التي شيدت فهي قليلة ولا تتناسب مع أعداد التلاميذ والتزايد السكاني ،وأيضا افتقار البناية المدرسية إلى أبسط مستلزمات الحياة، فالمرافق الصحية قليلة ولا تتوافر فيها النظافة ولا المياه ،وعدم وجود حاويات جمع القمامة وانتشار الأوساخ في جميع أروقة المدرسة وصفوفها ،وتعاني المدارس قلة وجود المستلزمات التعليمية كالمختبرات والقاعات الرياضية والمراسم و السبورات وشحة عدد المقاعد الدراسية فأصبح المقعد يشغله أكثر من طالب وفي بعض الأحيان يضطر عدد من الطلاب للجلوس على الأرض لكي يتلقوا العلم .نحن بحاجة إلى تغييرات جوهرية للمنظومة التعليمية برمتها لأنها تتعلق ببناء الإنسان بصورة سليمة، ولو نظرنا إلى سر نهوض اليابان بعد التدمير الذي تعرض له لوجدنا أن البناء كان في المنظومة التربوية من خلال دور المعلم وتفانيه في العمل وقيامه بتدريبات دراسية لرفع مستويات الطلبة العلمية وربط العمل بالتوقف عن الوجود للفرد ،واعتماد البحث العلمي وتقنيات العصر الحديث كالحاسوب والانترنيت الخ.والأسرة اليابانية تقوم بزرع الاحترام في نفوس أبنائها تجاه المعلمين، ويحظى المعلم باحترام وتقدير ومكانة اجتماعية مرموقة تصل إلى درجة التقديس والمرتبات المغرية التي توفر الحياة الكريمة لهم وكذلك منحة المصاريف الطبية ومصاريف ولادة الأطفال الخ من الامتيازات التي يحصل عليها المعلم .ولو عدنا بنظرة بسيطة إلى المعلم في العراق لوجدناه يتقاضى دائما راتبا اقل من باقي الموظفين في الوزارات الأخرى، ناهيك عن المعاناة اليومية لاستقبال هذه الأعداد الكبيرة في الصف الواحد ،والمخاطر التي يتعرض لها من قبل بعض أولياء الأمور عندما يرسب أولادهم في بعض المواد، فالوزارة تمنع ضرب التلاميذ ولكنها لا تتخذ إي إجراء صارم للحفاظ على حياة المعلم عندما يتعرض للخطر .نحن بحاجة الى الكثير من العمل الجاد المتمثل ببناء عدد كبير من المدارس وتوفير أثاث يتناسب مع عدد الطلاب ،وزيادة عدد الدورات التأهلية لتطوير قدرات المعلمين العلمية وتقديم العديد من الندوات التي تتناول الواقع التربوي وتحديث طرق التدريس، وإن استخدام البحث العلمي بحاجة لتضافر جهود عدد من الوزارات ومنظمات المجتمع المدني من اجل النهوض بالواقع التربوي لكي نلحق بركب التطور في باقي بلدان العالم .
واقع التعليم فـي العراق
نشر في: 26 ديسمبر, 2010: 04:52 م