TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > وظيفة القرن: مدير أعمال الشهرة والانتشار

وظيفة القرن: مدير أعمال الشهرة والانتشار

نشر في: 31 يوليو, 2024: 12:01 ص

د. طلال ناظم الزهيري

في عالم محكوم بالصراع والتنافس، تظهر مفاهيم وممارسات جديدة تقود هذا التنافس وتتحكم في إيقاعه لصالح طرف أو آخر. واليوم، ومع المد الجارف لمواقع التواصل الاجتماعي ودورها المؤثر في تشكيل الرأي العام، أصبحت هذه المنصات ميدانًا مفتوحًا لخوض غمار التنافس والصراع بين مشاهير الفن والرياضة، فضلاً عن اللاعبين في مجال السياسة.
هذا التنافس قد يكون محدودًا في إطار شخصي أو مؤسساتي، أو قد يتوسع ليخرج إلى المجال الدولي. سنركز هنا على الإطار الشخصي، نظرًا لكثرة الشواهد والأمثلة التي يعلن أصحابها عنها ويروجون لها بلا تردد. وعليه، نقدم وقفة تحليلية لموضوع "جنون الترند" وكيف أصبح هاجسًا للاهثين خلف المال والشهرة.
بداية نحاول أن نجد مقابلًا عربيًا دقيقًا لكلمة "trend" والتي غالبًا ما تعتمد على السياق الذي تُستخدم فيه الكلمة. بعض الترجمات الممكنة قد تشمل: (اتجاه) للإشارة إلى الميل أو النمط السائد في الرأي العام للجمهور. أو قد تعني (النزعة) للإشارة إلى ميل أو توجه اجتماعي أو اقتصادي معين. على المستوى الشخصي أجد أن أفضل ما يقابلها باللغة العربية هو مصطلح (الشائع) للإشارة إلى شيء يلقى رواجًا أو اهتمامًا كبيرًا على المستوى العالمي ولمدى زمني محدود غالبًا.
بالتالي وفي حدود هذا المفهوم قد يجد البعض أن الرغبة في الشهرة والثروة هي هاجس بشري تنامى وتطور مع تقدم المجتمعات البشرية ولا علاقة له بشكل مباشر مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي. وهو أمر أتفق معه تمامًا. لكني من وجهة نظر أخرى أعتقد أن تلك المواقع هي التي باتت تتحكم في تشكيل الرأي العام أكثر من أي وسيلة إعلامية أخرى.
وفي هذا السياق يقول باراك أوباما، الرئيس الأمريكي السابق: "وسائل التواصل الاجتماعي هي أداة قوية لتحفيز النقاش، ولكنها أيضًا يمكن أن تكون سلاحًا في نشر المعلومات الخاطئة والاضطرابات." وهو ما أكد عليه أيضًا إيلون ماسك، رائد الأعمال، بقوله: "وسائل التواصل الاجتماعي تشبه السيف ذي الحدين؛ يمكنها أن تكون مصدرًا كبيرًا للإلهام والمعرفة، ولكنها يمكن أن تنشر أيضًا السلبية والمعلومات المضللة."
لكن يبقى السؤال الآن: متى وكيف تحولت تلك المنصات من مواقع غايتها المشاركة والتفاعل بين مجموعة من الأشخاص الذين تجمعهم اهتمامات متشابهة إلى منصات تسويق وترويج لمن يطمح إلى المال والشهرة؟ والجواب على هذا السؤال كنت قد أثرته في مقال سابق تحدثت فيه عن ما يعرف اليوم "باقتصاد الانتباه" والذي يشير إلى النظام الاقتصادي الذي يقدر الانتباه البشري باعتباره سلعة نادرة. حيث تتنافس المنصات الرقمية والشركات بشدة على نطاق اهتمامنا المحدود. بالتالي تتعقب خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي كل نقرة إعجاب أو تفاعل نقوم بها من حساباتنا الشخصية وتستثمرها لأغراض التسويق التجاري.
في المقابل، ولضمان مشاركة وتفاعل على أوسع نطاق، قدمت منصات مثل تيك توك ويوتيوب للمستخدمين فرصًا للربح المادي المتحقق من خلال نسبة المشاركة وعدد المشاهدات للمقاطع التي يتم تحميلها على الحسابات الشخصية، الأمر الذي دفع الكثير من الأشخاص على المستوى العالمي إلى احتراف التعامل مع هذه الميزة حتى شاع اليوم مفهوم "Blogger" الذي يدل على كل شخص يدير مدونة إلكترونية أو حسابًا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث ينشر محتوى متنوعًا مثل المقالات، الصور، الفيديوهات، والآراء الشخصية. يهدف البلوكر إلى جذب جمهور معين من خلال تقديم محتوى يثير اهتمامهم، سواء كان ذلك في مجالات مثل الموضة، السفر، التكنولوجيا، الطهي، الرياضة، أو أي مجال آخر. يعتمد نجاح البلوكر غالبًا على التفاعل مع المتابعين وبناء قاعدة جمهور متفاعلة ومهتمة بما يقدمه.
في ذات السياق ظهر "TikToker" وهو شخص ينشئ وينشر مقاطع فيديو قصيرة على منصة تيك توك (TikTok). تشمل هذه المقاطع مجموعة واسعة من المحتويات مثل الرقص، الغناء، التمثيل، الكوميديا، التحديات، النصائح التعليمية، وغيرها. يتميز هؤلاء عادةً بأسلوبهم في تقديم المحتوى، ويعتمد نجاحهم على قدرتهم على جذب وإبقاء انتباه الجمهور من خلال الفيديوهات القصيرة والمبتكرة. يتم قياس شعبية التيك توكر بعدد المتابعين والمشاهدات والتفاعلات على مقاطع الفيديو الخاصة بهم. ويمكن لهؤلاء تحقيق أرباح قد تكون خيالية أحيانًا حيث تدفع منصة تيك توك مبالغ مالية استنادًا إلى عدد المشاهدات والمشاركة على مقاطع الفيديو الخاصة بهم، اذ يتم دفع مبلغ معين لكل ألف مشاهدة، وتتفاوت هذه الأرقام بناءً على عدة عوامل مثل الموقع الجغرافي والتفاعل. كما قد يحصل أصحاب هذه الحسابات على هدايا من متابعيهم أثناء البث المباشر لهم والتي يتم تحويلها إلى مبالغ مادية تدفع لهم.
إذن والحال هذه، الأمر مبرر طالما كانت الغاية هي تحقيق عائد مالي مناسب في زمن تعاني فيه الكثير من البلدان من نسبة مرتفعة من البطالة في أوساط الشباب الذين وجدوا ضالتهم في تلك المنصات. لكن الغريب أن مشاهير الفن والرياضة، والذين بلا شك لا تنقصهم الأموال، كان حضورهم على تلك المنصات أكبر وحرصهم على جذب الانتباه أعظم. والسبب من وجهة نظري يعود إلى المنافع المتحققة من الانتشار والشهرة التي قد يحصل عليها الرياضي أو الفنان من خلال عدد المتابعين لحساباته على منصات التواصل الاجتماعي. حيث يدرك هؤلاء أن التنافس الحقيقي اليوم لم يعد مرهونًا بالجودة فقط وإنما بعدد المتابعين. على سبيل المثال يحرص معظم منتجي الأفلام والمسلسلات اليوم على تقديم الأدوار للفنانين الذين لديهم عدد متابعين أكثر، كما تتسابق شركات الإعلان والدعاية على اختيارهم في تقديم الإعلانات عن مختلف أنواع المنتجات، قناعة منها أن الإعلان سوف يصل إلى جمهور عريض يتناسب مع عدد المتابعين لهذا الفنان أو ذاك الرياضي.
وهنا تحاك خيوط اللعبة من جديد لتظهر معادلة بسيطة مفادها: كلما كان عدد المتابعين أكبر تعني مشاهدات أكثر لتنتهي إلى منافع أفضل. بالتالي خرجت المنظومة التسويقية من إطار عمل الهواة إلى الاحتراف. وهنا وجد معظم المشاهير أنفسهم بحاجة إلى من يدير عمليات كسب المتابعين والترويج لتحقيق أعلى المشاهدات. وهو عمل أهم بكثير من مهام "مدير الأعمال" في توصيفه الوظيفي التقليدي، بل لعل إحدى أهم المهارات المطلوبة في مديري الأعمال اليوم هي خبرتهم في الترويج لعملائهم على منصات التواصل الاجتماعي وقدرتهم على ابتكار الأحداث والمواقف التي تساعد على تحقيق هذا الرواج.
على سبيل المثال، قامت الفنانة أصالة بحذف صورها مع زوجها من على صفحتها الشخصية على الإنستغرام في إشارة إلى انفصالها عنه. الأمر الذي حقق تفاعلاً كبيرًا بين معجبيها ومتابعيها لتتصدر الترند. ثم يتم الإعلان عن إطلاق ألبومها الجديد الذي يجد صدى واسعًا وكبيرًا نتيجة وجودها ضمن دائرة "الترند" في المدة السابقة. وقس على هذا المثال أمثلة كثيرة. إن مثل هذه السيناريوهات بحاجة إلى خبرة وممارسة وفهم لاتجاهات الرأي العام فضلا عن المهارات التقنية لفهم طبيعة عمل خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي واستثمارها في تحقيق هذه الغايات. وعودة على ذي بدأ يمكن القول ان وظيفة مدير اعمال الشهر والانتشار بصرف النظر عن توصيفها وعنوانها الوظيفي ستكون حاضرة وبقوة في مجال ريادة الاعمال حاضرا ومستقبلا حتى وان اختلفنا مع المنظومة القيمية التي ترعاها. بالتالي قد تصبح هذه الوظيفية الاكثر رواجا وتحقيقا للمال مستقبلا. وما نحتاجه الآن هو اعادة توجيهها مهنيا للتوافق مع القيم المجتمعية السائدة و تدخل في مجال الممارسات التسويقية الجادة والرصينة. وان كنت اعتقد ان عالم التفاهة سيبقى المتحكم في ايقاع الشهرة والانتشار الى امد بعيد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram