طارق الجبوريقد يثير العنوان بعض التساؤل عند البعض، خاصة وانه قد تداول استخدامه كثيراً في أدبيات العمل الحزبي ، خاصة في مجال التمييز بين ما تؤمن به الاحزاب اليسارية من صيغ عمل مبنية على أساس فهم بأن الغاية لاتبرر الوسيلة والاخرى التي عملت بمبدأ الامير ميكافيلي الذي يقول بأن الغاية تبرر الوسيلة . غير أننا هنا نريد تأكيد حقيقة أكدتها وقائع صراع الشعوب الطويل من اجل الحريات مع الانظمة القمعية ، وكانت قضية تحرير المرأة جزءاً أساساً من هذا النضال ، حيث انه في الوقت الذي يعد النضال من اجل حقوق المرأة غاية بحد ذاته لتحقيق إنسانيتها ومشاركتها الفاعلة في بناء المجتمع ، فإنه وسيلة مهمة وأول السبيل لانعتاق المجتمع من مضطهديه وسالبي إرادته وتمتع كل أفراد ه بحرياتهم .
ولانبالغ اذا قلنا ان المرأة بما تشكله من قطاع واسع ومهم ، شريحة يحلو لنا ان نتباهى ونصفها بأنها نصف المجتمع ، تلك المرأة عانت ظلمين مزدوجين ومركبين ، الأول شمل الغالبية منهنَّ ممن كنَّ يشكلنَّ جزءاً من الطبقات الفقيرة والمسحوقة فقاست معها ما أصابها من اضطهاد وتعسف وقهر ، والثاني ظلم اجتماعي حاول سلب إنسانيتها ونظر إلى هذا الكائن نظرة دونية، وهذا النوع اتسع نطاقه ليشمل جميع النساء بهذا الشكل او ذاك . لقد عانت المرأة وعبر تاريخ الانسانية الطويل أصنافاً شتى من الاضطهاد والظلم ، لذا فان اية دراسة علمية لاية مشكلة تتعلق بحقوقها اصطدمت وما زالت بالكثير من العقبات والعوائق والحذر ، خاصة من دعاة الانغلاق وكبت الحريات والظلاميين المتسترين زوراً بدعاوى الحفاظ على القيم والاخلاق والفضيلة وهم منها براء .. ومثلما حاول البعض ليّ عنق الحقيقة بتصويره حملة " الحريات اولاً " دفاعاً عن النوادي الليلية ، لغرض تشويه مقاصدها النبيلة ، فان نفس تلك العقليات الجامدة شوهت كل مطالبة بحرية المرأة عندما ربطتها قسراً بالفاحشة والجنس والخلاعة إلى آخر المصطلحات التي وقفت سداً منيعاً في مجتمعاتنا امام من ان تأخذ المرأة دورها الطبيعي ككائن خلقه الله ، ليعمر الأرض مع نصفه الآخر الرجل.. ثقافة متخلفة انعكست سلباً على مجتمعاتنا وعرقلت الكثير من عوامل النهضة فيه .وإذا كان مقبولاً من الانظمة غير الديمقراطية والحركات الدينية المتطرفة ان تطرح رؤى وأفكاراًُ لا تناسب المنطق بشيء ، بل تخالف فيها حتى القيم السماوية التي تدعو إلى المساواة والعدل ، فان الحقيقة الاكثر وجعاً في النفس ان الاحزاب السياسية العربية ومنها العراقية بمختلف مشاربها، ورغم كل برامجها وشعاراتها التقدمية المنادية بحرية المرأة ، نقول رغم كل ما لدى هذه الاحزاب من برامج ، فإنها بقيت عاجزة عن ايجاد دراسات علمية وواقعية تعالج فيه واقع المرأة بجرأة تنصفها وتخرجها من حالة العسف والتهميش والضياع المتعمدة .. بل يمكن القول بان واقعنا وكما يبدو يعيش حالات تراجع كبير في المفاهيم او على الاقل في الإفصاح عنها بشكل صريح في هذا الجانب ، يمكن أن تلمسه في سلوكيات بعض الاحزاب في العراق وغيره . ومع أننا لا نميل الى تضخيم الامور ، غير ان خلو تشكيل الحكومة الجديدة من أي اسم نسوي يعزز القناعة بحالة التراجع التي اشرنا اليها ،خاصة اذا علمنا ان العراق كان من اوائل الدول في المنطقة التي استوزرت امرأة عام 1958.ولأن النضال من اجل تحرير المرأة قد ارتبط منذ بداياته الاولى بعملية تحرير المجتمع ككل ونهضته ، ما أكسبه زخماً مضافاً لا يستهان به أثبتت من خلاله المرأة جدارة متميزة وصلابة موقف اهلها لتبوؤ مواقع مهمة وحساسة في الحركات السياسية التي لم تتعامل مع موضوع حقوقها بجدية تتناسب وشعاراتها ، وبقيت الاحزاب السياسية بما فيها من يحمل شعار العلمانية يتعامل مع المرأة بازدواجية وثنائية كانت الغلبة فيها للثقافات القديمة المترسبة في النفس بفعل القيم والتقاليد التي كانت وما زالت سائدة في المجتمع ونظرتها للمرأة على أنها تأتي في الدرجة الثانية بعد الرجل .. فالكثير منا يتحدث عن كون المرأة هي الام والزوجة والاخت والبنت ويجب احترامها ، غير انه لايتوانى عن محاولة فرض سيطرته الذكورية بمناسبة او بدونها.غير ان الاصرار المتناهي للمرأة ليس على استحصال حقوقها فقط ، بل من اجل المجتمع ككل وسعيها لتطوير التعليم ومحاربة الامية والدعوة الى اللحاق بركب الحضارة ، إلى جانب تطور الثورات العلمية ومن ابرزها ثورة المعلوماتية وسهولة وسائل الاتصال ، ساعدت على إبقاء جذوة ( ثورة المرأة ) من اجل تحريرها مستمرة ، خاصة أن صدى أي عمل إنساني في أي منطقة ، بات ينتقل سريعاً و بسهولة ليعطي تأثيره على بقية اجزاء العالم .لقد استغرق موضوع نيل المرأة حقوقها في دول العالم المتقدم عقوداً طويلة وتضحيات جمة ، حيث تشير المصادر التاريخية إلى أن المرأة الفرنسية ، ورغم إعلان مبادئ الثورة الفرنسية و حقوق الانسان والمواطن الصادرة في 1789 ،فإنها لم تبدأ بنيل تحررها الفعلي بشكل واقعي إلاّ بعد الحرب العالمية الاولى ، عندما خرجت ( 26%من النساء الى المصانع لسد الحاجة الى الايدي العاملة في المصانع وديمومة عملها ) وهكذا بدأت باستحصال حقوقها تدريجياً ، فصار من حقها ان تكون قاضية او نائبة عام 1945، ثم تطور القانون المدني الفرنسي ليعطي للمرأة المتزوجة الحقوق نفسها التي يتمتع بها الرجل ، وفي انكلترا التي عملت بالنظام البرلماني منذ عام 1517لم تشرع قوانين المساواة في حق الاقتراع السري بين الرجل والمرأة إلاّ في عام 1939، والشيء نفسه في سويسرا التي تأخر فيها اقرار قوانين تليق بالمرأة الى ما بعد السبعينات من القرن العشر
تحرير المرأة .. غاية ووسيلة
نشر في: 27 ديسمبر, 2010: 04:51 م