اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: عالَمٌ من غير أحزاب

قناديل: عالَمٌ من غير أحزاب

نشر في: 4 أغسطس, 2024: 12:04 ص

 لطفية الدليمي

ما يحصلُ بين الحزبين العتيديْن في الولايات المتحدة مع اقتراب الانتخابات الامريكية 2024 أمرٌ أبعد من فنتازيا جامحة. هل كنّا نتوقّعُ قبل عقدين مثلاً أن يخاطب رئيسٌ أمريكي رئيساً امريكياً سابقاً فيقول له:سلوكك أقرب لسلوك قطط الشوارع؟ ربما يظنُّ بعضنا أنّ هذه الكلمات قيلت على لسان (بايدن) المعتل استكمالاً لسلسلة شطحاته التي لن تنتهي؛ لكنّ الواضح أنّ هناك من لقّنه اياها عن سابق تصميم وتدبّر وحساب. بالطبع لم يتأخر (ترامب) المعروف بوقاحته التي يتباهى بها في الرد بمكاييل أقسى على بايدن؟ هل كان يمكن أن يجري مثل هذا الكلام على لسان كارتر أو ريغان او بوش الاب أو كلينتون؟ أما لو ذهبنا بعيداً أيام تعليقات ايزنهاور أو مناظرة كينيدي- نيكسون الرئاسية فتلك حكايات أخرى. نحن إزاء رؤساء يستحقون التفكّر الدقيق في كلامهم حتى لو اختلفنا معهم في التوجهات السياسية والمنازع الفكرية والبواعث الانسانية. اليوم عندما يذكر الحزب الجمهوري سيذكرُ معه الاصولية المسيحية الانجيلية والسياسات الاقتصادية المغالية في النيوليبرالية؛ أما لو ذكر الحزب الديمقراطي فسيقترن ذكره بالسياسات الجندرية الجديدة ومحاولة استقطاب السود والمهاجرين والهروب من البؤر الملتهبة في العالم. أظنُّ أنّ كثرة من الأمريكيين باتوا ضجرين من هذه الخارطة الانتخابية المملة الواقعة بين قطبين حزبيين متنافرين. يتساءلون ونحن معهم: ألم يحن الوقت لإستبدال شكل الممارسة السياسية القائمة على الفعالية التحزبية؟ أما مِنْ سبيل للتفكير ببدائل ممكنة؟ الوضع في الدول الاوربية أهون من نظيره الامريكي؛ لكنّ مساءلة الفكرة الحزبية قائمة وبخاصة عقب هذا الاستقطاب العدواني بين أحزاب اليمين واليسار.
لايمكننا نكرانُ أنّ فكرة الاحزاب نمت مع تطور فكرة الدولة القومية في أوروبا والتي أصبحت لاحقاً النموذج العالمي تقريباً لصيغة ممارسة الحكم. هذا بالطبع في الدول الديمقراطية التي ترتكن لصناديق الانتخابات؛ لكنّ هذه الفكرة (فكرة صناديق الانتخابات) باتت عرضة لإطلاق نار كثيف عليها؛ إذ راح كثيرون يرونها فكرة متقادمة تحصر نتيجة الفوز بمفاعيل رأس المال. بعبارة أخرى صارت المعادلة أنّ من يملك المال سيملك صندوق الانتخابات. هذه الفكرة روّج لها أستاذ علوم سياسية أوربي. لا أعلم كيف سيكون بديل الانتخابات والاحزاب المتنافسة؛ لكن ربما ستشهد فكرة الاحزاب نهايتها عقب بضعة عقود من اليوم.
الاحزاب لدينا في العراق لها مثالب إضافية أبعد من مثالب الاحزاب الغربية. سأذكر من هذه المثالب ثلاثاً:
الاولى: انغماس الاحزاب العراقية في الايديولوجيا ودفع الاقتصاد والسياسات العالمية إلى مؤخرة الاهتمامات لأنّ هذه الاحزاب نشأت بدافع قومي يصل تخوم الرومانسية الشوفينية، أو بدافع عالمي كنتيجة تتصادى مع ثنائية الصراع الاستقطابي (رأسمالية/ شيوعية)، أو بدافع ديني يتغنى بالمرويات التراثية الفقهية وحكايات السلف الصالح. يتشارك الثلاثة في خاصية العبور المكاني وتجاوز محددات ومصالح الدولة الوطنية.
الثانية: جاءت بعض الاحزاب العراقية امتداداً طبيعياً للسلوك العشائري و/أو المذهبي. ثمة تفاصيل ووقائع كثيرة تعزز هذه الحقيقة وإن تفاوتت مناسيبها بين الاحزاب. من الواضح أنّ الفكر العشائري والمذهبي يتقاطع مع فكرة الدولة المدنية الحديثة.
الثالثة: عملت الاحزاب العراقية الرئيسية وفقاً لمعادلة صفرية قادت إلى تناحر دموي نتج عنه آلاف الضحايا. كان من بعض نتائج هذه المعادلة الصفرية أن إقترن العمل الحزبي بمفاهيم دينية الطابع (التضحية الراديكالية بالنفس والقريبة من القرابين البشرية في التاريخ البشري). تبعاً لهذا فقدت الممارسة الحزبية سمتها المدنية المسالمة وصارت أغلب الاحايين مقترنة بالتخفي والمطاردات و رائحة الموت؛ الامر الذي جعل أغلب الحزبيين يفتقدون العيش الانساني الطبيعي ويصبحون كائنات مأزومة خاسرة تنطوي على بذور العنف.
لستُ أسعى هنا لشيء سوى توصيف العمل الحزبي والمتغيرات التي لا بدّ أن تحصل فيه مع تطوّر الفكر البشري والممارسة السياسية. من المهم هنا أن لا ننسى دور التقنيات الجديدة وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي وما سيجلبه من متغيرات على أصعدة العمل والعيش البشري والتغيرات الهيكلية التي ستحصل لا محالة للأدمغة البشرية مع تطورات الذكاء الاصطناعي والنظم الخبيرة.
ربما سنشهد حزباً للذكاء الاصطناعي، وآخر للهندسة الوراثية بعد بضع سنوات. العلم والتقنية باتا يحتلان المواضع التي تُخْليها الآيديولوجيا. هذه حقيقة ليس من العقلانية التهرّبُ من مفاعيلها بسبب نوستالجيا الاحزاب التي عرفناها من قبلُ ولم تزل ذكراها الآفلة تداعبُ مخيلة بعضنا عندما تدلهمُّ صورة الحاضر وتتشوّشُ المفاهيم والسلوكيات أمام ناظريه في معيشه اليومي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: الكهوف المظلمة

الأحوال الشخصية.. 100 عام إلى الوراء

العمودالثامن: النائب الذي يريد أن ينقذنا من الضلال

وظيفة القرن: مدير أعمال الشهرة والانتشار

العمودالثامن: ماذا يريدون ؟

العمودالثامن: يا طرطرا.."!

 علي حسين مرت قبل أيام الذكرى السابعة والعشرين لرحيل شاعر العراق الأكبر محمد مهدي الجواهري، الرمز الوطني الذي أرخ للبلاد وأحداثها فكان هو العراق لساناً ودماً وكياناً.. صاحب يوم الشهيد وآمنت بالحسين وقلبي...
علي حسين

قناديل: عالَمٌ من غير أحزاب

 لطفية الدليمي ما يحصلُ بين الحزبين العتيديْن في الولايات المتحدة مع اقتراب الانتخابات الامريكية 2024 أمرٌ أبعد من فنتازيا جامحة. هل كنّا نتوقّعُ قبل عقدين مثلاً أن يخاطب رئيسٌ أمريكي رئيساً امريكياً سابقاً...
لطفية الدليمي

قناطر: العراقيون لا يتظاهرون!!

طالب عبد العزيز أمرٌ غريبٌ جداً، هو خلو شوارع البلدان العربية كالعراق وسوريا ومصر وليبيا وغيرها من التظاهرات المنددة بما يجري في غزة ولبنان والمنطقة بعامة، من انتهاكات، وتجاوزات، صهيونية وأمريكية، فيما شوارع العالم...
طالب عبد العزيز

تعديل قانون الأحوال الشخصية.. من منظور سيكولوجي

د. قاسم حسين صالح تذكير(في 23 تشرين الثاني 2013 انجز وزير العدل السيد حسن الشمري مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري الذي جاء امتثالاً لمرجعه السياسي والفقهي السيد اليعقوبي المحترم، مع ان المسؤولية تفرض عليه...
د.قاسم حسين صالح
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram