فاضل ثامر
عندما بدأت جريدة المدى في الصدور، بعد الاحتلال وتحديدا في 5/8/2003، كنت ضمن كادر محرريها المحدود، حيث اتخذت لها مقراً متواضعاً في شارع فلسطين.. وبقيت أعمل في الجريدة تحت إشراف رئيس تحريرها الأستاذ فخري كريم، الذي سبق لي وأن عملت معه، محرراً ثقافياً في القسم الثقافي لجريدة طريق الشعب، في السبعينيات، حيث كان الأستاذ فخري كريم يشغل مركز مدير تحرير الجريدة، فيما كان الأستاذ عبد الرزاق الصافي يرأس تحرير الجريدة. وخلال ذلك الوقت بدأت الكثير من الصحف الوطنية بالظهور، ومنها صحيفة "القاسم المشترك" التي أسسها الأستاذ المناضل المهندس (سبهان ملا جياد) (أبو غزوان) الذي كان قد صدر حكم باعدامه في زمن الدكتاتور صدام حسين، بتهمة الانتماء الى الحزب الشيوعي العراقي، وأطلق سراحه بعد الاحتلال وسقوط الدكتاتور.
ورغبة من الأستاذ سبهان ملا جياد في توفير كادر صحفي محترف وملتزم فقد قام بزيارة لجريدة (المدى) في موقعها السابق المطل على شارع ابي نواس قريباً من فندق السفير والتقى بالاستاذ زهير الجزائري، الذي كان يشغل آنذاك منصب رئيس التحرير التنفيذي، فاقترح عليَّ أن آخذ على عاتقي مثل هذه المسؤولية والمساهمة في إصدار الجريدة. وفعلاً قبلت بهذا العرض، وعملت مديراً للتحرير، واقترحت على الأستاذ (سبهان ملا جياد) الاحتفاظ بمركز رئيس التحرير، وقد رحب بهذه الفكرة. وقد ساهمت مع زملائي المحررين في تطوير عمل الصحيفة، التي بدأت بالانتشار كواحدة من الصحف الديمقراطية واليسارية المستقلة. وكان الزميل المرحوم الناقد محمد مبارك قد شغل قبلي مركز مدير التحرير لبعض الوقت، لكنه انسحب لأسباب خاصة به وقد كان إنسحابي من جريدة (المدى) والتحاقي بجريدة "القاسم المشترك" مثار "زعل" الأستاذ فخري الذي قال لي: "لماذا خنتنا وتركت الجريدة؟" فأوضحت له السبب، وأن الأمر قد تم بالاتفاق مع الزميل (زهير الجزائري).
إلا ان علاقتي بجريدة (المدى) لم تنقطع، إذ بقيت ارفد الجريدة بالدراسات والاعمدة الصحفية والثقافية، ومازلت حتى اليوم احتفظ بعلاقة طيبة مع الأستاذ فخري كريم رئيس تحريرها، ومع محرريها ومنهم المسؤولون عن القسم الثقافي، واعتز بانتمائي لتاريخها بوصفها الانموذج المشرف للصحافة العراقية المستقلة، ولذا فلا يسعني إلا أن اتقدم بأسمى التبريكات لجريدتنا الغراء ولرئيس تحريرها لمناسبة ذكرى تأسيسها التي تصادف في الخامس من شهر آب الجاري، متمنياً لها، ولمؤسسة المدى للثقافة والفنون الازدهار والتألق لتظل صوتاً وطنياً وديمقراطياً، ومثالاً للصحافة العراقية الجادة والنزيهة، ومؤسسة وطنية تحتل مكانة متميزة في مسيرة العمل الوطني.
لقد وقفت (المدى) عبر تاريخها المديد الى جانب تطلعات الشعب العراقي في بناء مجتمع عراقي متسامح بعيد عن المحاصصة والطائفية، ورفضت الانسياق وراء جميع الدعوات المشبوهة التي كانت تحاول دق اسفين في صفوف الحركة الوطنية، ودافعت عن الشراكة التاريخية بين العرب والكرد والتركمان في عراق اتحادي ديمقراطي. كما رعت الجريدة خلال ذلك النشاط الثقافي رعاية استثنائية من خلال صفحاتها الثقافية وملاحقها الصحفية المتنوعة، كما خدمة مؤسسة المدى الثقافة العراقية من خلال ندواتها في شارع المتنبي، ومن خلال إقامة مهرجانات المدى في أربيل، بغداد، وكذلك عبر تنظيم سلسلة من معارض الكتب، منها معرض الكتاب في أربيل ومعرض العراق للكتاب في بغداد، فضلاً عن الكثير من النشاطات والمبادرات الثقافية والفكرية والسياسية التي عززت مكانة الجريدة في المجتمع العراقي، كما حظيت الجريدة باحترام وتقدير الأوساط الصحفية والثقافية الغربية، واعتمدت تقاريرها واخبارها بوصفها تمتلك صدقية وموثوقية وتعمل في ضوء الايمان بحق القارئ للاطلاع على المعلومة الصحفية.