افكر بتلك الخطوات الأولى لـ(المدى) يوم فكر بها الاستاذ فخري كريم وهو في دمشق، ونحن ما زلنا نحتسي المرّ الليلي في حدائق اتحاد الأدباء ليصل لي طلب الكتابة في (المدى)، وما زلت أفكر بهذه المؤسسة التي وضعت الثقافة الوطنية العربية قبل العراقية نصب اهتمامها، فأسست لها منهجية الممارسة النقدية من خلال جودة وابواب الاختيارات والكتابات والأشعار، فكانت اضاءة في تاريخ الثقافة العربية، يقوم بها فرد بسواعد جماعية، وبقدرات عراقية وعربية وضعت كل امكاناتها في خدمة مشروعها التنويري. موسسة ترى فيها هادي العلوي إلى جوار الطيب تيزيني إلى جوار جلال صادق العظم، وسعدي يوسف، وفاضل العزاوي، عشرات، إن لم أقل المئات من المثقفين العراقيين والعرب، وفي نور حديقة اتحاد الادباء الشفيف همست باذن الشاعر شيركو بيكه س الذي نقل لي الطلب من دمشق للكتابة في (المدى)، لسنا خائفين من الكتابة فيها، شأننا شأن فقراء المدن، لايملكون إلى زواياهم وأسمالهم. سنوات وانتقلت مهاجرا لعمان ومن ثم لدمشق عملت في (المدى) فترة قصيرة وأنا اعاني من أمراض القلب وتجلطاته، ولم اوفق بالاستمرار لاضطربات نفسية ومواقف شخصية، ولكني شهدت وبميلاد أول ثلاثة كتب اصدرتها (المدى)، جئنا بها من بيروت وعملنا احتفالية في بناية (المدى)، بعد ستة اشهر عجاف، عدت إلى عمان حاملا همومي، عندما استعيد قوة وقامة (المدى) اشعر أن أي مشروع يبدأ فرديا ولصدقه يكون نهضويا، ومنها تعلمت تجربة لقيامة مؤسستين في هولندا وبلجيكا، مشروعان فرديان اول الأمر لكنهما استقطبا خيرة مثقفي العراق التقدميين، بالرغم من وقوف ذوي الايدي القريبة مني ضدهما، والتشكيك بهما، (المدى) نافورة ضوء دائم.