TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > العمبة والديناصور

العمبة والديناصور

نشر في: 28 ديسمبر, 2010: 05:31 م

طالب المحسنفي الستينات كنت طالبا في المدرسة الابتدائية ، وكانت مدرستنا (ابن الجوزي في النهضة) ليس فيها حانوت بل من خلف باب المدرسة المرتفع يطل (حميد أبو العمبة) يبيع لنا لفات الفلافل المغمسة بالعمبة. تتكون المدرسة من عدة صفوف لذلك فأن الزحام في الفرصة على حميد(بدون حسد) على أشده ، فبالكاد نستطيع بعد ان يدفعك الزحام نحو الباب الموصود لترفع يدك مع قطعة نقود معدنية ليأخذها منك وهو خلف الباب ثم يعطيك لفة او نصف لفة او ربعها والعمبة تقطر منها. في الستينات كنا نعثر دائما
على قطع نقدية ملكية لانتفاء الحاجة لها وهي نقود ساقطة حسب التسمية في ذلك الوقت ، ولكوننا طلابا صغارا ، فيجرب البعض حظه بأن يدس لحميد ابو العمبة والزحام على أشده قطعة نقد ملكيه ، وقد تنجح المحاولة أحياناً وهذا يشجع البعض ان يعيدوا الكره .....وما ان يقلبها أمام عينيه المتعبتين حتى يبدأ بإطلاق انواع الشتائم وهو يصيح هذه عملة ساقطة يا ..........فيما يهرب الطالب  ويختفي بين أقرانه .تذكرت هذه الحادثة واني على يقين لو جرب احدهم إبراز عملة ملكية، بل ليرة او مجيدي عثماني، بل ربية هندية أو بيزنطية  أو فارسية أو باون أنكليزي وحتى دينار عباسي أو اموي فلن يجد من يشتمه ويقول له ان زمنها قد ولى وانها ساقطة، لقد مرت على أجدادنا لكنها اليوم لن تمر علينا ، أنها ساقطة يا ..........رحم الله حميد أبو العمبة كم نفتقدك اليوم .أعرف سيقول احدهم ان هذه العملات القديمة تساوي الآن الكثير وأنها تعادل ثروة....... صحيح هذا بالنسبة لهواة الماضي ، هواة التحف اما في السوق فسوف يقلبونها أمام أعينهم مثل حميد أبو العمبة وينظرون في عينيك ليعرفوا هل وصلت لهم عبر ماكنة الزمن ، هل سرقت متحفا ، من أنت بالضبط ؟ فإنك في مفارقة كونك لا تنتمي لأدوات العصر ...كل هذا وصاحب العملة المفترضة لم ينطق بكلمة. أما لو تكلم بنفس زمن سك العملة فسيكون العجب العجاب  وقد تنتهي العملة وصاحبها الى أحد خانات متحفنا .بعض العلماء الآن عاكفون على استنساخ الديناصور من خلال DNA  المأخوذ من هيكله العضمي الذي عثر عليه في القطب، ولو نجحت التجربة فإن هذا الديناصور (المعاد) العليل سيكون في مراكز الأبحاث ، وفي أحسن الأحوال سيطلق في محمية مسًيجة وتحت المراقبة لأن الحياة الآن لا تسمح لكائنات كبيرة جدا تتنقل حيثما تشاء غير آبهة بما تدوسه أقدامها .إن الأنبياء الكرام حين أقدموا على تحطيم الأصنام ، ليس بدافع الكره لهذا الحجر ، وإنما بغضاً بما يمثله من قيم فكرية بعيدة عن العقل والمنطق ، بل ان الحوار في القرآن الكريم يسلط الضوء على كونهم متمسكين بأصنامهم لأنهم وجدوا آباءهم سائرين على سجية أسلافهم ، بينما فتح الاسلام آياته للتفكر وخاطب بها أولي الألباب . إن الصنمية الفكرية تعيق تطور الحياة ، إنها تثبيتات ترفض الانفتاح على معطيات العصر .معذرة لحميد ابو العمبة ، لقد كانوا صغاراً .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram