TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > القطاع الزراعي في العراق في ظل التغيرات المناخية

القطاع الزراعي في العراق في ظل التغيرات المناخية

نشر في: 7 أغسطس, 2024: 12:01 ص

بيرتيل دومالين

ترجمة: عدوية الهلالي
تعتبر الزراعة أمراً حاسماً لضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في العراق باعتبارها قطاعها الاقتصادي الثاني بعد الهيدروكربونات، فهي ضرورية لأنها توظف 9.5‌% من السكان النشطين و20‌% من القوى العاملة. كما أنها بمثابة وسيلة هامة لكسب العيش، لا سيما في المناطق الريفية، وعلى نطاق أوسع باعتبارها أحد ركائز المجتمع العراقي. ومع ذلك، فإن الإنتاج الزراعي آخذ في التناقص بسبب آثار تغير المناخ والصراعات ونقص الاستثمار السياسي، مما يهدد المهن ذات الصلة. وفي هذا السياق، يبتعد المزارعون عن المهن الزراعية، مما يزيد من اعتماد البلاد على الواردات الغذائية.
وتغطي السهول الصحراوية والصحارى الصخريةحوالي 42‌% من أراضي العراق بينما تغطي الأراضي الزراعية المهجورة 22.2‌% من إجمالي مساحة البلاد،ويقع معظمها في وسط وشرق العراق. ومن الناحية الاقتصادية، تمثل هذه الأراضي خسارة في الإنتاجية الزراعية والدخل، ولأنها بدون صيانة، فإنها تساهم في الهجرة الجماعية من الريف وتحرم المجتمعات التي تعتمد على الزراعة من سبل عيشها. ومن الناحية البيئية، تتعرض هذه الأراضي لتدهور التربة وتآكلها، مما يؤدي إلى تعزيز التصحر.وتتفاقم هذه الظواهر بفعل الظروف المناخية القاحلة وشبه القاحلة، حيث تسود ندرة المياه وقلة الغطاء النباتي،وهذا يجعل من الصعب استيطان الإنسان وتطوير الأنشطة الزراعية، حيث تتم بعض هذه الأنشطة على الأراضي الزراعية التي تشكل 17.01‌% من مساحة الدولة.
ومن المعروف ان الزراعة تعتمد على الأمطار في الشمال، بينما تعتمد على الري من نهري دجلة والفرات في المحافظات الوسطى والجنوبية للعراق. ومع ذلك، فإن هذه الاتجاهات تتضاءل مع تفاقم ندرة المياه. وبين عامي 2020 و2021، انخفض تدفق النهرين بنسبة 29‌% و73‌% على التوالي، بسبب موسم الأمطار الجاف بشكل استثنائي؛ تمثل هذه الفترة الثانية الأكثر جفافًا خلال الأربعين عامًا الماضية. وعلى الرغم من هذا الانخفاض، يتم تخصيص 85‌% من موارد المياه في البلاد للزراعة وخاصة للقمح، الذي يزرع في الغالب في المحافظات الشمالية. وتكمن المعضلة في أن هذا المحصول، على الرغم من كونه استراتيجيًا اقتصاديًا واجتماعيًا، يبدو أنه لم يعد مناسبًا للتحديات والقضايا المعاصرة. فبين عامي 2021 و2022، شهدت كردستان العراق انخفاضًا بنسبة 45‌% في الإنتاج بسبب الجفاف وانخفاض هطول الأمطار.
وعلى الرغم من هذه التناقضات، تظل الزراعة متجذرة باعتبارها القطاع الاقتصادي الرئيسي الثاني بعد الهيدروكربونات وتمثل حوالي 6‌% من الناتج المحلي الإجمالي للعراق. وتوظف 9.5‌% من السكان النشطين20 و20‌% من القوى العاملة في البلاد21. ويمثل القطاع الزراعي 30‌% من عمالة النساء على المستوى الوطني و40‌% في المناطق الريفية. وتكون أكثر من 80‌% من المزارع أصغر من 10 هكتارات وغير متجاورة، وتعتمد زراعتها على طرق تقليدية، بعيدة عموما عن الممارسات والتكنولوجيا الحديثة. وتعد الزراعة مصدرًا مهمًا للدخل وسبل العيش، خاصة بالنسبة لـ 29‌% من السكان الذين يعيشون في المناطق الريفية. ومع ذلك، فإن معظم العمال الزراعيين، وتحديداً 88‌% من النساء و85‌% من الرجال، لا يحصلون على أجورهم.
شهد القطاع الزراعي نمواً سريعاً بين عامي 2009 و2013، حيث تضاعفت قيمته تقريباً. وبحلول عام 2014، مثلت الزراعة 8.4‌% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي. وفي عام 2015، انخفض إنتاج الغذاء بنسبة 40‌% بسبب انعدام الأمن الناجم عن تنظيم داعش. وأدى انتشار النزوح على نطاق واسع، واستهداف الجماعات المسلحة للبنية التحتية الزراعية، ومحدودية الوصول إلى المدخلات، واضطرابات الأسواق في المحافظات السبع المتضررة بشكل مباشر من النزاع، إلى إضعاف القطاع بشكل كبير على المستوى الوطني. وأدت هذه الأحداث، إلى جانب آثار تغير المناخ، إلى خسارة المحاصيل وسبل العيش ومصادر الدخل للعديد من المزارعين العراقيين.
ولهذه الأسباب، تم ولا يزال تقويض قدرة المجتمعات الزراعية على الصمود في مواجهة الصدمات، حيث لم تعد احتياطيات المحاصيل تعوض الخسائر الناجمة عن سنوات النقص. وفي مواجهة عدم الاستقرار في مهنتهم، قام المزارعون بخفض نفقاتهم، أو بيع أراضيهم أو مواشيهم. وفي بعض الحالات، يبتعدون عن الزراعة ويشجعون أطفالهم على اتباع مسارات أخرى. ووفقاً لمسح أجرته منظمة أوكسفام ومنظمة إنقاذ الطفولة ومنظمة الرؤية العالمية، ذكر أربعة وأربعون من أصل اثنين وخمسين مزارعاً تمت مقابلتهم أنهم لا يرغبون في أن يعمل أطفالهم في الزراعة. وتساهم هذه المواقف في زيادة الهجرة، خاصة نحو المناطق الحضرية، إذ يرسل المزارعون أفراد أسرهم للعمل في مواقع أخرى. وقد قدرت المنظمة الدولية للهجرة أنه في الفترة ما بين كانون الثاني 2016 وتشرين الاول 2022، ساهم تغير المناخ والتدهور البيئي في نزوح ما لا يقل عن 55,290 شخصًا من وسط وجنوب العراق.
ويتأثر أيضًا العمال الذين يعملون بأجر يومي وعادة بشكل غير رسمي، بهذا الاتجاه. وبما أن تعويضاتهم مرتبطة بالإنتاج، فهم معرضون للخطر في حالة انخفاض المحاصيل أو غيابها. ولهذا السبب يهاجرون إلى المناطق الحضرية، التي تعتبر أكثر استقرارًا اقتصاديًا وماليًا.
وعلى المدى الطويل، قد تواجه البلاد نقصًا في العمالة بسبب تدهور ظروف العمل. وفي عام 2023، تعرض 35‌% من العمال الزراعيين للحرارة الشديدة. وعلى العكس من ذلك، فإن العمال الأكثر تأهيلاً، القادرين على إصلاح النظام الزراعي وقيادة ديناميكيات جديدة، يواجهون نقص الفرص الاقتصادية. وعلى الرغم من حصولهم على درجات علمية عالية، إلا أنهم مستبعدون من السوق لصالح مرشحين أقل تأهيلاً ولكن أكثر خبرة.
وأخيرا، من المهم الإشارة إلى أن بعض القطاعات تعتمد على الزراعة. ومن المتوقع أن يؤثر انخفاض الإنتاج الزراعي على الاقتصادات النهائية، بما في ذلك الصناعات المتخصصة في تجهيز الأغذية، وتجارة التجزئة للأغذية، والمطاعم، والضيافة، والبناء، والنقل. ومن المرجح أيضًا أن ينجم الانخفاض في الإنتاج في الصناعة والخدمات عن انخفاض موارد المياه، مما قد يؤدي إلى زيادة عدم استقرار العمال وارتفاع مستويات الفقر. وفي عام 2022، كان 16‌% من عمال التصنيع يعملون في القطاعات المتعلقة بتصنيع الأغذية (بما في ذلك إنتاج الأغذية والمشروبات والتبغ.
وبدون حدوث تحول عميق في القطاع الزراعي، سيتعين على العراق الاعتماد بشكل أكبر على الواردات للحفاظ على أمنه الغذائي، على الرغم من امتلاكه أحد أكبر البرامج الغذائية الحكومية في العالم، والذي يمثل 1.4٪ من نفقات الدولة. وقد أدت السياقات المناخية بالفعل إلى زيادة اعتماده على الواردات الغذائية. كما أدت جائحة كوفيد-19 الأخيرة والحرب في أوكرانيا إلى تسريع هذا الاتجاه وتكثيفه. وسوف تتفاقم حالة الضعف التي تعاني منها البلاد إذا قامت البلدان المصدرة، المتأثرة بنفس القدر بتغير المناخ، برفع أسعار المنتجات المتجهة إلى العراق. بالإضافة إلى ذلك، تعتمد البلاد على واردات الغاز والكهرباء من إيران وكذلك على موارد المياه من جيرانها.
وكما ذكرنا سابقاً، تعتبر الزراعة أمراً حاسماً لضمان الاستقرار البيئي والاقتصادي والاجتماعي في العراق. وقد عانت على مدى العقود القليلة الماضية من آثار الصراعات وكذلك من آثار تغير المناخ. وينتج تدهورها عن عدم وجود التزام سياسي قوي على مدى السنوات العشرين الماضية.

مستشارة في الامن والمخاطر البيئية

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: نظرية "كل من هب ودب"

 علي حسين يريد تحالف "قوى الدولة " أن يبدأ مرحلة جديدة في خدمة الوطن والمواطنين مثلما أخبرنا بيانه الأخير الذي قال فيه إن أعضاء التحالف طالبوا بضرورة تشريع تعديلات قانون الأحوال الشخصية، التي...
علي حسين

قناديل: انت ما تفهم سياسة..!!

 لطفية الدليمي كلُّ من عشق الحضارة الرافدينية بكلّ تلاوينها الرائعة لا بدّ أن يتذكّر كتاباً نشرته (دار الرشيد) العراقية أوائل ثمانينيات القرن الماضي. عنوان الكتاب (الفكر السياسي في العراق القديم)، وهو في الاصل...
لطفية الدليمي

قناطر: كنتُ في بغدادَ ولم أكنِ

طالب عبدالعزيز هل أقول بأنَّ بغداد مدينةٌ طاردةً لزائرها؟ كأني بها كذلك اليوم! فالمدينة التي كنتُ أقصدها عاشقاً، متلهفاً لرؤيتها لم تعد، ولا أتبع الاخيلة والاوهام التي كنتُ أحملها عنها، لكنَّ المنعطفَ الخطير والمتغيرَ...
طالب عبد العزيز

الزواج رابطة عقدية تنشأ من دون وسيط كهنوتي

هادي عزيز علي يقول الدكتور جواد علي في مفصله لتاريخ العرب قبل الاسلام ان الزواج قبل الاسلام قائم على: (الخطبة والمهر وعلى الايجاب والقبول وهو زواج منظم رتب الحياة العائلية وعين واجبات الوالدين والبنوة...
هادي عزيز علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram