محمد حميد رشيد
الحكم في العراق مبني على شعارات مجردة وفرضيات مبهمة وعواطف ملتهبة وعلى قواعد عامة لا تكفي أن تكون نظام لتسيير مؤسسة صغيرة وليست دولة كبيرة. وهناك من يقول ان الدستور هو من ينظم الحكم ويعبر عن فلسفته! ولكن الدستور العراقي الحالي فيه نقائص وهفوات ومشاكل بل وعقبات والغام فهو كتاب إختلاف وليس كتاب إتفاق ولا يحدد اي فلسفة للحكم اكثر من ان (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي) وفي ما هو معلق منذ كتابته لغاية هذا اليوم!
والأخطر مافي الأمر أنه غير محترم ولا مصان ولا مطبق من قبل كل الأطراف السياسية وهو ينتهك كل يوم وليس ضامناً للحقوق الأساسية للأفراد والجماعات تجاه السلطة.
فضلاً عن كون توجه الدولة بشكل عام نحو الطائفية السياسية بعد رفض الشعب للطائفية الإجتماعية وللتعصب الطائفي.
وبعد ان فشلت الأحزاب "الدينية" في تأسيس حزب ديني "إسلامي" واحد يجمع الطوائف والمذاهب الإسلامية في "حزب سياسي" واحد عابر للطائفية كان إصرار تلك الأحزاب على الحزب السياسي الطائفي العقائدي وهذا أدى إلى ترسيخ القيم والمفاهيم الطائفية وأدى في الأخير إلى تصعيد الخطاب الطائفي الخطر الذي لا يؤمن عواقبه والتعصب الطائفي يمكن أن يؤدي إلى حرب طائفية دموية خطيرة وهكذا هي كل الحروب الطائفية لا يوجد فيها طرف مخطيء ولا يوجد فيها طرف رابح والوطن هو الخسران في كل الاحتمالات.
ولن يكتفي هذا التعصب بالسجال الطائفي والإختلاف الفكري لأن ما يؤمن به "مقدس" غير قابل للمس ولا للمراجعة بل أن "المقدس" عصي على المحاسبة وفوق كل القوانيين وغير قابل للأختلاف؛ ويكفي أن تضع كلمة "مقدس" بعد أي كلمة لتصبح مقدسة وتعلو على القوانين وتسمو على المحاسبة! وليس هناك رادع للطائفية لأن الأحزاب الحاكمة والقائدة للعملية السياسية طائفية بأمتياز متشدد! حتى الحوار الطائفي حساس للغاية بل سيبدو انه صعب جداً وقد يتسبب بكارثة ذلك بسبب كثرة المقدسات الطائفية واي تعريض أو تلميح او نقد للمقدسات فهو غير مسموح به ويجب القبول والتسليم به ولا ديمقراطية في ذلك بل هنا يجب أن تتوقف الديمقراطية؛ كما أن الطائفية السياسية التي تتبناها الأحزاب تصادر كل راي الطائفة ذاتها وتدعي إنها تمثل كل راي الطائفة رغم كون أن أكثر من 70% من ناخبي الشعب العراقي والطائفة منهم لم يشاركوا بالإنتخابات (قاطعوها)؛ والأحزاب السياسية الطائفية والشيعة منهم على سبيل الخصوص يعتقدون بأن الديمقراطية هي حكم الأغلبية وأن الأغلبية لابد أن تسود في النهاية وبما أنهم يمثلون الأغلبية فإن الحكم لهم تبعاً لذلك وهم يغفلون حقيقتين الأولى أن الأغلبية السياسية قد تكون لهم تبعاً للأغلبية الإنتخابية السياسية فقط دون الأغلبية الدينية لأن ذلك يحتاج تفويض ديني رسمي، وذلك لم يحصل بل هناك معارضة شعبية ومعارضة دينية رسمية ورفض الأغلبية الشعبية والطائفية للفساد والفشل للحكومات الطائفية المتعاقبة والمحاصصة خصوصاً عندما يتأطر بإطار ديني ثم أن الطائفية الحزبية السياسية مرفوضة دستورياً ومرفوضة ديمقراطياً حيث أن الدستور ينص بوضوح على أن النظام (نظامٍ جمهوري اتحادي ديمقراطي تعددي) وليس ديني ولا طائفي؛ وأن الدستور يكفل (إنّ الالتزام بهذا الدستور يحفظُ للعراق اتحاده الحر شعبا وأرضاً وسيادةً) وهذا ما تضمنته المادة الاولى من الدستور كما أنه (ب - لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.
ج- لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور)؛ وفي المادة السابعة من الدستور العراقي (أولاً:- يحظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الارهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو يحرض أو يمهد أو يمجد أويروج أو يبررله). كما ويحضر الدستور بالمادة تسعة من الدستور العراقي (ب - يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج اطار القوات المسلحة) فكيف إذاكانت مليشيات دينيةعقائدية"مقدسة"؟! . وبموجب الدستور (المادة (١٤) العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الاصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي) وبهذا فإن الطائفية السياسية والرسمية الحكومية محضورة ولا يجوز الكلام بها لأنها تتعارض مع الدستور العراقي (وهذا لا يعني بالمطلق التحريم الديني الطائفي بحدود ما يأمر به الدين ويحث عليه) وبالنتيجة (يحارب) الدستور الطائفية ولا يرتضي بها (فكيف إذا ما كانت هناك محاولات لسن قوانين واعياد طائفية؟!
وكذلك الديمقراطية فهي لا تعني بالمطلق غبن الأقلية بأي شكل كان بل هي حماية الأقليات وحفظ حقوقهم وأي تصرف عنصري متعصب ضد حرية الرأي وإعتناق الدين الذي تكفله الديمقراطية. بل أن الإنتخابات الديمقراطية تعني في أهم صورها (العمل على "إنتخاب الأفضل" الذي يختاره الشعب ويعتقد انه يحقق مصالحه وليس بالضرورة الاقرب).
أما أن تكون فلسفة الحكم فلسفة طائفية لينتج الطائفية ويحرض عليها فهذا لعب بالنار و وضع البلد على برميل من بارود يمكن أن ينفجر في أي دقيقة ليحرق الأخضر واليابس ولا ينتج غير الدمار والتمزق والفرقة والتخلف والإختلاف والتنازع! (كما هي التجارب الطائفية عبر التاريخ) وهذه هي منتجات الطائفية والشحن الطائفي والصراع الطائفي وإقصاء المشتركات التي تجمع ولا تفرق وتوحد ولا تمزق وتبني ولا تدمر وهذه هي نتائج إقصاء الحل والمشروع الوطني ولعل هذا ليس عن تعمد وقد يكون عن جهل وعن فهم قاصر للمشروع الوطني بانه (حب الوطن) والطائفي محب لوطنه أيضاً وليس كاره له لكنه يقدم مصلحة طائفته (المقدسة) على أي مصلحة أخرى حتى ولو كانت مصلحة الوطن!. وأخيراً يجب أن يفهم أصحاب "المشاريع" الطائفية أنهم سيكونون في نقيض مع "المشروع الوطني" وإن الطائفية السياسية نقيض للوطنية ولا ينخدعوا ولا يخدعوا بغير هذه الحقيقة!
ولن يصلح العراق ولن ينصلح حاله إلا من خلال المشروع الوطني؛ اعتنق ما شئت من عقائد دينية أو فلسفية ولا تختار غير المشروع الوطني لإنقاذ العراق من الكوارث التي تحيط به
جميع التعليقات 1
محمدحميد رشيد
منذ 4 شهور
الخطوة الديمقراطية نحو الطائفية!