د. فـالح الحمراني
رغم التحول الملموس في خطاب كييف المتمثل بقبول فكرة إجراء مباحثات تسوية مع موسكو، لكن أفق السلام على ما يبدو ما زالت بعيدة، ليس فقط لأن كل طرف يطرح شروطا غير مقبولة للآخر، بل لأن الغرب ما يزال يصر على الحاق هزيمة استراتيجية بروسيا وإنهاكها اقتصاديا وعسكريا وزعزعة الاستقرار الداخلي وعزلها دوليا.
وضمن هذا السياق أشار الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي في مقابلة صحفية جديدة إلى أن كييف لن تعارض وجود روسيا على طاولة المفاوضات إذا أراد العالم كله ذلك. وأن السلطات الأوكرانية يمكنها مناقشة مسألة وحدة أراضيها إذا وافق الشعب الأوكراني على ذلك. وفي الوقت نفسه، قال إن الصين، من خلال انضمامها إلى ضغوط الدول الغربية على موسكو، يمكن أن تجبر موسكو على وقف الأعمال القتالية. ومع إدراكها لحقيقة أن أوكرانيا غير قادرة على الاستمرار في الصراع العسكري مع الاتحاد الروسي على المدى الطويل، فإن كييف تتوقع إطلاق عملية التفاوض ــ بشروط الغرب وأوكرانيا.
وونقات وسائل اعلام عن الرئيس فلاديمير زيلينسكي في مقابلة مع إحدى الصحف الفرنسية، إن أوكرانيا لا يمكن أن تكون ضد المباحثات إذا كان العالم كله يرغب برؤية الاتحاد الروسي على طاولة المفاوضات. وأضاف: أعتقد، مثل معظم الدول، ينبغي أن يشارك ممثلو روسيا في قمة السلام الثانية في نوفمبر المقبل، وإلا فلن نحقق نتائج قابلة للحياة. ولا أريد أي طرف منعنا من إعداد مع الدول الشريكة خطة مشتركة.
وكما ذكر، تعتزم كييف بحلول هذا الوقت إعداد خطتها الخاصة لحل النزاع، على أساس "صيغة السلام" التي قدمها زيلينسكي في نوفمبر 2022 والتي تضمنت، من بين أمور أخرى، انسحاب الوحدات الروسية من المناطق. بما في ذلك دونباس وشبه جزيرة القرم، والعودة إلى حدود أوكرانيا عام 1991. وفي الوقت نفسه، ردا على سؤال "حول أهمية المطالب الأخيرة التي أعلنتها القيادة الروسية بانسحاب القوات الأوكرانية من أراضي الدونباس التي أعلنت في استفتاء عام انضمامها لروسيا بطواعية، أوضح زيلينسكي أن ليس من حق القيادة الأوكرانية التخلي عن أراضي بلادها، ويتوجب هذا موافقة الشعب الأوكراني على ذلك. وأضاف الرئيس أنه على الرغم من أن مثل هذا الأفق " ليس الخيار الأفضل". ويرى زيلينسكي أن الصين، إذا رغبت في إحلال السلام، فإنها قادرة على إجبار روسيا على وقف الأعمال القتالية. ولكن الرئيس الأوكراني نفسه لا يريد أن تصبح بكين وسيطا بين كييف وموسكو. " أود أن يمارسوا الضغط على روسيا لإنهاء النزاع العسكري. على غرار ضغط الولايات المتحدة. ومثلما يمارس الاتحاد الأوروبي الضغوط. وكلما كانت الدولة أقوى، كلما كان ضغطها قويا على روسيا".
ويرى المحرر السياسي لصحيفة نيزافيسيمايا غازيتا بانه وعلى الرغم من كل الطبيعة المتناقضة، أكدت تصريحات زيلينسكي مرة أخرى حدوث تغيير ملموس في خطاب كييف. وكان قد ظهر ذلك عشية الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأوكراني دميتري كوليبا إلى الصين يومي 23 و25 يوليو والذي أعلن مقدماً أن الموضوع الرئيسي للمفاوضات مع نظيره الصيني وانغ يي سيكون "إيجاد سبل لإنهاء النزاع العسكري مع روسيا". ومناقشة "دور الصين المحتمل في تحقيق عالم مستدام وعادل".
وأضاف: علاوة على ذلك، طور الرئيس زيلينسكي في مقابلة أخرى، عشية هذه الزيارة، أيضا موضوع مفاوضات السلام وأشار إلى أهمية "ألا يتلاعب أحد بمبادراتنا لإنهاء النزاع العسكري". نظراً لأنه، من المخطط تطوير خطة سلام موحدة، بالتعاون مع الشركاء في قمة السلام الثانية، التي من المقرر عقدها في خريف هذا العام، بحيث يتمكن ممثلو الدول الغربية، الاتفاق عليها. وأن توافق روسيا أيضا على مناقشة الموضوع. وفي هذا الصدد، لم يستبعد زيلينسكي حتى إمكانية إجراء مفاوضات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على الرغم من أنه فرض بنفسه في تشرين أول عام 2022 بموجب مرسومه الخاص الحظر على إجراء مباحثات مع الرئيس فلاديمير بوتين.
ونُقل عن النائب السابق للبرلمان الأوكراني آنذاك، سبيريدون كيلينكاروف، التغيير الملحوظ في خطاب ممثلي كييف بفقدانهم رعاية ودعم الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، الذي أعلن انسحابه من السباق الانتخابي. ومن المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 5 نوفمبر وبدوره، أوضح مستشار رئيس مكتب رئيس أوكرانيا، ميخائيل بودولياك، قبل يوم من إعلان كييف استعدادها لعملية التفاوض، بحقيقة أنه حتى الآن استغلت موسكو غيابها في المؤتمر الدولي للسلام. "تنفق الدعاية الروسية الكثير من الأموال في محاولة خلق انطباع مثل: "هناك نزاع عسكري، لكننا مستعدون للمفاوضات، وأوكرانيا ليست مستعدة للمفاوضات. كلا، أوكرانيا مستعدة للمفاوضات – هذه هي النقطة الأساسية". وقال بودولياك للصحفيين: "هذا يعني أن المفاوضات مطلوبة بالطبع، لكن النقطة الثانية تتعلق بالشروط". ثم تحدث مرة أخرى عن تسوية تقوم على المعايير الدولية، والتي، كما ذكر المحرر السياسي للصحيفة: لا تنظم مبادئ وحدة الأراضي وسيادة الدول وحسب، بل تنظم أيضا حق الشعوب في تقرير المصير.
ولاحظ أنه في الوقت نفسه جدد بودولياك القول بأن المفاوضات المقترحة لن تكون مثمرة إلا إذا تم استخدام أدوات التأثير اللازمة على روسيا. وأدرج الأسلحة التي يقدمها الحلفاء الغربيون ضمن هذه الأدوات، واشتراطه أن يتخلى الغرب أيضا عن الحظر المفروض على الهجمات على أهداف في عمق أراضي روسيا. وأضاف المحرر السياسي " من الغريب أن أطروحة مماثلة حول الحاجة إلى توجيه ضربات من قبل القوات المسلحة الأوكرانية إلى العمق الروسي قد تم التعبير عنها في المقابلة المذكورة التي أجراها فلاديمير زيلينسكي. ووفقا له، فهو "يعمل بجد" لإقناع الشركاء الغربيين بالسماح للقوات المسلحة الأوكرانية باستخدام الأسلحة التي تقدمها دون قيود. وفي رسالة فيديو مسائية (بعد ظهور تقارير عن تسليم أولى طائرات إف -16 إلى كييف) قال إن شهر أغسطس سيكرس للتحضير لتحقيق النتائج المرجوة في الخريف".
ونقلت صحيفة نيزافيسمايا غازيتا عن مدير مركز الدراسات الأوروبية والدولية الشاملة في المدرسة العليا للاقتصاد بجامعة الأبحاث الوطنية في موسكو دميتري سوسلوف قوله: أن ممثلي كييف يحاولون بوضوح تعزيز موقفهم المعلن، من خلال مثل هذه التصريحات. "بالإضافة إلى ذلك، لا يمكنهم التخلي فورا عن تصريحاتهم السابقة حول ضرورة استعادة حدود عام 1991، حيث إنهم على مدى العامين الماضيين كانوا يقنعون سكان بلادهم بأن النصر على روسيا أمر لا مفر منه وأن أوكرانيا ستسترجع أراضيها وتعود بالتأكيد إلى الحدود المرسومة. والآن إذا أعلن زيلينسكي بنفسه أن من المستحيل تحقيق هذا الشرط، فستتم الإطاحة به ببساطة. لذلك، فهو يشير إلى موقف وسط ملموس: "نعم، حدود 1991 مهمة، لكن ليس بالضرورة العودة إليها بالوسائل العسكرية".
وتابع سوسلوف: في الوقت نفسه أن الزعيم الأوكراني يدرك أن كييف غير قادرة على خوض نزاع عسكري إلى ما لا نهاية مع الاتحاد الروسي. ولهذا السبب يهتم زيلينسكي بإطلاق شكل من أشكال عملية السلام. ولكن، من المستبعد أن توافق كييف على الشروط التي سبق وأن أعلنها فلاديمير بوتين، والتي من شأنها أن تنطوي على مفاوضات ثنائية مع أوكرانيا على أساس استئناف العملية التي توقفت في ربيع عام 2022 في إسطنبول. في حين أن الرئيس الأوكراني يرغب بوضوح في أن تحدد الدول الغربية وأوكرانيا جدول أعمال قمة السلام الثانية، التي يجري إعدادها على ما يبدو في المملكة العربية السعودية، وأن تكون قراراتها بمثابة الأساس للتسوية. ولهذا فهو يحتاج أيضاً إلى مشاركة الصين. وفي الوقت نفسه، أكد السكرتير الصحفي للرئيس الروسي.