TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > اقتصاديات الثقافة مرة أخرى... لبنان مُصَدِّراً

اقتصاديات الثقافة مرة أخرى... لبنان مُصَدِّراً

نشر في: 7 ديسمبر, 2012: 08:00 م

غدا واضحاً للعديد من دور النشر العربية التي لا تساهم في معرض بيروت الدوليّ للكتاب أن لبنان يصير، موضوعياً، أو يريد أن يصير مُصَدِّراً للثقافة في المقام الأول وليس مستهلكاً لثقافةٍ أخرى من العالم العربيّ خارجه، مع ظلال وهوامش مهمّة. يَصْدق ذلك، على ما يبدو، على إنتاج السلع الثقافية وعلى رأسها الكتاب، وعلى الإبداع الفرديّ المحض.

في الدورة الحالية تشارك في المعرض 181 دار نشر لبنانية مقابل 63 دار نشر عربية فقط،. الرقم الأخير ضعيف وذو دلالة. صحيح أن هناك عدداً كبيراً من الدور اللبنانية على خارطة جميع المعارض العربية، لكن الصحيح كذلك أن جمهرة كبيرة من الناشرين العرب ليست براغبة  في حضور المعرض البيروتيّ، ليس فقط بسبب غلاء المتر المربع وارتفاع أسعار الخدمات، إنما لأنها لا تحقق في بيروت مشتريات تُذكر، كما لو أن المُصَدِّر والمُنتِج يبيع للآخرين ولا يشتري منهم سلعةً يعتبرها من حقه الإنتاجيّ الحصريّ، على الصعيدين الاقتصاديّ والمعرفيّ كليهما.

هنا يقع السبب في أن معرض بيروت لا يدعو على الإطلاق، أو القليل النادر، أحداً من المثقفين العرب. جُلّ الحاضرين والمتداخلين في ندوات الدورة الحالية هم من الأسماء الفاعلة في الوسط اللبنانيّ. أما تكريم الشخصيات العربية (السبت 15/12/2012) فذهب نحو "دعوة" المتوفين العرب فقط ومن قبل جريدة "السفير": عبد الرحمن منيف وسعد الله ونوس وناجي العلي. هذا لا يكّلف شيئاً على الصعيد الماديّ، مع الأهمية الكبيرة بالطبع لتكريم أولئك المبدعين.

في القراءات الشعرية سيحضر من يستطيع الحضور على حسابه الشخصيّ غالباً. ففي قراءات (الأربعاء 5/12/201) ثمة أسماء من الجزائر وإسبانيا-المغرب وثلاثة من السعودية، وفي قراءات الجمعة 14/12/2012 هناك أسماء من مصر واثنان من السعودية، واثنان آخران لاحقاً من عُمَان ساهموا في ندوات فكرية، بينما يساهم في ندوة "الكتابة والترجمة" أربعة كتاب من السعودية حصرياً. وجميعهم، على ما يبدو دعوا أنفسهم بأنفسهم. تَشكّلَ في بيروت هذا المأزق في الحضور وقبله النشر على حساب المؤلف وتبلور وصار قاعدة في كل مكان.

جميع من حضر، مدفوعاً بالفضول والوَهْم، من أصدقائنا العراقيين والعرب في دورات سابقة أدرك وألْمح إلى المشكل. تدور "السلعة المينافيزيقية" التي هي الكتاب في فلك ثقافيّ ضيّق، بحيث يقع الترويج لما يصدر في البلد خاصةً، بين ثلة من الأحبّة ضمن "تواطؤ" صداقيّ لا تخطئه العين، من نتائجه التهميش، مداوَرةً وبأدبٍ جمّ وكياسة، للمبدع العربيّ ودور نشره، وللكثير من المبدعين اللبنانيين. لكن الاعتراف بالمبدع العربيّ، والحق يُقال، واقع أيضاً على نطاق واسع عندما يُستحسن أن يكون يداً عاملة ثقافية رفيعة رخيصة، تكتب أعمالها وتدفع ثمن طباعتها، أو لا تتسلم إلا الفتات من حقوق تأليفها في أفضل الحالات. معرض بيروت يلّخّص حالة الحب من طرف واحد: أنه يفيد من العالم العربي اقتصادياً ولا يقدّم له شيئا جوهرياً، اقتصادياً وثقافياً، خاصة من العراقيين. انظر ملف جريدة "الأخبار" المكرّس للمعرض واستثنائه للكِتاب العراقيّ.

ازدهار لبنان الثقافيّ مشروط بالحرية الرحيبة التي ما انفككنا نقدّم مديحاً لها، وظرف أهله، وانعدام الأمية تقريباً فيه، وتعدّد روافد مثقفيه، وجمال طبيعته، ثم حرية التعامل التجاريّ وتسهيلات الرقابة والشحن ودقة إخراج المطبوعات وما إلى ذلك. وإذا ما لعب منذ القرن التاسع عشر دور النهضويّ المجّدد، فقد كان يلعب في ما بعد، إضافة لذلك، دوره بصفته المطبعة المتقدّمة لجميع الكتب في العالم العربي، وكان المثقفون العرب يساهمون في خلق صورته، وكان يستقبل هذه المساهمة برحابة صدر. يبدو اليوم أن بعض دور النشر ومسؤولي الفعاليات الثقافية يغضّ الطرف عن هذه المساهمة، لأسباب يقف على رأسها عنصر الربح والاستثمار عبر استبعاد المنافسين في المجال الثقافيّ. هل تليق بالثقافة فكرة المعاملة بالمثل طالما أن الأمر يتخذ وجهاً اقتصادياً أيضاً؟. لا نميل لذلك.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

5 انتصارات و3 تعادلات بالدوري الممتاز

المتحدث باسم الحكومة العراقية: قمة بغداد ستكون من أهم القمم العربية

إسرائيل تهدد عبد الملك الحوثي بمصير نصر الله والسنوار

تزامناً مع قمة بغداد.. المرور تدعو المواطنين إلى اختيار طرق بديلة

مستشار السوداني يكشف الديون العراقية وتصنيفها عالمياً

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: بيل غيتس ودراويش بلاد الرافدين

العمود الثامن: الطبيب أنور وصاحب "ألوان"

العمود الثامن: الزعيم منزعجاً

العمود الثامن: إخجلوا !!

تفكيك الأمم المتحدة ومنظومة العدالة الدولية..؟

العمود الثامن: إخجلوا !!

 علي حسين يخوض السياسي العراقي، وعذراً على كلمة "سياسي" التي لا تنطبق على 80 بالمئة ممن نشاهدهم على شاشات الفضائيات، معارك من اجل المغانم بحجة انهم تبحروا في علوم السياسة حتى تجاوزوا عميد...
علي حسين

قناطر: قبورنا التي تلتهمنا

طالب عبد العزيز بعيداً عن السردية الدينية التي تؤسس لمقبرة النجف(وادي السلام) يتوجب على الدولة العراقية أنْ تفكر ملياًّ في المساحات الشاسعة من الأرض التي تقضمها المقبرة، إذا ما علمنا بأن 500.000 الف جنازة...
طالب عبد العزيز

الغاز الإيراني و الفرصة التاريخية

ثامر الهيمص نعم الغاز الايراني بات درسا، بل قاسيا وضعنا في حرج شديد ووضع الحليف الامريكي في الاشد انسانيا واخلاقيا. اذ لا زال الغاز الايراني يتدفق باريحية عالية الى تركيا, فبطلت الحجة. وهكذا بلا...
ثامر الهيمص

بيت المنقسم والمعركة المؤجلة: أزمة الشرعية في ظل استحقاق انتخابي مضطرب

محمد علي الحيدري حين تقترب اللحظة الانتخابية، لا تختبر الأنظمة السياسية فقط قدرتها على التنظيم والإدارة، بل تُعرّي أيضًا بنية التفاهمات التي قام عليها التوازن السياسي في مرحلة ما. وفي الحالة الراهنة، يبدو أن...
محمد علي الحيدري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram