غالب حسن الشابندر
للمرَّة الثانية يُصدر المرجع الديني عبر مكتبه بيانا حول ما يدور في غزَّة، حيث المجازر البشعة التي تمارسها حكومة اسرائيل بحق ابناء هذه المدينة التي يشهد لها التاريخ بالاصالة الوطنية والاخلاقية والدينية، وسبق للمرجع الكبير أن اصدر بيانا في ذات الموضوع، يحمل ذات النكهة والاتجاه والفلسفة.
بيان السيد المرجع كان سياسيا بحتا، وذلك خلاف ما يتوقّعه كثير من المراقبين فيما إذا فكروا عن معالم وهوية هذا البيان قبل أن يصدر، حيث الاعتقاد السائد بان البيان سيكون قطعة من الحماس الديني، والوعود الالهية، والتهويل ذي النكهة الميتافيزية. ..
لم يكن بيانا دينيا، فلم يتضمّن البيان شاهداُ دينياً واحدا، سواء كان من القرآن أو السنة النبوية أو الفقه، بل كان بيانا يحمل طابع السياسة بمنتهى الدقة والموضوعية، ولذلك كان مفاجئا ربما حتى لذوي النزعة الدينية في مثل هذه الحالات.
البيان سلّط الضوء على وحشية القائمين على هذه السياسة الغاشمة الرامية إلى إبادة مجتمع غزّة، واصفاً هؤلاء ببعدين، أحدهما: سياسي يصب في صميم القضية الفلسطينية، وألثاني: اخلاقي حضاري يصب في صميم المسؤولية الاخلاقية للإجتماع الانساني تجاه أمثال هذه الجرائم البشعة.
فهؤلاء عبارة عن (قوات إحتلال)، هذا على السعيد السياسي، وهم عبارة عن (حوش بشرية تجرّدوا من كل القيم الإنسانية والمبادئ السامية)، وهذا على الصعيد الاخلاقي والانساني. ..
النقطة الحسّاسة إن بيان المرجع إنحاز بشكل واضح إلى القيادات الكريمة التي طالتها يد قوات الاحتلال بوحوشها البشرية، ممّا يعني أن هذا المرجع الكريم يعطي أهمية كبيرة لقادة الحرية والتحريرليس في على صعيد القضية الفلسطينية بل على صعيد كل قضية مبدئية عادلة.
لقد جاء في البيان ما نصّه:
(وقد اشتملت في المدة الأخيرة على عمليات اغتيال غادرة استهدفت قيادات بارزة في مقاومة الاحتلال وأدّت إلى استشهاد عدد منهم)، والمرجع بذلك أمضى ما يقوم به هؤلاء القادة من جهاد وجهود ضد الاحتلال الصهيوني، بل في النهاية ضد الكيان الصهيموني برمّته.
ومن علامات الكثافة في الاسلوب والمعنى أن يقرن أو يعقب على ذلك ما اجترحه الكيان المجرم بحق دول وشعوب، خلافا للمعايير الدولة، أي اختراق (سيادة عدل من دول المنطقة)، ليس ذلك من حيث بطلان هذه السياسية، بل لأن مثل هذه السياسة المتغطرسة زادت من ( مخاطر وقوع مصادمات كبرى فيها تتسبب لو حدثت ـ لا سمح الله ـ في نتائج كارثية على مختلف دول هذه المنطقة وشعوبها)، والسيد الكريم يريد بهذا ان يضع العالم أمام مسؤوليته الجسيمة تجاه الغطرسة الاسرائيلية، بل تجاه اللاشرعية الاسرائيلية بالاساس.
وهل غفل البيان دور (الدول الكبرى) التي تقف وراء هذا الكيان بكل ما يصدر منه استهتار بقيم الارض والشعوب والامم؟
لا بطبيعة الحال. ..
(ومن المؤسف أنهم يحظون بدعم غير محدود من عدد من الدول الكبرى).
وبالتالي، أن المرجع يحمّل هذه الدول، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية جريمة الانحياز الكامل لاسرائيل وجرائمها.
لقد جاء البيان بلغة سياسية محكمة، لغة صريحة مكثّفة، بعيدة عن التهويل والمبالغة، محاكمة تستند إلى القوانين والاعراف الدولية، وذروة البيان جاءت في النهاية، وكأنها تطبيقا لمبدا (وخاتمها مسك).
جاء في البيان:
) ندعو الشعوب الإسلامية – خاصة – الى التكاتف والتلاحم للضغط باتجاه وقف حرب الإبادة في غزة العزيزة وتقديم مزيد من العون إلى أهلها الكرام(.
وغزّة هي فلسطين، وأهلها الكرام هم كل أبناء الشعب الفلسطيني. ..