TOP

جريدة المدى > عام > عبد الرزاق الربيعي: انطلاقتي الشعرية من العراق وفي كل مكان أمرّ به تتفاعل القصيدة مع المكان

عبد الرزاق الربيعي: انطلاقتي الشعرية من العراق وفي كل مكان أمرّ به تتفاعل القصيدة مع المكان

يرى أن الشعر لم يتخل عن عرشه، والرواية لا تقف على طرف نقيض منه

نشر في: 13 أغسطس, 2024: 12:01 ص

حاوره/ علاء المفرجي

-2-

الشاعر عبد الرزاق الربيعي، شاعر مسرحي وصحفي عراقي - عماني ولد ببغداد، ومجاز في اللغة العربية من جامعة بغداد عمل في المجال الثقافي والصحفي، في دار ثقافة الأطفال العراقية عندما كان الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد المدير العام لها، وعمل في مجلة أسفار والجمهورية يقيم في سلطنة عمان منذ عام 1998 ويحمل الجنسية العمانية منذ يونيو 2016 نائب رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي في سلطنة عمان وله عدة دواوين شعرية ومؤلفات ادبية ومسرحيات قدمت في مسارح عربية مختلفة إضافة إلى المهرجانات والندوات الشعرية والأدبية، حصل على بكلوريوس في اللغة العربية من كلية الآداب جامعة بغداد 1986/1987. غادر العراق عام 1994 متوجها نحو الأردن فعمل في الصحافة الثقافية في جريدة الرصيف وكان يواصل كتاباته الأخرى في صحيفة الدستور والرأي. وفي اواخر شهر تشرين الثاني من عام 1994 بدأت هجرته الثانية نحو صنعاء حيث اشتغل في التدريس الثانوي وعمل محاضرا في جامعة صنعاء إضافة لممارسته العمل الصحفي في الصحف اليمنية وفي مجلة اصوات، وفي الوقت ذاته كان مراسلا لجريدة الزمان اللندنية والفينيق الأردنية.

شهدت صنعاء عرض أول مسرحية له وهي آه ايتها العاصفة عام 1996 من إخراج الفنان كريم جثير، ثم انتقل بها إلى كندا حيث عرضها بتورنتو خلال مهرجان مسرح المضطهدين العالمي ومدينة مونتريال اما هجرته الثالثة فقد كانت نحو سلطنة عمان حيث غادر صنعاء في تشرين الثاني من عام 1998 متوجها نحو العاصمة مسقط لتكون مستقره فيما بعد. كان عمله منصبا في العملية الابداعية حيثما حلّ فقد اشتغل في التدريس أيضا ليدرّس اللغة العربية وعمل في الصحافة الثقافية وصولا لرئاسة القسم الثقافي والفني في جريدة الشبيبة اليومية إضافة لعمله كمراسل لصحيفة الزمان اللندنية ومجلة الصدى ومجلة دبي الثقافية، وكان مواصلا الكتابة في مجلة نزوى الثقافية. كانت اشتغالاته المسرحية تجد طريقها نحو الخشبة والانتشار لاقت دواوينه منذ بداياته في النشر عام 1986 ترحيبا نقديا، ودراسات، وهناك كتابات نقدية لكثيرين كالدكتور عبدالعزيز المقالح وصلاح فضل, حاتم الصكر، عبدالملك مرتاض، وجدان الصائغ، ياسين النصير، محمد الغزّي، فيصل القصيري.
امتاز الشاعر عبد الرزاق الربيعي بحضوره اغلب المهرجانات والندوات والملتقيات الثقافية العربية الشهيرة اغلبها في العراق كمهرجان بابل الدولي و مهرجان المربد الشعري وسلطنة عمان كندوات مجلس الدولة ومركز السلطان قابوس والامارات كمهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما ومهرجان الشارقة للشعر العربي والاردن كمهرجان الرمثا ومهرجان الثريا الشعري وفي السعودية مهرجان الجنادرية ومهرجان بعقلين الشعري في لبنان ومهرجان المهدية ومهرجان ابن رشيق المسرحي في تونس.
عمل في الصحافة الثقافية والفنية في بغداد وصنعاء ومسقط منذ عام1980-2016، التحق بالعمل كمحرر في دار ثقافة الأطفال العراقية عام 1980 في بغداد، انضمّ لهيئة تحرير مجلة "أسفار" عام 1985 في بغداد، انضم إلى القسم الثقافي بجريدة" الجمهورية" عام 1991 ثم تسلم رئاسة القسم الفني والمنوعات فيها عام 1992 في بغداد، رئيس نادي الطفولة ببغداد عام 1993
في صنعاء عمل في مجلة أصوات التي تصدر عن مركز الدراسات والبحوث اليمني عام 1995، ساهم في مجلة نزوى منذ انتقاله للسلطنة عام 1998، عمل وترأس القسم الثقافي والفني بجريدة الشبيبة عام 2003 لغاية 2012، عمل مراسلا لعدد من المجلات الثقافية الخليجية كالصدى ودبي الثقافية والإتحاد والشارقة الثقافية والفينيق من عام 1999 حتى اليوم، عمل باحثا ثقافيا في مركز البحوث والدراسات بوزارة الإعلام العمانيّة 2012-2021، مدير تحرير صحيفة"أثير" الألكترونية عام 2013، رئيس تحرير صحيفة"اثير" الالكترونية عام 2016، نائب رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي في سلطنة عمان 2020 حتى الآن.
ومن مؤلفاته:
الحاقا بالموت السابق، ديوان شعر، نجمة الليالي، ديوان شعر للأطفال، الشعر العراقي الجديد، ديوان شعر مشترك، حدادا على ماتبقى، ديوان شعر، وطن جميل، ديوان شعر للأطفال، موجز الاخطاء، ديوان شعر، جنائز معلقة، ديوان شعر، مسقط،2000
أمير البيان عبد الله الخليلي بالاشتراك مع (سعيد النعماني)، شمال مدار السرطان، غدا تخرج الحرب للنزهة، الصعاليك يصطادون النجوم، مسرحيات، لايزال الكلام للدوسري، بوح الحوارات، كواكب المجموعة الشخصية، خذ الحكمة من سيدوري، مدن تئن وذكريات تغرق، وقائع إعصار (جونو) العصيبة، ما وراء النص، مقالات، مقعد فوق جبل شمس، حوارات في الثقافة العمانية أبنية من فيروز الكلمات طواف على أجنحة"سعيد الصقلاوي"، قميص مترع بالغيوم، 14ساعة في مطار بغداد، يوميات الحنين راهب القصيدة عبد العزيز المقالح، تحولات الخطاب النصي، عدنان الصائغ عابرا نيران الحروب إلى صقيع المنافي، يوميات الحنين، خطى.. وأمكنة من أدب الرحلات، على سطحنا طائر غريب نصوص مسرحيّة، غرب المتوسط وقوافل أخرى، صعودا إلى صبر أيّوب شعر، طيور سبايكر، في الثناء على ضحكتها، خرائط مملكة العين، قليلا من كثير عزّة، حلاق الأشجار، دهشة ثلاثية الأبعاد، حكايات تحت اشجار القرم مقالات، خطوط المكان..دوائر الذاكرة، الأعمال الشعرية جُمعتْ في ثلاث مجلّدات بيروت وبغداد، نهارات بلا تجاعيد شعر، شياطين طفل الستين،
رغم كل شيء فقد تم الاحتفاء بالشعر على المستوى الرسمي في تلك الفترة، مؤتمرات، ومهرجانات، ومجلات تعنى به، بل وحتى جوائز شعرية.. ما السبب بتقديرك في ذلك وهل استطاع الشعراء أن يتحايلوا على هذه التفاصيل؟
نعم، تم الاحتفاء بالشعر، ولكن أيّ شعر!؟ بالطبع الشعر الذي يخدم المرحلة، أي الشعر التعبوي، أو الدعائي، ومعظم هذا الشعر انتهى مفعوله، بمجرّد انتهاء الحرب، والمرحلة، وكانت السلطة حريصة على تلميع صورتها لدى الشعراء العرب والكتّاب، والإعلاميين، فأقامت المهرجانات، فاستجاب الشعراء العرب وكتبوا، وطبعا هناك من استثمر الخطاب الدعائي ونال مباركة السلطة، ودعمها، لكن ما كتب احترق مع أوراق الحرب.
أما بالنسبة لنا، فهناك مقولة للينين هي" الشيوعي الجيد هو الذي يراوغ الشرطة" لم نكن ننتمي لجهة سياسية، لكننا راوغنا الشرطة بقصائدنا، وبأفعالنا، واقرأ قصائد عدنان الصائغ في تلك السنوات، كانت نصوصه ملغومة، مع فقدنا في خضمّ ذلك صديقنا الكاتب الشهيد حسن مطلك الذي أعدم عام 1990م، عندما خرج على النص، فدفع حياته ثمنا لذلك، أتذكر صديقي الشاعر الشهيد صباح أحمد حمادي الذي قال ذات يوم متنبئا برحيله المبكر:
على هذي الثرى أسقطت راسي
وسوف أموت في نفس المكان
أقمتم مهرجانا للقوافي
وجئت لكم جراحي مهرجاني
وهما البيتان اللذان انتبهت لهما خلال قراءتي لقصيدة طويلة له في مهرجان شعري أقيم بدار الشؤون الثقافية، بعد ثلاث سنوات من غيابه، في الحرب، بدلا من نص لي لتعريف الحضور به، ولم أتمكن من تكملة القصيدة، إذ خنقتني العبرة، وغادرت القاعة لأبكي بحرقة، بعد احتباس دموع استمر ثلاث سنوات منذ تلقي مسامعي الخبر الصادم، وكانت المرة الأولى التي أبكيه بها، ولم تكن الأخيرة بالطبع!
كانت دموعي نوعا من إظهار بشاعة الحرب، فأثارت لغطا، وكاد المهرجان أن يتوقف بعد أن اعتذر الصديق الشاعر عبد المنعم حمندي، عن قراءة نصّه، وكان قد أعقبني، فخرج أخي عدنان الصائغ وأعادني للقاعة، بعد أن سمع ذلك اللغط.
وغالبا ما كانوا يعرفون ذلك لكنهم يغضّون الطرف، طالما الخطاب غير مباشر، والع.. داء غير معلن، برأيك ما الأثر الذي تركه الثمانينيون في منجز الأجيال اللاحقة وبعد اكثر من ثلاثة عقود على انطلاقتهم؟.. برزت في جيل الثمانينات اتجاهات متعددة، ذات مرجعيات فكرية متنوعة، ومثّل هذا الجيل امتدادا لجيلي الستينيات والسبعينيات في الاتجاه نحو القصيدة الحديثة، مما فتح المجال واسعا أمام الأجيال اللاحقة، للتفاعل مع ما قدّموه من تجارب لرسم ملامح هذه الأجيال.
يرى البعض أن الثمانينيين قد خذلهم النقد، رغم انهم ولدوا في مناخات بروز وترجمة الحركات النقدية في العراق.. بماذا تعلل ذلك؟

  • أرى على العكس من هذا تماما، فقد قوبلت التجربة الشعرية الثمانينية في بداية ظهورها بترحيب نقدي، وأول المرحبين بتجربتهم الدكتور حاتم الصكر الذي كتب عدة مقالات في جريدة الجمهورية، وأسمى بعضهم (شعراء الظل) كون تجربتهم نشأت في ظل جيلين شعريين مهمين غطى ضوؤهما على جيل كان شعراؤه (زغب الحواصل) وقد لاقينا دعما منهما، وقدّم د. سعد التميمي عدّة قراءات في تجارب شعرية ثمانينية، منذ أيام إقامته في اليمن، ودعم هذه التجارب في حقل الدراسات الأكاديمية، فرشّح الكثير من التجارب لطلبة الماجستير والدكتوراه.
    أنت من أكثر أقرانك في كتابة قصيدة النثر والتي أخذت حصتها في الانتشار خلال فترة الثمانينيات، والتسعينيات.. لكن ما زال هناك خاصة من الشباب من يراهن على القصيد التقليدية.. ما تعليقك؟
    تكتسب أية تجربة فرادتها من قوّة الموهبة، والتأسيس الصحيح، وصدق وثراء التجربة، وأيّ خلل في واحد من هذه الأركان قد يشوّه التجربة، لذا، من المهم أن يضبط الشاعر الأوزان، والنحو واللغة، فجواز المرور لذلك كتابة القصيدة العموديّة، يرى أدونيس بما معناه، أن الحداثة تتطلب استيعاب اللغة في تحولاتها التراثية والمعاصرة، ويقول الرسّام العالمي ماتيس" كنت أجبر تلاميذي على الدراسة الاكاديمية حتى لا يجدوا في أسلوبي السهولة الفنية فيتخلون عما مطلوب منهم من جهد وتدريب"، وعندما بدأت مع قصيدة التفعيلة بتأثير المحيط الذي نشأت به، وكان سيابيّا بامتياز، فقطعت شوطا، لكن بعد قراءات مكثّفة، ومراجعات، رأيت من الضروري العودة لنقطة البداية، ودراسة البحور الخليلية، وكتابة الشعر العمودي، ففعلت كلّ ذلك من أجل أن أستكمل الشروط الواجبة لكتابة قصيدة النثر، ومن هنا فقصيدة النثر التي أكتبها ولدت ولادة طبيعية، فجاءت عن دراية، لا عن قصور في أدوات التعبير.
    يقول الناقد الكبير حاتم الصكر: "يبدو أن الولادة كانت متعسرة لقصيدة النثر، حيث رفضها التقليديون، وإشكالاته تبدأ من التسمية ولا تنتهي بالقصور في الاجراءات النقدية.. فظلت تراوح بين الشعر والنثر؟" ما رأيك؟
  • بالتأكيد، أن مصطلح قصيدة النثر يبقى اشكاليا، إلّا أنه اكتسب الشرعية بعد أن أصبح عرفا وبدأت تتبناه المؤسسات الثقافية والأكاديمية وقد سجلت رسائل وأطاريح في قصيدة النثر، وهي الآن هي السائدة، على الرغم أن هناك عودة لشعر الشطرين بشكل ما، إلّا أن الغريب أن قصيدة التفعيلة قد انحسرت إلى حد كبير، وهذا يحتاج وقفة من النقاد لتفسير ذلك، ومازالت قصيدة النثر نبتة شيطانية في ثقافتنا العربية، فقصيدة الشطرين متجذّره، ولها تاريخ طويل، ومنجز ضخم، في تراثنا، بينما عمر قصيدة النثر، قصير قياسا لعمر قصيدة الشطرين.
    يرى البعض أن الشعر تخلى عن عرشه لصالح الرواية، وخاصة في العراق الذي شهد اصدار عدد كبير من الروايات، مقابل ما صدر من الشعر.. ما السبب في ذلك كما يرى الشاعر عبد الرزاق الربيعي؟
  • لم يتخل الشعر عن عرشه، ولم ينزع التاج، عن رأسه، والرواية لا تقف على طرف نقيض منه، ولم تتنازع معه على التاج، بل إنها استفادت منه، في الأبنية اللغوية، والروح الشعرية، أما مسألة أن الزمن (زمن الرواية) فهذه المقولة ردّدها الناشرون وصدّقها النقّاد ومنهم د.جابر عصفور، بالرجوع إلى مبيعات كتب الرواية مقارنة بكتب الشعر الذي يبقى خطابا موجّها للنخب المثقّفة، والنخب تشكّل أقلّيّة في كل زمان ومكان، والشعر مرتبط بالثقافة العربية، فهو (ديوان العرب)، يقول يوسف السباعي في افتتاحية مجلة (شعر) التي صدرت في القاهرة مطلع عام 1976، نزف مجلة "الشعر" للعرب تأكيدا للفكرة المتواترة التي تقول: من أحيا الشعر فقد أحيا العرب، ومن قتل الشعر فقد قتل العرب"، فمقولة (زمن الرواية) لم يمر عليها وقت طويل والزمن كفيل بإثبات أن الأجناس الأدبية المختلفة شعرية كانت أم نثرية تتبادل أدوار الحضور بين والآخر، فهناك الآن عودة للقصة القصيرة جدا، بعد أن تراجعت قبل مدّة من الزمن. يقول د. سعد التميمي" مهما قيل عن عصر الرواية أو مزاحمة الفنون الأدبية الأخرى ووسائل التواصل الاجتماعي الشعر، الا أنه حافظ على مكانته وأسراره التي لا يفك شفراتها الا من امتلك نبوءة الشعر، فالشعر ارتبط بوجود الانسان ولا يمكن أن نتصور مجتمعا من دون الشعر، فلا خوف على مكانته في ظلِّ المتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية في القرن الحادي والعشرين في ظل الثورة التكنولوجية، فضلا عن تطور وسائل التواصل وتأثيرها على الأدب وفنونه الشعر والشعراء بوجه خاص"
    تنقلت في مدن ودول كثيرة قبل استقرارك في عمان، ولكنك تعتبر ولادتك الشعرية الثانية في صنعاء في الدار اليمنية للكتب، على رغم أنك وصلتها وفي رصيدك مجموعتان "إلحاقاً بالموت السابق" عام 1987، و"حداداً على ما تبقى" 1992،هل هو البحث عن مصادر للالهام الشعري، أم تراه قلقا من الاستقرار؟
    انطلاقتي الشعرية من العراق وفي كل مكان أمرّ به تتفاعل القصيدة مع المكان وهذا أمر طبيعي، ولذلك لي قصائد في كل محطة مررت بها، وقد وقف عنده الدكتور محمد صابر عبيد في كتابه(شعرية المكان العماني -مقاربة جمالية في تجربة عبدالرزاق الربيعي) الذي فاز بجائزة صحار للدراسات النقدية2022م، وقد أكّدتُ في كتابي (نقوش سومريّة على باب اليمن أن علاقتي باليمن التي أقمت فيها خلال السنوات(1994-1988) يمكن وصفها بالمشيمية، من الصعب الحديث عن تفاصيلها الوجدانية والثقافية والاجتماعية والروحية، وقد اعتبرت سنوات إقامتي في صنعاء ولادة شعرية ثانية، نظرا للغنى الثقافي لتلك السنوات، فقد وفّرت لي فرصة حضور مجلس عبد العزيز المقالح، الأدبي الذي كان مختبرا شعريا، نعرض به تجاربنا وتتمّ مناقشتها، وكذلك تجوّلت في المدن اليمنية، واطّلعت على ثقافتها، وقرأت تاريخها، ومخزونها الثقافي، وهذا شكّل رافدا مهمّا لروافدي الشعرية، وفيها كتبت أهم نصوصي المسرحية، آه أيتها العاصفة، وأخرجها الراحل كريم جثير، وكان أول نص يمثّل لي على خشبة المسرح، وذلك عام ١٩٩٦، كذلك كتبت مسرحيتي الشعرية(كأسك يا سقراط)، وأداها الراحل كريم جثير أداء مسرحيا في مجلس المقالح، ونوقشت على مدى أكثر من جلسة، وكذلك كتبت مسرحية(البهلوان) التي أخرجها الفنان رسول الصغير، وقدّمها في هولندا ولندن، وكتبت مسرحية " ضجّة في منزل باردي" مستوحيا أجواءها من (منزل باردي) الذي هو بيت قديم في كريتر بعدن، كان وكالة لبيع الحبوب، سكنه الشاعر الفرنسي "رامبو" أثناء إقامته في عدن لعدة أعوام في 1882، والمسرحية تستند إلى مرحلة في حياة "رامبو" وعلاقته بـ"فرلين" الذي هجر زوجته وسافر معه، ثم أطلق عليه النار فأصابه في كفه فعاد إلى باريس ليكتب " فصل في الجحيم " الذي ضمنت العديد من أشعاره المعروفة في هذا النص، وقد جرى عرضها في باريس 2012 وكانت من إخراج: سعيد عامر، وتمثيل: عبدالحكيم الصالحي ونادية عقيل. وفي اليمن نضجت أدواتي الفنية، والتقيت فيها بالكثير من الشخصيات الثقافية العربية الكبيرة لعل في مقدمتها: د. عبد العزيز المقالح، والشاعر الكبير سليمان العيسى، والشاعر عبدالله البردوني والكثير من الشخصيات الأكاديمية من العرب المقيمين في اليمن، وقد عقدت معها صداقات ظلت مستمرة، وتظل اليمن في القلب والذاكرة.
    يقول الشاعر الروسي يفيشنكو: ما أجمل أن نكون دائما على شيء من الطفولة، هل تجسد ذلك في مزاوجتك بين الشعر وأدب الاطفال وخصوصا مسرح الطفل، حتى أنك عنونت أحد مجاميعك الشعرية بـ"شياطين طفل الستين"؟
  • لابدّ لكلّ شاعر أن يكون على شيء من الطفولة، فبين الطفل والشاعر قاسم مشترك أعظم هو النظر بدهشة إلى الأشياء، يقول بيكاسو" العبقرية هي ألّا تغادر الطفولة "، فمرحلة الطفولة تبقى مرجعيتنا والمعين العذب الذي ننهل منه ومن هنا جاءت مقولة الشاعر وليام وردزورث " الطفل أبو الرجل" ففترة الطفولة تترك تأثيراتها، وتبقى تفاصيلها منقوشة كالصخر على حجر، تقول الشاعرة الأمريكية لويز غليك "ننظر للعالم مرة واحدة في الطفولة ما يتبقى ذاكرة فحسب"، والكتابة بروح الطفل ليست عملية سهلة، يقول بيكاسو" لقد بقيت ارسم سبعين سنة حتى تعلمت أن أرسم كطفل" وفي عنوان مجموعتي شياطين طفل الستّين، إشارة ضمنية لبلوغي سنّ الستّين، مع الاصرار على الطفولة، والتمسّك بها، في مجموعة أردت بها أن احتفي ببلوغي الستّين وتمحورت حول ثلاثة مرتكزات تشكّل ركائز حياتي هي: الطفولة، والزمن، والشعر، وقد كتب د.علي جعفر العلّاق على الغلاف الأخير للمجموعة" شياطين عبد الرزاق الربيعيّ، في طفولته الستينيّة، تختلف عن شياطين البشر الآخرين. إنها شياطين شعرية بامتياز، لا تؤذي ولا تشيخ ولا تكدّر الخاطر. وأجملُ ما فيها أنها لا توزّع على القرّاء إلا الجميل والمبتكر..تكاد قصيدةُ الشاعر عبد الرزاق الربيعي أن تكون صورةً عنه. نقيةً، وجارحةً، ومنطلقة الأسارير. لكنها تخفي، وراء ابتسامتها العريضة، وضحكتها الطفولية قدراً عالياً من الألم"
    أشار العلّاق إلى الضحكة الطفولية المدافة بالألم، ما مساحة الألم في حياتك؟
  • أنا ابن العراق بكلّ مآسيه التي تمتدّ إلى عمق التاريخ، وانطلاقتي الشعرية كانت في ظلال الحرب، فبالتأكيد كان الإحساس بالألم حاضرا ومحرّكا، ودافعا قويّا للكتابة، إذ يقول بوموفسكي "ينتهي الحب عندما تكتشف أنك لم تعد تحس بالألم!" وكذلك الشعر. وهناك عدد كبير من قصائدي التي تتماهى مع الحزن والألم والمعاناة التي صادفتها في مسيرة حياتي، أمّا على صعيد الحياة، فأتفق مع دوستويفسكي بقوله "أنا دائما بخير، أعرف كيف أتجاوز كل شيء وحدي، أعرف كيف أنام، وفي قلبي ما يكفي من الألم" ولذلك مثلما الحزن موجود هناك دعوة للتمسك بالأمل والرغبة في الحياة يجدها القارئ لقصائدي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الذكرى 150 لولادة شونبرغ

التعالي التكنولوجي في تخيل الذكاء الاصطناعي

فِي حضرَةِ عِمَارَةِ "مَسْجِدِ قُرْطُبَةَ اَلْكَبِيرِ"

وضـعـُنـا الـبـشـري نتاجُ تفاعل الطاقة والفعالية التطورية مع سلوكنا

تنويعات الوردة

مقالات ذات صلة

وضـعـُنـا الـبـشـري نتاجُ تفاعل الطاقة والفعالية التطورية مع سلوكنا
عام

وضـعـُنـا الـبـشـري نتاجُ تفاعل الطاقة والفعالية التطورية مع سلوكنا

لطفية الدليميالسرنديبية Serendipity، مفهوم يعني في بعض دلالاته أن يأتيك الامر مباغتا عن غير تدبّر قصدي مسبّق. لديّ من تجربتي الشخصية مع القراءة بعضُ الحالات التي ترقى إلى مصاف الكشف السرنديبي المدهش. كلّ قارئ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram