ياسين طه حافظ 1-2كان خطاب التاريخ والدين، وما يزال على مدى واسع، شرحاً متواصلاً للعقيدة وتأكيداً على مزايا الأمة وافضلياتها متمثلة بالحاكم. وما وصلنا من خلال منظومة القيم الموروثة والمصطنعة لاحتياجات السلطة ملأ الرفوف بالمتكرّر وشروحه ومحاولات ردم الاختراقات وتسفيهها على مدى قرون.
فلدينا الآن مخلفات، او نتائج، لتلك الجهود المتواصلة من الانحيازات العنصرية والعقائدية كما لدينا كم متراكم من الانحياز التربوي الساند للانحيازات الأولى او للستراتيج الرسمي.. في العقود الثلاثة الأخيرة فُتِحَ مدخلٌ للـ "اجتماعي" في عامة أوروبا الغربية وأمريكا، لتأكيد النشاط الاجتماعي وحيويته. من الإنصاف القول ان هذا الاتجاه فتحته من قبل الماركسية بنظرية واضحة أوجدت منظّرين وعلماء جدداً لتاريخ المجتمع ورأينا ذلك الاجتماعي ضمن الايديولوجيا. لقد تقدم للواجهة العلمية من الثقافة السوفيتية وبقي موضع نقاش في الغرب. المهم اننا بدلاً من ان نهتم بهذا الخليفة او ذلك الملك، صارت الدعوة والدراسات تتجه للاهتمام بالملايين التي حوله. فافتتحت كتابة التاريخ الحديثة، حقولاً ظلت غامضة، او مهملة، زمناً طويلاً. وتكشفت هذه الحقول المُغَيَّبَة من حياة الأمة أو الشعب، ومن جهود الإنسانية في صناعة الحياة. الاتجاهات التربوية، هي أيضاً بدأت بتطوير آلياتها الى "التعليم" لا إلى "التلقين". احترام الاحتمالات يرسم نقطة بداية جيدة لبديل عن الصحيح او الخطأ، الصالح او الشرير، الاله او الشيطان. لقد حدث ثلم مهم في حدّ ما يمكن ان أُسمّيه "الإعلام المعرفي". صارت لنا فسحة للخروج من السياق المرسوم والتحرك الى تصورات أُخرى غير مدوّنة او مرسومة مما اثارها "الاجتماعي".كان ذلك نتيجة حتمية لأدراك الخسارة الهائلة وإضاعة الكثير من النشاط والتجارب الإنسانية وتاريخ البشر الطبيعي وسلوك وجهود الملايين في رسم الحياة ومعاناتها وصناعة العيش اليومي مادةً واحزانا ومباهج. لقد ضيع الانحياز الملامح الحقيقية للحياة الكبيرة من العلاقات العائلية والأطعمة والحب وطرق الاحتجاج والخبرات الشخصية والجهد العام وبما يتخلل ذلك من التمردات والرفض والتماعات الذكاء الفردي والجماعي. كل ذلك مقابل الاهتمام بجواهر الملك وإطباقه و تقلبات مزاجه وشؤون المال والحاشية.لقد حصل ادراك واسع لخسارات تكبدتها البشرية من انتاجها العقلي بسبب الانحياز، او بسبب فعل الانحياز الرقابي التنفيذي من حذف ومن الغاء كل ما هو غير محبّذ او كل ما هو "مُسْتنكَر".التحرك الجديد، هو تحرّك فكري اجتماعي لاعادة الاعتبار، لإيقاف استمرار الخطأ. بدأنا نرى اتساع أفق النظريات السياسية والاقتصادية ومدارس الادب والفنون والدراسات التاريخية. والدعوة "للمعرفة الخالصة" هي أصلاً دعوة لإلغاء الانحياز من ثم لالغاء الدور الرقابي الذي يتضمنه الانحياز. صارت الثقافة الحديثة متعددة الكشف وصارت تميل الى تعدد الأسئلة. انها بداية انتهاء السؤال الواحد.تعدد الأسئلة ارتبط بالأبعاد الاقتصادية و الاجتماعية. أي انها تستعين بـ "المعارف الاخرى" المُنَحّاة. وصار البحث في "القاعدة" و "العام" لا في الأنموذج الذي غالباً ما يكون مرسوماً من قوة "ضد اجتماعية". والتاريخ الحديث لم يعد يسجل الحدث مروياً. صار يسجله مصوّراً وناطقاً وضمن محيطه. وحتى لا بآلة او جهاز يأتي لاحقاً بعد انتهائه. بل ان المعنيين حاضرون "بمسجّل مصوّرٍ" في احزمتهم!كما لم يعد "الانحياز" يحرف كثيراً قراءتنا للنص. لقد تجدّدت بشكل أو آخر طريقة تلقينا له. انتهت بهذا مرحلة ان يكون النص "خطأ" او "بلا معنى" حين لا ينسجم معناه مع المتوقّع أو المراد والمطلوب .. تخلصنا من تأثيرين لذلك النزوع: الاول: إفقاد النص لمعناه الجديد والثاني: رسم مجافاة او عدوانية بيننا وبين النص حين يصدر ممن نريد ابعاد حضورهم.التحول الآخر المهم ان ادارة النصوص كانت باشراف، ومركزية، القطب الرئيس. الامام، الخليفة السلطان، أو الحاكم – والمربي مندوباً عنهم. الجميع مؤتمنون على منظومة افكار والخطأ هو في الخروج من ظلالها. وهم، لاغيرهم، الذين يمارسون تثقيفا بهذا وتربية. وهذا التثقيف طبعاً رقابي في الدور الأوسع منه.ولهذه البؤر المتحكّمة عادة "جهابذة" و " رؤوس" يشكلون ركائز تلك المدرسة "الرسمية". قد يصنع هؤلاء للسلطة صلةً بالله او بالسماء لتتحصّن بقدسية، تبعد المساس بها. هي بعض من عدة أسلحة مضادة للخروج عن المرسوم. ليس غريبا ان تكون في هذه المدرسة الرسمية المستندة الى القوة، عقول مهمة. الطاقات العقلية للأفراد ليس متعذراً دائماً شراؤها وتوظيفها. وهذه مسألة قديمة الجذور. لعل أوضحها تصرف افلاطون وتحريضه على القضاء على كل مؤلفات أرسطو فلم ينج منها الا ما ورد ضمن كلام غيره من معاصريه.. هذا إجراء رسمي في الأساس. حرق الكتب والزندقة و ودس السم و التغييب ، امور تعرفها تواريخ الامم. ان وراء اللمعا
المعرفة فـي طريق تحررها
نشر في: 2 يناير, 2011: 05:12 م