طالب عبد العزيز
أثار مسؤول كبير في بلدية البصرة من جديد قضية الأنهار الثلاثة التي تخترق مركز المدينة والتي تحوّلت الى مجاري لمياه الصرف الصحي ومكب نفايات في أكثر من موقع، بعد أنْ كانت مصادر لمياه الشرب والتنقل والتنزه ذات يوم، فيما تبدو أنها ستظل تشكل العبء الأكبر والثقيل الذي يقضَّ مضاجع المحافظين، الذين تعاقبوا على الكرسي الأول في البصرة، دونما بارقة أمل تلوح في إعادتها الى واقعها الذي كانت عليه قبل خمسين في اقل تقدير.
فُهم من حديث المسؤول أنَّ الأنهار وشبكة الصرف المكشوفة ستردم، بعد مدِّ شبكة لأنابيب الصرف تحتها، وربطها مع الشبكة العامة، ثم تتم تغطيتها بالتراب الزراعي، وتحويلها الى حدائق، وبذلك تستعيد البصرة تسميتها كبندقية للشرق، بحسب تصريح المسؤول الكبير!!! الامر الذي أثار حفيظة السكان وتندرهم، فيما فهم من قبل المطلعين على الأمور على أنه العجز الواضح، والاخفاق الحكومي الصريح في معالجة واحدة من أبسط قضايا المدينة العمرانية، إذْ أنَّ مشهد الأنهار بعد طمرها سيغير الصورة البلاغية لها، وسيخفي المعلم الطبيعي، الذي عرفت به منذ نشأتها قبل ألف سنة، بوصفها مدينة الالف نهر.
ردم الأنهار وتحويلها الى حدائق حلُّ غير واقعي، لأزمة مستعصية، وهروب واضح الى الامام، يكشف عن قصور في التنفيذ الهندسي، إذْ أنَّ العقل الواقعي يقول بوجوب ربط مركز المدينة بشبكة الصرف الصحي التي تنتهي بشط البصرة، مثل التي أنشأت في محلة القبلة، والتي أنهت معاناة مئات الالاف من الناس هناك، وهو أمر غير مستعص، على الشركات المختصة في العراق والعالم، ومنع تصريف المياه الثقيلة الى الأنهار تلك، ومنع رمي النفايات فيها، ومن ثم ستتحول تدريجياً الى جزء من حركة المدّ والجزر التي تحدث في شط العرب، والتي كانت قائمة منذ آلاف السنين، وستكون أجمل إذا قامت البلدية بتبطينها بالحجر وزراعة الأشجار حواليها، وانشاء الكافيهات والمقاهي والاكشاك الترفيهية في أمكنة متفرقة عليها، وبذلك ستسترد اسمها كبندقية الشرق.
على الرغم من أنَّ البصرة تشهد الآن تحولاً عمرانياً كبيراً من خلال المدن السكنية التي أقيمت في أماكن كثيرة منها، ولعل الحال في الجهة القريبة من شط البصرة أفضل منها في تلك التي على ضفتي شط العرب(أبو الخصيب والتنومة) فشط البصرة ينتهي بالبحر وهو مبزل أقيم في نهاية سبعينات القرن الماضي لتصريف مياه الاهوار المالحة باتجاه قناة خور الزبير فالبحر، لكنَّ شط العرب غير ذلك، فهو مصدر المياه العذبة للمدينة، ومنه تتزود معظم محطات التصفية والتحلية، التي مازال بعضها قائما الى اليوم، لذا، فتحويلة الى مجرى لتصريف المياه الثقيلة يعدُّ جرماً صحياً، ويحمل مخاطر بيئية وصحية كثيرة على السكان، لذا فوجوب منع تصريف المياه تلك باتجاهه واجب وطني ومسؤولية تضطلع بها الحكومة.
لا توجد في أبي الخصيب شبكة صرف صحي وكذلك في قضاء شط العرب، وكل المدن السكنية والبيوت والمحال التي أنشأت على ضفتي الشط يتم تصريف مياهها باتجاه الأنهار الفرعية التي تنتهي بشط العرب، وهي بالعشرات!! بمعنى إذا كنا نتحدث عن أزمة أنهار ثلاثة تخترق مركز المدينة (الخورة والعشار والخندق) وشكلت أزمة مستعصية على المسؤولين طوال عقود فسيكون لزاماً علينا الحديث عن مئة نهر آخر، كلها تصب بمياه ثقيلة وخفيفة في شط العرب، ستضاعف معاناة الناس والمسؤولين معاً. كل منزل يقام هنا دون وجود شبكة صرف صحي هو قنبلة بيئية موقوتة.