بسام عبد الرزاق
اقام بيت المدى في شارع المتنبي، أمس الأول الجمعة، جلسة استذكار للباحث الموسوعي كامل مصطفى الشيبي، قدمت خلالها كلمات ومداخلات استعرضت منجزه الفلسفي والبحثي، فضلا عن دعوات لعقد ندوات علمية لمناقشة منجزه والاهتمام به.
الباحث رفعة عبد الرزاق، في معرض ادارته الجلسة، قال ان "كامل مصطفى الشيبي باحث رصين واحتفلنا به قبل 13 عاما في هذا المكان وهو جدير بلا شك للحديث عنه في كل زمان ومكان".
وأشار الى انه "أنهى دراسته للماجستير في جامعة الإسكندرية بمصر عن رسالته الكبيرة "الصلة بين التصوف والتشيع" ثم وكانت بإشراف الدكتور أبو العلا عفيفي ثم نال الدكتوراه في جامعة كامبردج وكانت رسالة الدكتوراه هي تكملة للماجستير وجاءت بعنوان: الفكر الشيعي ونزعات الصوفية حتى القرن 12".
وأضاف، انه "حين عاد الى بغداد ودخل الدرس الجامعي كان هو من مؤسسي قسم الفلسفة في بغداد ثم جاء جيل من المعنيين بالقضية الفلسفية ومنهم حسام الألوسي جعفر آل ياسين وعرفان عبد الحميد وغيرهم ممن كانت لهم بصمات في الدرس الفلسفي في الجامعات العراقية"، لافتا الى انه "ما هو مهم في سيرة الشيبي العلمية هو الاهتمام بأمر الحلاج، حتى سمي في بعض المقالات التي كتبت عنه بانه حلاج القرن العشرين، وقام بنشر ديوان الحلاج وشرحه شرحا وافيا".
من جانبه قال د. محمد حسين آل ياسين، ان "ملتقى المدى الثقافي عودنا على وفائه للرموز والاعلام ورموز ومبدعي العراق، هذا البلد الذي زخر بالقابليات والقدرات والانجاز، وما عالمنا الذي نحتفي بذكراه الا واحدا من هؤلاء الكبار الذي نعتز بعراقيتهم ونفخر بإنجازاتهم".
وأوضح ان "الدكتور الشيبي رجل موسوعي ان صح وصفه بالموسوعية، صحيح انه اختص بالفلسفة ولكنه لم يقتصر فيما انجز وكتب على الفلسفة وحدها، وانما كتب في التاريخ وعلم الكلام والادب والشعر والتصوف، وحقق كتبا كثيرة من المخطوطات التي تتصل باهتماماته وصح تلقيبه بالموسوعي".
وبين انه "من يعرف الدكتور الشيبي كما اعرفه واتابعه واعاصره، لأحس ولشعر ان الرجل مكتبة تمشي على رجلين، وتشرفت بالتلمذة له في أواسط الستينيات وكان في شبابه وفي مقتبل وجوده في الجامعة ولم يبلغ الأربعين بعد عندما فوجئنا به أستاذا للفلسفة الإسلامية في قسم اللغة العربية، عندما كان القسم في رصانته المعهودة الأولى".
وتابع ان "الدكتور الشيبي يرى ان الطالب المختص باللغة العربية ان يلم بها ويحتفي بها لأنها خلفيته الثقافية التي لا بد منها لكل مختص بالعربية ومنها الفلسفة التي درسناها في الصفين الأول والثاني والتاريخ الذي درسناه في الصفوف الأربعة والاثار والفنون الإسلامية التي درسناها في الصف الأول واللغة الإنكليزية التي درسناها في الصفين الأول والثاني، واللغة الشرقية (العبرية او الفارسية) التي درسناها في الثالث والرابع وهكذا في علوم أخرى".
ونوه الى ان "الدكتور الشيبي كان في درسه في علم الكلام قد وزع علينا من الدرس الأول مجموعة من الأوراق الكثيرة في مفاتيح الموضوعات ومنها ننطلق للدراسة، واذكر انه اطال كثيرا في مفردة (المهدوية) لان الفكرة ليست إسلامية محضة فهي اسبق من الإسلام في ديانات ومعتقدات وأفكار إنسانية عريقة، ويعني الايمان بمخلص قدم يغير الوضع الرديء ويقضي على الظلم والفساد وينشر الحرية والحياة السعيدة فكرة قديمة جدا وافاض فيها كثيرا وشرح الفروق بين المعتقدات الخاصة بالمهدوية وتفاصيل ذلك بحيث استوعب السنة الدراسية كمدة ليست بالقليلة وكانت ضرورية لوقفنا على مصادر ومراجع وأفكار وحجج في هذه القضية لم نكن نعرفها قبل هذا الدرس، فله فضل علينا وعلى الجيل والاختصاص كله".
بدوره قال د. طه جزاع، انه "ربما من سعادتنا ان تحضر هذه الجلسة السيدة سماحت نفطجي رفيقة درب الأستاذ كامل مصطفى الشيبي وكذلك حفيدته شمس ابنة الدكتور ظريف كامل مصطفى الشيبي"، مبينا انه "نتمنى على المدى ان تبادر الى عقد جلسة علمية نقاشية عن ديوان دوبيت هذا الديوان الضخم الذي يضم عشرة قرون من الشعر العربي القديم، والراحل قام برحلة ألف عام خرج منها بهذا الكتاب الضخم وهو ما يقابل الرباعيات الفارسية".
وأشار الى انه "مرة سألته عن اعتزازه باي كتاب وكنت أتوقع ان يكون الصلة بين التصوف والتشيع وهو عرف بهذا الكتاب، لكنه قال انه كتاب (دوبيت) لأنه بذل فيه جهدا لم يبذله في أي كتاب اخر، وهو نادر حاليا".
وقرأ كلمة د. طريف ابن كامل الشيبي التي بعثها الى الجلسة بهذه المناسبة.
د. حسن مجيد العبيدي، ذكر في مداخلته انه "صلتي بالدكتور الشيبي تعود الى العام 1978 وجئت برغبتي الى قسم الفلسفة وكنت احبها من صباي، والتقيت بالدكتور الشيبي في درس اسمه وحدة الوجود، وكانت الدروس عن طريق الكورسات، فدخل علينا الراحل وعلمنا أولا كيفية دراسة منهج المادة وهي صفة علمية كبيرة لا يتصف بها الا العلماء الكبار، وكان منهجه هو المنهج اللغوي التاريخي ويتبع اللفظة في مدياتها الحضارية والى ان وصلت الى اليوم وكيف تطورت، وهذا المنهج لا يستطيع ان يبحث فيه الا المتضلع جدا في اللغة والمناهج وفلسفة التاريخ، فتأثرت به منذ ذلك اليوم في بحوثي وكتاباتي".
وأكمل، انه "في الكورس الثاني درسنا فلسفة ابي بكر الرازي وبقيت السنة مع الدكتور الشيبي تتعمق يوما بعد يوم، وفي عام 1983 حدثت حادثة وهي مناقشة تلميذته نضلة الجبوري واستمرت المناقشة برئاسة الأستاذ المرحوم حسام الآلوسي وعضوية الأستاذ الراحل عبد الأمير الاعسم، واستمرت من التاسعة صباحا الى الخامسة عصرا واجلت الطالبة ولم تمنح الشهادة لمدة ستة أشهر ووضعوا لها مشرفا جديدا هو الأستاذ عبد الأمير الاعسم، وفي وقتها شنت حملة كبيرة على الدكتور الشيبي وأحيل على التقاعد ليس برغبته انما فرض عليه، والتقيته في كلية الآداب وابلغني مغادرته ولم يكن عمره قد تجاوز 55 سنة وبقي جليس البيت ويكتب في جريدة العراق، فكتب من ضمن ما كتب، مقالة مهمة جدا بعنوان (من هم بنو شيبة) حتى يعرّف الناس بأجداده الذين هم سدنة الكعبة وكذلك يعرف الساسة ومن تآمروا عليه ان اصوله عربية وليس كما ادعي بان اصوله ليست عربية".
المفهرس والباحث حسن الخالدي، ذكر انه "نحتفي اليوم بطود شامخ نال الشهرة وبعد الصيت فيما جلاه وابان عنه في مدارسته وصبره على مشقة البحث ومطالبه، عجز نظيره من اقرانه وعصره، ومصنفاته شواهد وثيقة ساطعة على ما اوتي من شرائط البحث الرصين".
وتابع، انه "تشرفت بالأخذ عنه والتلقي في قسم الفلسفة خلال السنوات 1968 الى 1972 وصارت مصنفاته في عداد ما تشتمل عليه مكتبتي، ومن نوازعه وميوله بالحث والتأليف على تنوعها تجلى منها جمع اشعار مشاهير المتصوفة البغداديين"، مبينا انه "كان للحلاج الصوفي الشاعر النصيب الاوفر من اهتمامه وحاله كحال المستشرق ماسينيون وهو وجه من وجوه المودة الراسخة بين العالم الدارس ومحل درسه".
في ختام المتحدثين، قال د. علاء جعفر ان "كتاب الراحل الشيبي (الصلة بين التصوف والتشيع) والذي أحدث ضجة في العالم العربي والمراكز الدينية سواء في الازهر او في حوزة النجف وحتى حوزة قم، وشيئا فشيئا أرادوا ان يردوا بكل الوسائل على ما جاء به من اراء في هذه القضية، وجاءت النتائج مخيبة ولم يستطيعوا ان يجاروا الشيبي فيما طرحه من قضايا هي فعلا فيها صلة ما بين التشيع والتصوف".
وأضاف، انه "في قضية أساسية أيضا في هذا المجال، الدكتور علي جمعة أحد أساتذة الازهر أراد ان ينتقد الدكتور الشيبي ويضعه في زاوية ويشوه صورته باي طريقة، عندما قال انه ليس هناك أي صلة ما بين التصوف والتشيع بل هناك شخص واحد اثار هذه الضجة بدفع وحث من الدكتور علي سامي النشار وهو معروف عقائديا كأشعري، طبعا الدكتور الشيبي بعيد عن هذه القضية كونه باحث من الطراز الأول".
وختم بالقول: ان "الشيبي خالف الجميع في قضية سؤال نشأة التصوف الإسلامي سواء من المستشرقين او الباحثين العرب وهناك من استمر بقضية تلمس التأثيرات الخارجية التي انتجت التصوف وهناك من اعطى قيمة صغيرة جدا للعوامل الداخلية التي ساعدت على نشأة التصوف، والشيبي خالف الجميع، فهو يرى بان التصوف قد نشأ من خلال احياء لطقوس وعادات وسلوكيات كانت موجودة قبل الإسلام وهذه التقاليد والطقوس تطورت ولكن بلغة جديدة، وهذا ما دفع بالكثير من النقاد لتوجيه نقد لاذع للدكتور الشيبي لأنه اتهم بانه جاء ليكمل مشروعا استشراقيا يقوده ماسينيون وغيره من المستشرقين في كل ما يتعلق بما هو التشيع والتصوف ومَن انجب مَن".