ذي قار / حسين العامل
أثارت تبرئة المدانين في مجزرة جسر الزيتون، التي راح ضحيتها أكثر من 50 متظاهراً وأصيب فيها 500 آخرون خلال يومي 28 و29 تشرين الثاني 2019، غضباً واسعاً في الأوساط الشعبية والرسمية بمحافظة ذي قار.
وقد أعربت لجنة الشهداء والجرحى، إضافة إلى نشطاء وذوي الضحايا، عن استيائهم من قرار محكمة التمييز الاتحادية بالإفراج عن الضابط في قوات التدخل السريع، عمر نزار، الذي كان قد صدر بحقه سابقاً حكم بالسجن المؤبد لدوره في تلك المجزرة.
ردود فعل الناجين والنشطاء
وفي هذا السياق، قال الناشط حسن هادي المدرس، وهو أحد الناجين من مجزرة جسر الزيتون، لـ(المدى): “لم نتفاجأ بقرار الإفراج عن المدان عمر نزار، فقد شهدنا قرارات مماثلة أفرجت عن قتلة الناشطين هشام الهاشمي وإيهاب الوزني، بالإضافة إلى التسويف في تنفيذ أوامر القبض على مختطفي الناشط سجاد العراقي.” وأشار إلى أن “أحد المتهمين في قضية سجاد العراقي، والمحكوم عليه بالإعدام غيابياً، يحتفل علناً بتخرجه من إحدى جامعات إيران، في تحدٍ واضح للحكومة والقضاء وأسرة الضحية".
وتساءل المدرس: “إذا كان عمر نزار وغيره من القادة الأمنيين والمسؤولين أبرياء من قتل المتظاهرين في مجزرة جسر الزيتون، فمن كان يقود القوات التي ارتكبت المجزرة؟” وأضاف: “يبدو أن هناك تسويفاً في محاسبة المتورطين بقمع تظاهرات تشرين على مستوى العراق، وليس فقط في قضية مجزرة جسر الزيتون".
موقف الحكومة المحلية
من جانبه، استنكر مستشار محافظ ذي قار لشؤون الشهداء والجرحى، علي مهدي عجيل، تبرئة المتورطين في المجزرة، مشيراً إلى أن “القضاء يخضع للإرادة السياسية وأن قراراته مسيسة". وأضاف: “ندعو مجلس القضاء الأعلى للكشف عن القتلة الحقيقيين ومحاسبتهم، فمهمة القضاء ينبغي أن تتجاوز تبرئة المدانين لتحديد الجناة الفعليين والقصاص منهم".
وتوقع عجيل أن “تشهد محافظة ذي قار تصعيداً وتحركات جماهيرية من أسر الشهداء والجرحى والمتظاهرين بعد انتهاء زيارة أربعينية الإمام الحسين".
توقيت مريب واحتجاجات محتملة
وأشار عجيل إلى أن توقيت إصدار حكم البراءة كان مدروساً، حيث صدر في وقت انشغال المتظاهرين والمواطنين بزيارة الأربعينية وبالتغيرات في مجلس المحافظة. وفي هذا الصدد، أكد الناشط إحسان الهلالي أن “قضية شهداء مجزرة جسر الزيتون ومحاسبة القتلة هي قضية المتظاهرين المخلصين لتشرين، ونحن نقف مع أهالي الضحايا في كل خطوة قادمة.”
وعلى صعيد متصل، وصف الناشط المدني كرار الوجاني قرار الإفراج عن المدانين بأنه “جائر جداً بحق الضحايا وأسرهم وفيه جانب سياسي.". وأوضح أن “المتهمين بقمع وقتل المتظاهرين يُفرج عنهم سريعاً، بينما يتعرض المتظاهرون لعقوبات قضائية لأبسط الأسباب، ولا يزال البعض منهم في السجون". وأضاف الوجاني: “نحن كمتظاهرين نحترم القرارات القضائية، لكننا نتساءل: هل من المعقول أن جريمة بحجم مجزرة جسر الزيتون لم يتم الكشف فيها عن أي قاتل؟ إذن من قتل المتظاهرين؟”.
وأشار الوجاني إلى أن “المتظاهرين وأسر الضحايا قدموا أكثر من 30 شاهد إثبات في قضية مجزرة جسر الزيتون، ناهيك عن مقاطع الفيديو التي توثق جانباً من قمع المتظاهرين". وأكد أن “المتظاهرين سيواصلون المطالبة بالكشف عن قتلة المتظاهرين، ملوحين بتصعيد جماهيري بعد انتهاء زيارة الأربعين".
خلفية المجزرة وأحداثها
وكان رئيس الوزراء العراقي والقائد العام للقوات المسلحة الأسبق، عادل عبد المهدي، قد أرسل الفريق الركن جميل الشمري مع قوات عسكرية قبيل وقوع مجزرة جسر الزيتون ليترأس خلية الأزمة في ذي قار ويباشر بإدارة ملف تظاهرات الناصرية، الأمر الذي أسفر عن ارتكاب المجزرة. وقد أدى ذلك فيما بعد إلى سحب يد الشمري من رئاسة خلية الأزمة، واضطر عبد المهدي إلى إعلان عزمه تقديم الاستقالة من منصبه في ليلة 29 تشرين الثاني 2019 بعد حملة إدانة محلية ودولية واسعة لأعمال القمع الوحشي التي طالت المتظاهرين السلميين.
وفي أعقاب المجزرة، قرر مجلس النواب العراقي في جلسته المرقمة 22 بتاريخ 18/12/2019 اعتبار محافظة ذي قار “مدينة منكوبة”، وذلك على خلفية الهجوم الذي شنته القوات الأمنية على المتظاهرين، والذي أسفر عن استشهاد 50 شخصاً وإصابة نحو 500 آخرين.
تستمر التساؤلات حول من قتل المتظاهرين في مجزرة جسر الزيتون، بينما تزداد حدة الغضب الشعبي إزاء تبرئة المتورطين. وبينما يطالب المتظاهرون وأسر الضحايا بالعدالة، يبقى المستقبل القريب حافلاً بالاحتمالات، حيث تتجه الأنظار نحو التحركات الجماهيرية التي قد تعقب زيارة الأربعين، في ظل استمرار التساؤلات والبحث عن الحقيقة والعدالة.