TOP

جريدة المدى > سياسية > الزواج خارج المحاكم في العراق: ضياع الحقوق وتفاقم الأزمات القانونية والاجتماعية

الزواج خارج المحاكم في العراق: ضياع الحقوق وتفاقم الأزمات القانونية والاجتماعية

نشر في: 18 أغسطس, 2024: 12:47 ص

خاص/ المدى
تعيش العديد من النساء في العراق معاناة كبيرة بسبب الزواج خارج إطار المحاكم، حيث يؤدي هذا النوع من الزيجات إلى ضياع حقوقهن وحقوق أطفالهن، ويترك جيلًا من الأطفال بلا هوية قانونية، مما يحرمهم من حقوق أساسية مثل الحصول على هوية رسمية أو الالتحاق بالمدارس. وعلى الرغم من أن القانون العراقي يمنع الزواج خارج المحاكم، إلا أن هذه الظاهرة لا تزال قائمة، مما يزيد من تعقيد الوضع الاجتماعي والقانوني للعديد من الأسر.
الإطار القانوني وأثره
وفقًا لقانون الأحوال الشخصية العراقي، فإن السن القانوني للزواج هو 18 عامًا، إلا أن القانون يسمح للفتاة التي أتمت عامها الخامس عشر بالزواج بإذن من القاضي، شريطة توفر البلوغ الشرعي والقابلية البدنية. ولكن الزواج خارج إطار المحكمة يحرم الزوجة والأطفال من حقوقهم القانونية، ويجعلهم عرضة لمشاكل متعددة على المدى الطويل.
العديد من المشاكل تنبثق من هذه الزيجات، حيث تكون الضحية الأكبر هي الأطفال. في هذا السياق، أوضح الباحث الاجتماعي عاصم الفتلاوي أن "أغلب المتزوجين خارج المحاكم يواجهون صعوبات في تسجيل أطفالهم في سجلات النفوس المدنية، مما يحرمهم من الحصول على هوية رسمية تضمن حقوقهم كمواطنين". وأضاف أن "عمليات الإنجاب في المستشفيات تتطلب وجود عقود زواج رسمية لاستكمال إجراءات تسجيل الولادات وإصدار شهادات الميلاد، مما يعني أن الأطفال المولودين نتيجة لهذه الزيجات يفتقدون للوثائق المدنية الهامة مثل البطاقة الموحدة وبطاقة التموينية".
وأشار الفتلاوي إلى أن "النساء اللواتي يتزوجن خارج المحكمة يواجهن أيضًا صعوبة في المطالبة بحقوقهن مثل المهر، والنفقة الزوجية، والميراث". وأكد أن "الكثير من هذه الزيجات تتم بهدف التخلص من الإجراءات القانونية الطويلة، خصوصًا في حالات الطلاق أو رفض أحد الزوجين الاعتراف بالزواج".
إحصائيات مقلقة
وفي هذا السياق، نشر مجلس القضاء الأعلى إحصائية رسمية لحالات الزواج والطلاق لشهر حزيران من العام الجاري. ووفقًا للإحصائية، بلغ عدد عقود الزواج المسجلة رسميًا 21,268 عقدًا، فيما تم تصديق 2,156 عقد زواج خارج المحكمة. أما حالات تصديق الطلاق الخارجي فبلغت 3,528 حالة، في حين بلغت حالات التفريق بحكم قضائي 1,251 حالة. وتُظهر هذه الإحصائيات أن الزواج خارج المحكمة لا يزال يشكل جزءًا كبيرًا من واقع الحياة الزوجية في العراق.
من جانبه، دعا الباحث في الشأن الاجتماعي ولي الدين الخفاجي إلى ضرورة توعية المجتمع بأهمية تسجيل عقود الزواج في المحاكم لحماية حقوق الزوجة والأطفال. وأوضح أن "قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 يمنع الزواج خارج المحكمة، ولكن الزواج الشرعي الديني الذي يتم وفقًا للمذاهب الإسلامية يظل معترفًا به دينيًا. إلا أنه من الضروري وجود عقد محكمة لضمان حقوق الزوجة والأطفال".
وأشار الخفاجي إلى أن "العديد من الحوادث التي أدت إلى ضياع حقوق المرأة والطفل تحدث نتيجة للزواج خارج المحكمة، مثل وفاة الزوج قبل تصديق عقد المحكمة، أو هجر الزوج، أو الطلاق." وأضاف أن "الظروف الاقتصادية والسياسية تجعل العديد من المتزوجين الجدد يتقاعسون عن تسجيل عقود زواجهم في المحاكم، مما يترك الزوجة والأطفال في وضع قانوني ضعيف".
ودعا الخفاجي جميع المتزوجين الجدد إلى التوجه للمحاكم وتسجيل عقود زواجهم لتجنب المشاكل التي قد تواجههم وأطفالهم في المستقبل. وأكد أن المجتمع العراقي بات يختلف عن المجتمعات السابقة، حيث أصبحت الأوراق الثبوتية ضرورة حتمية في الحياة اليومية، سواء في السفر أو السكن أو التوظيف أو الرعاية الصحية.
الجدل حول قانون 188
في الوقت نفسه، يتصاعد الجدل في الشارع العراقي وفي البرلمان بشأن تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية، وسط مخاوف من تأثير هذه التعديلات على الوضع الاجتماعي والسياسي. وذكر عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي، محمد الخفاجي، أن "التعديلات المقترحة لم تُقدم بشكل واضح للجمهور، وهناك العديد من الملاحظات التي ستتم مناقشتها وتصحيحها لإزالة الغموض".
وأشار إلى أن "القانون الجديد لن يضيف شيئًا جديدًا بشأن الزواج خارج المحكمة، باستثناء رفع العقوبات المفروضة عليه". وأوضح أن المدونة القانونية الجديدة ستشمل أحكامًا شرعية سيتم صياغتها من قبل الوقفين السني والشيعي، مع احتمال وجود خلافات قد تؤدي إلى استحصال المدونة من مراجع دينية لعرضها على البرلمان.
وفي خطوة لاحتواء المشكلة، أصدرت مديرية الوقف السني في محافظة نينوى توجيهًا بمنع إبرام عقود الزواج خارج المحاكم، في محاولة لحماية الحقوق الزوجية وضمان تسجيل الزيجات رسميًا.
يظل الزواج خارج المحاكم في العراق قضية معقدة تحمل في طياتها العديد من التحديات القانونية والاجتماعية. ومع تزايد الوعي بضرورة تسجيل الزيجات رسميًا، يبقى الأمل في تقليل هذه الظاهرة وضمان حقوق المرأة والطفل في المجتمع العراقي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

مقالات ذات صلة

فات أوان التراجع عن قصف
سياسية

فات أوان التراجع عن قصف "عين الأسد".. واشنطن تنفي سحب القوات الأمريكية وبغداد تعلن تأجيل الموعد

بغداد/ تميم الحسنيبدو أن المكالمة الاخيرة بين رئيس الحكومة محمد السوداني، وانتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي، بعد قصف قاعدة عين الاسد، غربي الانبار، كانت تحمل رسائل شديدة إلى بغداد، وفق ما يرجح مصدر سياسي.الاتصال...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram