محمد الربيعي
(الحلقة 2)
التجربة الصينية
عرضت مؤخرا التجربة البريطانية في التعليم، والتي يتميز نظامها بتعليم الطلاب المهارات الأساسية والتركيز على التفكير النقدي وحل المشكلات والتعلم التعاوني والتقييم المستمر وخلق بيئة محفزة للعمل (مصدر 1). في هذه الحلقة، التي تغيرعنوانها قليلا، سانتقل الى تجربة مختلفة تماما، وهي تجربة الصين، لاستعراض ايجابياتها وسلبياتها، وساتطرق باختصار الى عملية الاصلاح الجارية.
يمتاز النظام التعليمي الصيني بالعديد من الايجابيات، مثل التركيز على التفوق الاكاديمي والانضباط والهيكلية. ومع ذلك، يواجه ايضا تحديات مثل الضغط العالي على الطلاب والاعتماد على الحفظ والتلقين. هناك اتجاه نحو تحقيق توازن بين التفوق الاكاديمي وتطوير مهارات التفكير النقدي والابداعي لضمان نجاح الطلاب في المستقبل.
الايجابيات:
1 - التركيز على التفوق الاكاديمي: النظام التعليمي الصيني يشتهر بتركيزه الكبير على التفوق الاكاديمي، خاصة في المواد الاساسية مثل الرياضيات والعلوم واللغات. هذا التركيز يساعد الطلاب على تحقيق نتائج ممتازة في المسابقات والاختبارات الدولية.
2 - الانضباط والهيكلية: النظام التعليمي الصيني معروف بانضباطه وهيكليته الصارمة، مما يعزز مهارات مثل ادارة الوقت والانضباط والتنظيم لدى الطلاب. هذه المهارات تعتبر اساسية للنجاح الاكاديمي والمهني في المستقبل.
3 - التركيز على المواد الاساسية: يتم اعطاء اهمية كبيرة للمواد الاساسية مثل العلوم والرياضيات واللغات، مما يوفر للطلاب اساسا اكاديميا قويا يمكنهم البناء عليه في مسيرتهم الاكاديمية والمهنية.
4 - التعليم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة(STEM): النظام التعليمي الصيني يعطي اهمية كبيرة لتعليم STEM ، مما يساعد الطلاب على التاهل للعمل في مجالات ذات طلب عالي مثل التكنولوجيا والهندسة.
5- النجاحات الرياضية: تنجح الصين في خلق ابطال رياضيين من خلال برامج رياضية متخصصة منذ سن مبكرة وبأستخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لتحسين الأداء، والتوازن بين التعليم والرياضة، والدعم الحكومي الكبير. هذه الاستراتيجيات المتكاملة تساعد في تحقيق نجاحات رياضية كبيرة رغم التركيز على التعليم الأكاديمي والضغط العالي على الطلاب.
السلبيات:
1 - الضغط العالي والمنافسة الشديدة: النظام التعليمي الصيني معروف بضغطه العالي والمنافسة الشديدة بين الطلاب، مما يمكن ان يؤدي الى مستويات عالية من التوتر والقلق. هذا الضغط يمكن ان يؤثر سلبا على الصحة النفسية للطلاب.
2 - الاعتماد على الحفظ والتلقين: احد الانتقادات الرئيسية للنظام التعليمي الصيني هو اعتماده الكبير على الحفظ والتلقين بدلا من تعزيز التفكير النقدي والابداعي. هذا يمكن ان يحد من قدرة الطلاب على التفكير بشكل مستقل وحل المشكلات بطرق مبتكرة.
3 - نقص التحفيز في التعليم العالي: بالرغم من ان الطلاب الصينيين يظهرون مهارات تفكير قوية في المرحلة الثانوية، الا انهم يفقدون هذا التفوق في المرحلة الجامعية بسبب نقص التحفيز والتحديات الاكاديمية في الجامعات.
4 - التركيز على الامتحانات: النظام التعليمي الصيني يركز بشكل كبير على الامتحانات، خاصة امتحان القبول الجامعي الوطني (gaokao) . هذا التركيز يمكن ان يقتل الابداع ويحد من تطوير مهارات اخرى غير اكاديمية. يؤدي هذا التركيز غالبا الى حياة رتيبة: من المنزل الى المدرسة الى المنزل، مع ساعات دراسية طويلة والعديد من الاختبارات لكل مادة، مما يترك القليل من الوقت للانشطة اللامنهجية او الهوايات.
التاثيرات السلبية للتعليم القائم على الامتحانات على طلاب المدارس في الصين في دراسة لروبرت كيركباتريك ويويبينغ زانغ يشير فيه الباحثين الى الاثار الضارة لنظام التعليم القائم على الامتحانات في الصين على طلاب المدارس الثانوية. سلطت دراستهم الضوء على عدة قضايا رئيسية، منها:
1 - الاثار السلبية: يمكن ان يعيق النهج القائم على الامتحانات خيال الطلاب وابداعهم واحساسهم بالذات. هذه الصفات ضرورية للنجاح داخل وخارج الفصل الدراسي. يمكن ان يؤثر الضغط للتميز في الامتحانات ايضا سلبا على الصحة النفسية والاجتماعية للطلاب.
2 - تاثير الارتداد: يشير مفهوم "الارتداد" الى تاثير الاختبارات على التدريس والتعلم. يناقش المقال كيف يمكن ان يكون لهذا التاثير جوانب ايجابية او سلبية، اعتمادا على السياق. في حالة الصين، يكون تاثير الارتداد سلبي الى حد كبير، حيث يعيق تركيز نظام التعليم على الامتحانات التعلم والتطوير الاوسع.
3 - الحجج السياسية: يستكشف الكاتبان الحجج السياسية والافتراضات الكامنة وراء النهج القائم على الامتحانات. يقترحون ان الضغط المعتدل للتميز، الى جانب تقليل التركيز على الامتحانات ذات المخاطر العالية، يمكن ان يحفز الطلاب بشكل افضل ويحسن النجاح الاكاديمي والرفاهية النفسية.
خلصت الدراسة الى ان النهج الاكثر توازنا في التعليم، والذي يشمل تقليل التركيز على الامتحانات، يمكن ان يؤدي الى نتائج افضل للطلاب من حيث الاداء الاكاديمي والتطوير الشامل.
وفي هذا السياق، لابد من الاشارة الى حصول تغييرات كبيرة في اتجاه اصلاح نظام التعليم في الصين في السنوات الاخيرة، فقد اتخذت الحكومة الصينية خطوات جادة لاصلاح النظام التعليمي بهدف تحسين جودة التعليم وتقليل الضغط على الطلاب. ادناه بعض الاصلاحات الرئيسية:
1 - حظر الدروس الخصوصية: في حزيران 2021، حظرت الحكومة الصينية الانشطة التعليمية بعد المدرسة، مما ادى الى انهيار السوق للشركات التعليمية الخاصة. كان الهدف من هذا الحظر هو تقليل الضغط على الطلاب وتخفيف العبء المالي على الاسر.
2 - خطة تحديث التعليم 2035: تهدف هذه الخطة الى تحديث نظام التعليم في الصين بحلول عام 2035. تشمل الاهداف الرئيسية تحسين جودة التعليم في جميع المراحل، تحقيق حضور شامل في التعليم قبل المدرسي، وتوفير تعليم عالي الجودة ومتوازن في التعليم الالزامي (الصفوف 1-9)، وتحسين التعليم المهني والتقني.
3 - تحسين جودة المعلمين والبنية التحتية التعليمية: تشمل الاصلاحات تحسين جودة المعلمين وتطوير البنية التحتية التعليمية، بما في ذلك القوانين والسياسات واطار المؤهلات والتقييم.
4 - التعليم مدى الحياة: تروج الحكومة لفكرة التعليم مدى الحياة وتشجيع التعلم المستمر في جميع مراحل الحياة.
تسعى هذه الاصلاحات الى تحقيق توازن افضل بين التعليم الاكاديمي والنمو الشخصي للطلاب، وتقليل التركيز على الامتحانات ذات المخاطر العالية.
في الختام، يمكن القول ان التجارب التعليمية المختلفة، سواء في بريطانيا او الصين، تقدم رؤى قيمة حول كيفية تحسين نظم التعليم. بينما تركز بريطانيا على تطوير مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات، تسعى الصين إلى تحقيق توازن بين مهارات الحفظ وتطوير مهارات التفكير النقدي. ان الاصلاحات الجارية في الصين تهدف إلى تقليل الضغط على الطلاب وتحسين جودة التعليم، مما يعكس التوجه نحو نهج اكثر توازنا وشمولية في التعليم.
(1)
al-nnas.com/ARTICLE/MAlRubey/4y01.htm
بماذا للعراق ان يستفيد من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟
التجربة البريطانية