المدى/جنان السراي
ظهرت في الآونة الأخيرة محاولات جديدة لتعديل قانون الأحوال الشخصية، مما أثار جدلاً واسعاً حول تناقض المواقف بين القوى السياسية الحاكمة ورجال الدين في البلاد. فعلى الرغم من تصريحاتهم العلنية التي تؤكد دعمهم لحقوق المرأة وتعزيز دورها في المجتمع، إلا أن هذه التعديلات المقترحة تكشف عن اتجاه معاكس، حيث تهدف إلى تقويض بعض الحقوق المكتسبة للمرأة عبر السنوات.
وهذه الازدواجية في الخطاب تعكس تعقيد المشهد السياسي والاجتماعي، حيث تُستخدم قضايا المرأة أحياناً كأداة سياسية لزيادة النفوذ والسيطرة، بينما تُهمّش في الممارسات الفعلية التي قد تعود بها إلى الوراء. ويثير هذا الوضع تساؤلات حول التزام هذه القوى بمبادئ المساواة والعدالة، خاصةً في ظل التصريحات المتناقضة التي تصدر بين الحين والآخر.
وبحسب تقرير صادر عن (اليونيسف)، فإن "ما يزيد عن ربع النساء العراقيات تزوجن دون سن الثامنة عشرة (أي امرأة من كل أربع نساء)، حيث وصلت نسبة زواج القاصرات إلى نحو 28%".
أما بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، فتفيد بأن 22% من الزيجات غير المسجلة في العراق هي لفتيات دون سن الـ14. هذه النسبة المرتفعة تشير إلى وجود أزمة إنسانية تستدعي تدخلاً عاجلاً من قبل الحكومة والمجتمع المدني. وهذه الأرقام مرشحة للارتفاع مع إقرار التعديلات الجديدة.
وأثارت التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية مخاوف جدية بشأن تقييد الحريات الأساسية للنساء. فالسماح باللجوء إلى رجال الدين لتسوية القضايا المتعلقة بالزواج والطلاق والميراث يضع النساء تحت رحمة تفسيرات دينية ضيقة قد تنتقص من حقوقهن. ثم إنَّ عدم تحديد سن الزواج للفتيات يفتح الباب على مصراعيه لزواج القاصرات، مما يعرض صحة هؤلاء الفتيات وحياتهن المستقبلية للخطر.
وتقول الناشطة سارة جاسم، خلال حديث لـ (المدى)، إنه "من السخرية مشاهدة السيد الحكيم، أحد أكبر الداعمين لتعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ الذي يسلب المرأة حقوقها القانونية وأمومتها، يرعى مؤتمرًا لمناهضة العنف ضدها كل عام"، متسائلة "أليس من الأجدر أن يتم دعم المرأة وحمايتها وحفظ حقوقها من خلال منع التعديلات التي تسلب حقها، وتبيح زواج القاصرات، وتحرّمها من الميراث في الأراضي وغيرها؟ ".
وتردف، أن "شخصية مثل الحكيم، الذي ينظر إليه كشخصية مهمة وأساسية في العملية السياسية، يُعتبر رأيه رأي فئة كبيرة من المجتمع، ويجب أن يراعي الواقع المدني في العراق والتنوع المذهبي والديني، ويمنع أي محاولات تفكك هذه الشرائح، ولا ضرر من مراعاة أغراضهم السياسية، ولكن يجب أن تكون بعيدة عن سلب حقوق الآخرين، وسلب نصف المجتمع حقوقه القانونية، والأجيال التي ستتضرر من هذا التعديل". وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لأحد رجال الدين (رشيد الحسيني)، الذي انتقد المعترضين على التعديل من ناشطين وناشطات، ووصفهم بأنهم "فاسدون بلا دين أو تاريخ"، ودعا إلى الضغط على النواب الشيعة في البرلمان لإقرار التعديل. من جانبه، يقول الناشط المدني أحمد خلدون، خلال حديث لـ (المدى)، إن "رشيد الحسيني يبدو أنه يتذكر (شرع الله) فقط في هذه المسائل، بينما يتجاهل جرائم كبرى مثل إفلات المتهمين بسرقة القرن، وتبرئة المسؤولين عن قتل المتظاهرين، وعودة قتلة هشام الهاشمي إلى مواقعهم" مبيناً أن "اتهامه للناشطين والمدنيين العراقيين بالفساد لأنه يخالفونه بالرأي هو نوع من التكفير، مشابه لما كان يفعله رجال دين متطرفون".
ويضيف خلدون، أن "خطاب الحسيني يتعارض مع منهج مرجعية النجف العقلاني، ويبدو أنه انحرف عن سلوك رجال الدين المحترمون بحثًا عن تأثير أكبر، واضعًا نفسه في خانة التطرف مع جماعات مثل الصرخيين والشيرازيين".
إلى ذلك، يوضح رئيس حزب البيت الوطني، حسين الغرابي، خلال حديث لـ (المدى)، أن "موضوع الحريات هو موضوع دستوري، ولذلك أي حديث عن تعديلات تصب في التمييز بين العراقيين على أساس هوياتهم الطائفية لا يساوي أمام القانون كما كفله الدستور العراقي، وهو خرق واضح لأهم وثيقة في البلاد".
وفيما يخص التهديدات التي تطال المدنيين والحركة المدنية في العراق والمعارضة في العراق، يبين إنها "تتعرض للتقسيط منذ نشأتها من قبل شخصيات دينية مرسوم لها هذا الدور في التسقيط، محاولة منهم لإضعافها وإسكاتها، وقذف الحركة بتهم عارية عن الصحة، مثل اتباع السفارات الغربية والمطالبة بالشذوذ ونشره".
ويردف، أن "هذا التسقيط لن يؤثر في الحركة المدنية في العراق، بل سيزيدها إصرارًا على تحقيق أهدافها والاستمرار بالمطالبة بقانون مدني يحفظ حقوق وكرامة كل العراقيين، ويبتعد عن العزل الطائفي والقومي في العراق".
ويكمل الغرابي، أن "المجتمع العراقي منصهر ومؤمن بضرورة التقرب من الآخر، وتزويج الآخر من مختلف الطوائف، بينما هذه التعديلات ستحد من هذا التقارب، وستعزز تشتت المجتمع"، لافتاً إلى أن "النظام السياسي وأحزاب الإسلام السياسي هم من يريدون تغيير مسار الدولة إلى مسار طائفي وعرقي وديني، ويكلفون شخوصًا لصناعة فقاعات إعلامية ضمن منظومة فشل كبير يرأسها رؤساء الأحزاب السياسية".
ويتابع، أن "المرجعية الدينية لديها وكلاء معروفون مجتمعياً وإعلامياً، ولها منصاتها، ولا تحتاج إلى غيرهم، وما يصدر من خطاب مشوه من رجال دين مشوهي الأفكار وبعض الإعلاميين الحزبيين لا يمثل المرجعية، بل يمثلهم وحدهم والأحزاب السياسية التي يعملون معها".