 متابعة / المدى

يواجه نادي الفروسية في بغداد، الذي يحتفل بعامه الرابع بعد المئة منذ تأسيسه عام 1920، تهديدًا وجوديًا بتحويله من رمز رياضي وترفيهي إلى مشروع سكني استثماري.
هذا النادي، الذي يعتبر أحد أقدم أندية الفروسية وسباق الخيل في العراق، مهدد بفقدان هويته التي ميزته لعقود طويلة، مما يثير مخاوف من تضييق المساحات الترفيهية المتاحة للبغداديين في مدينة تعاني أصلاً من نقص كبير في هذه المساحات. أعضاء نادي الفروسية في منطقة العامرية بغرب بغداد يخططون لوقفة احتجاجية ضد هذه المحاولات التي وصفوها بـ”المشبوهة” للاستيلاء على أرض النادي وتحويلها إلى مجمع سكني. هذا الوضع يثير تساؤلات حول مستقبل بغداد كمدينة تاريخية وثقافية، في ظل توجهات مماثلة تهدد مواقع أخرى مثل متنزه الزوراء.

توجه مقصود أم مجرد إهمال؟
سوزان منصور، النائب الأول لرئيس لجنة الاستثمار، وصفت ما يحدث في بغداد بأنه “تدمير مستمر” للعاصمة. وتؤكد منصور أن تحويل نادي الفروسية إلى مشروع استثماري سكني يمثل “آخر مسمار في نعش بغداد”، مشيرة إلى أن هذا النادي يعد أحد معالم بغداد الحضارية. وتضيف منصور أن مثل هذه القرارات إما أنها تعكس نية مبيتة لتدمير تراث المدينة، أو أنها نتيجة لإهمال جسيم، وكلاهما يمثل مشكلة كبيرة. من جهته، حذر ياسر الحسيني، نائب رئيس لجنة الاقتصاد والصناعة والتجارة، من أن مشاريع المجمعات السكنية في بغداد تعاني من غياب التخطيط وستؤدي إلى خلق مشاكل مرورية خانقة في المستقبل. وأوضح الحسيني أن هذه المشاريع تتجاوز على المرافق الحيوية في بغداد، مما يهدد جمالية المدينة ويزيد من حدة الازدحام المروري بسبب عدم وجود رؤية واضحة لتصميم العاصمة. الحسيني أشار أيضًا إلى أن المستثمرين المرتبطين بالأحزاب السياسية يستغلون الأراضي العامة والمهمة، مثل أراضي وزارة الصناعة ونادي الفروسية، لأغراض استثمارية تعتبرها الأحزاب مربحة، لكنها غالبًا ما تكون واجهة لغسيل الأموال وفساد.

استثمار الترفيه أكثر ربحية.. ولكن!
الخبير الاقتصادي مصطفى حنتوش يرى أن تحويل المساحات الترفيهية إلى مشاريع سكنية يعكس فشلًا واضحًا في استثمار هذه المساحات بشكل مربح. ويؤكد حنتوش أن أرباح الاستثمار في الترفيه يمكن أن تتجاوز بكثير أرباح الاستثمار السكني إذا تم استغلال هذه المساحات بشكل صحيح. حنتوش أشار إلى أن متنزه الزوراء ونادي الفروسية هي أمثلة على مساحات ترفيهية تفتقر إلى سياسة تسويقية فعالة، مما أدى إلى تراجع دورها وتعرضها لخطر التحول إلى مشاريع سكنية. ويعتقد أن أمانة بغداد ومجالس الإدارة المسؤولة عن هذه المناطق فشلت في تسويقها بشكل صحيح، مما أدى إلى خسائر فادحة. ويرى أن العاصمة بغداد، التي تضم حوالي 8 ملايين نسمة، بحاجة ماسة إلى مشاريع ومساحات ترفيهية يمكن أن تحقق أرباحًا أكبر بكثير من أي استثمار سكني.
ويبدو أن بغداد تواجه تحديًا كبيرًا في الحفاظ على معالمها التاريخية والترفيهية وسط موجة من الاستثمارات السكنية التي قد تؤدي إلى فقدان المدينة لهويتها الثقافية والحضارية.