بغداد / خاص
بعد أكثر من عقدين على إنشاء النظام السياسي الجديد، وبداية وعود الحكومات بعراق جديد خالٍ من الأزمات وخلق بلدٍ سيرتقي بمواطنيه لأفضل درجات الرفاهية، تبقى أزمة الكهرباء كابوسا يقض مضاجع العراقيين، وتستمر بكونها الفشل الأكبر في تاريخ كل الحكومات العراقية.
استمرار كابوس أزمة الكهرباء لم ينته رغم جميع المبالغ المالية المهولة التي صرفتها الحكومات المتعاقبة عليه، وتسبب بظهور غول يكتسح جيوب العراقيين صيفا أسمه "تسعيرة أمبير المولدات"، وهو ما دفع للمطالبة بإعادة تجربة "الخصخصة".
مع وجود 6 ملايين و700 الف مشترك في خطوط المولدات الأهلية، بحسب الارقام الرسمية، فإن دفع كل مشترك منهم شهريا لمبلغ 30 الف دينار فقط -وهو الرقم الأدنى لأي اشتراك- يعني تجاوز المبالغ المدفوعة للمولدات الـ 200 مليار دينار شهرياً.
مواقف حكومية
دعوات العودة إلى تجربة "الخصخصة" أعاد إحيائها تصريح لرئيس لجنة النفط والغاز في مجلس محافظة بغداد صفاء المشهداني، قال فيه إن "المجلس استحصل موافقة مجلس الوزراء على تطبيق تجربة خصخصة الكهرباء في منطقة المنصور ثم ناحية المأمون، لينتقل بعدها إلى تطبيقها في جميع مناطق العاصمة تباعا"، مبينا أن "المجلس يسعى لإنهاء ملف المولدات نهاية العام الحالي 2024".
وبهذا الصدد، يقول المتحدث باسم وزارة الكهرباء، احمد موسى في حديث لـ(المدى)، إن "الوزارة تعتبر الحكومات المحلية ذراعا ساندا لها وللحكومة المركزية، حيث هناك تعاون مستمر وتنسيق عال معها سواء في بغداد او المحافظات".
ويوضح، أن "خصخصة الكهرباء في العاصمة هو قرار عائد لمجلس المحافظة، بالوقت نفسه تسعى الوزارة للتحول الذكي بالشبكة الكهربائية"، مبينا أن "التحول الذكي يعني نصب العداد الذكي بغية السيطرة على الاحمال العالية وتنظيم الاستهلاك والعشوائيات والمناطق الزراعية، بالإضافة الى تعظيم موارد الجباية والتقليل من التجاوزات الكبيرة الحاصلة على الشبكة الكهربائية".
"توصلنا الى بعض المقترحات بشأن التحول الذكي، وبعد دراسة احمال الشبكات والمغذيات، خلصنا لاختيار 13 منطقة كمرحلة أولى، جزء منها في بغداد والأخر بالمحافظات"، يقول موسى مؤكدا: "نعتزم توقيع عقود للتحول الذكي للشبكة الكهربائية بهدف زيادة ساعات تشغيل الطاقة الكهربائية في المناطق التي تم طرحها كمرحلة اولى".
وتتضارب الآراء حول أهمية خصخصة الكهرباء، ففي الوقت الذي يعتبرها البعض الحل النهائي لمعالجة أزمات الكهرباء، يرى آخرون أن هذه الخطوة قد تعيد إنتاج المشاكل نفسها بشكل مختلف، فالتجربة السابقة مع خصخصة القطاعات الأخرى لم تكن دوماً ناجحة.
سلبيات وفشل
بدوره، يرى الباحث بشأن الطاقة علاء العقابي، أن التحول نحو خصخصة الكهرباء قد يؤشر وجود عجز حكومي بإدارة هذا الملف.
ويبين في حديث لـ(المدى)، أن "التحول نحو الخصخصة يدل على وجود تلكؤ بالإدارة وبالكادر المسؤول على ايصال الطاقة للمواطن"، معتبرا أن "خصخصة الكهرباء يعتبر الحل الأخير للحكومة، باعتبارها لا تمتلك اي حلول اخرى".
ويضيف العقابي، أن "الخصخصة دليل على الفشل بملف الكهرباء، إذ هل تعمل من أجل توفير الطاقة للمواطنين ام لاستحصال المبالغ منهم"؟، متسائلا: "هل تستطيع شركات الاستثمار إدارة هذا الملف بقدراتها الخاصة التي تتجاوز قدرات الحكومة بـ5%؟".
ويلفت إلى، أنه "في السنوات الأخيرة تنعم منطقتي زيونة واليرموك بالطاقة بينما لم تتوفر الطاقة لمناطق أخرى لمدة 8 ساعات، وهذه نقطة إيجابية للخصخصة".
نتائج إيجابية
ويتابع العقابي، أن "المواطنين، وفي حال تنفي عملية الخصخصة، سيعملون على تقليل استخدام الطاقة واطفاء الاجهزة غير المهمة"، مبينا أنها "كذلك ستمنع عمليات الابتزاز والرشى التي يقوم بها بعض موظفي الصيانة".
ويؤكد، أن "المتابعة على الكهرباء ستكون أكبر كون هناك مستثمر سيجني أرباحا منها، ووجود المحاسبة التي تفتقد لها الجهات الحكومية، وبالتالي تمتلك نتائج ايجابية وسلبية". وفي تصريح صحفي لوكيل وزارة التخطيط للشؤون الفنية ماهر حماد جوهان، ادلى به في 2023، أشار الى ان الجباية الحكومية لأجور الكهرباء، لا توفر سوى 6% مما تنفقه الدولة سنوياً على الطاقة الكهربائية، مبرراً عدم امتلاك وزارة الكهرباء لعائدات تمكنها من تحسين خدمة الطاقة.
إيرادات وخسائر مالية
وبهذا الشأن، كشف رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية والمالية، مظهر محمد صالح، قيمة العوائد المالية التي تصرف على قطاع الكهرباء سنويا، فيما أكد أهمية ضبط الجباية عن طريق الخصخصة عبر هدفين. ويؤكد صالح، في حديث لـ(المدى) أن "ما يسمى بالتوزيع يعد معيارا او مفصلاً جوهريا في مواجهة التحديات التي يمثلها ضياعات قطاع الكهرباء التي تسمر بـ(الخسائر التجارية)"، منوها إلى، أنها "تمثل هدرا في استخدام الطاقة الكهربائية بنسبة ٣٠٪، وتعد ضائعات غير مسيطر عليها وخسارة في العائدات واستنزاف في الاستهلاك جراء ضعف التحصيل او الاعتداء على شبكات التجهيز".
ويضيف، أن "عوائد قطاع الكهرباء تكلف البلاد سنويا بمتوسط إنفاق في التشغيل والاستثمار بنحو ١٦ الى ٢٠ تريليون دينار او ما يقارب ١٠٪ من اجمالي النفقات العامة"، مشيرا إلى، أن "تحصيلات قطاع الكهرباء المسجلة في القوائم او فواتير الكهرباء لا تتعدى واحد تريليون دينار، ونصف العوائد المذكورة هي تحصيلات من استهلاك القطاع الحكومي".
"فرض الانضباط على التحصيل او التوزيع عن طريق خصخصة عمليات الجباية، سيقود بلا شك إلى كسر الفجوة بن عرض الطاقة الكهربائية والطلب عليها"، بحسب صالح.
ويستدرك صالح أن "التفاوت في خسائر قطاع الكهرباء لا يمكن السيطرة عليها بالدرجة الأساس الا بتصفير الخسائر التجارية، دون ان نغفل الخسائر التكنولوجية وهي الأخرى ناجمة عن تآكل عمر شبكات نقل الطاقة وتولد خسارة مماثلة وهدر في الطاقة بنسبة ٢٦٪".
ويلفت مستشار السوداني الاقتصادي الى، أن "فرض الانضباط على عمليات الجباية سيقود إلى عقلانية الاستهلاك ويحقق التطابق بين نمو العرض ونمو الطلب على الطاقة الكهربائية المنتجة، وهذا امر لن يتم الا بتحسين الجباية عبر تجربة خصخصة التوزيع الناجحة جدا في بعض مناطق العاصمة حاليا".
ويتابع، أن "أهمية ضبط الجباية عن طريق الخصخصة سيحقق بلا شك هدفين أولهما، تناسب العوائد مع تكاليف انتاج الكهرباء تدريجياً والثاني غلق فجوة الطلب على الطاقة عن طريق دور التحصيل المنضبط في ترشيد الاستهلاك شريطة ان يتناسب المسار الزمني صوب الغاء (الخسائر التجارية) البالغة ٣٠٪ من تقديرات الإنتاج".
وينوه الى، أن "الإيرادات السنوية المثلى عن طريق الخصخصة وتحسين اداء شبكات نقل الطاقة الكهربائية، سترفع العائدات الى أربع مرات من مستويات التحصيل الراهنة لتصبح العوائد المباشرة من التحصيل المباشر، ما يوفر في تقديري الاولي قرابة ٤ تريليونات دينار سنويا على الأقل بدلا من واحد تريليون بالغالب حالياً".
يذكر أن تقريرا لوكالة الطاقة الدولية، أشار إلى أن قدرة العراق الإنتاجية من الطاقة الكهربائية تبلغ نحو 32 ألف ميغاواط، ولكنه غير قادر على توليد سوى نصفها بسبب شبكة النقل غير الفعالة التي يمتلكها.