TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مقترح أساسي لقانون الأحوال الشخصية العراقي

مقترح أساسي لقانون الأحوال الشخصية العراقي

نشر في: 21 أغسطس, 2024: 12:27 ص

د. اسامة شهاب حمد الجعفري

الفرد حرٌ في تسيير شؤون حياته وفق النمط الذي يؤمن به من معتقدات, ولكن عندما يعيش مع الاخرين فان حريته تتقيد باحترام معتقداتهم, وعندما يشترك مع آخر لتكوين حياة خاصة مشتركة فيما بينهمافان حريته تتقييد اكثر من ذي قبل, فلا مفر في هذه الحالة من التوافق مع الآخر حول تشكيل معالم هذه الحياة, والزواج وهو عماد الاحوال الشخصية, وبه تبدأ القوانين في بسط احكامها على اطرافه, هو بحقيقته عقد ينشأ من توافق ارادتين (ارادة الرجل) و(ارادة المرأة) بهدف تكوين اسرة مرتباً حقوق والتزامات متبادلة بين الطرفين, ولان عقد الزواج هو اخطر العقود في حياة الشعوب فان الانظمة القانونية والشرائع الدينية نظمت اثاره القانونية ولم تترك لارادة طرفيه الحرية الكاملة في تنظيم هذه الحقوق والالتزامات, ولكن يبقى مبنى الزواج "الاتفاق" ومنشئه ابتداءاً "توافق ارادتي عاقديه" ولا ينشأ بالارادة المنفردة لاحد اطرافه لان تلك الارادة المنفردة غير ملزمة للطرف الاخر في العقد, ولايجد الزواج مساره الاجتماعي الا بالعقد, والتراضي في العقود مسلك يفترض به الوعي والاردة الحرة كدافعين, ومعنى ذلك ان الزواج بين الذكر والانثى هو فعل اختيار لا فعل اضطرار, فالنظام الاجتماعي التي تكون الاسرة حجره الزواية فيه لم ينشأ على القوة والاجبار والقهر والارغام وانما مبناه العام "التوافقات" يهتدي اليها الناس بتنازلات متبادلة ويلتزمون احكام مايتوافقون عليه, عقد الزواج الذي يخضع له الذكر والانثى على حدٍ سواء وهو ثمرة توافقهم وليس فعلاً مفروضاً من الخارج.
وبهذه الفلسفة القانونية جاءت المادة (41) من الدستور العراقي والتي نصتعلى مبدأ
" ان العراقيون احرار في الالتزام باحوالهم الشخصية حسب المعتقد" فهذه الحرية للعراقي (الذكر) والعراقية (الانثى) "معاً" وبالتوافق فيما بينهم وليس حرية مقررة للرجل فقط او حرية للمرأة فقط, وانما يصار الى اقامة حرية الالتزام بالاحوال الشخصية بالاتفاق لا بالقوة والارغام, ولا يكفي ارادة الاختيار بذاتها لتحقيق متطلبات النص الدستوري وانما يجب ان يكون الاختيار مستنيراً وواعياً, وبما ان "الزواج" هو عقد ينشأ من توافق ارادتين والتراضي فيما بينهما, وحيث ان امن هذا العقد ومقتضيات بقاءه وسلامته تقتضي ان يكون اختيار النظام القانوني الذي يحكم عقد الزواج هو من اختيار وتراضي الطرفين فيه دون انفراد احدهم, وهذه الارداة التي تختار الشريعة التي تنظم بها الاحوال الشخصية للزوجين يجب ان تكون ارادة مستنيرة وحرة ولهذا يجب ان يكون مقترح قانون تعديل قانون الاحوال الشخصية المزمع التصويت عليه ان يتبنى الاحكام القانونية الاتي في صلب التعديل وبوضوح ودون غموض التي تثيرها سوء الصياغة وتشتت اللغة القانونية:
اختيار النظام الذي يحكم الاحوال الشخصية يكون باتفاق الزوجين بذاتهما ولا قيمة للتوكيل بهذا الاختيار.
مكان الاعلان عن اتفاق الزوجين باختيار النظام القانوني الذي يحكم احوالهم الشخصية يكون امام قاضي محكمة الاحوال الشخصية من خلال تسجيل هذا الاتفاق بعد تعريف الزوجين بالحقوق والالتزامات التي ترتبها الانظمة المتاحة لحكم احوالهم الشخصيةمن قبل الباحث الاجتماعي.
يمنح قاضي محكمة الاحوال الشخصية للزوجين مدة (ثلاثة ايام) للتفكير والتروي لاختيار النظام الذي يحكم احوالهم الشخصية. ولا يجب الاعلان عن الاتفاق الا بعد مرور هذه المدة القانونية.
يجب ان يكون الاتفاق صريحاً بعباراته ومنطوقه ومفهوم انهم اختار نظام معين في حكم احوالهم الشخصية.
يجب ان يكون الاتفاق مكتوباً بخط يد الزوجين وامام قاضي محكمة الاحوال الشخصية ومصادقاً عليه من قبلهومسجلاً فيها.
لاقيمة قانونية لاي اتفاق خارج المحكمة.
في حالة سكوت احدهما في التعبير عن الاختيار بعد مرور مدة التفكير والتروي وفي حالة عدم الاتفاق يعد قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 هو النافذ بحقهما.
يبين قاضي محكمة الاحوال الشخصية للزوجين ان اختيارهم لاي نظام يحكم احوالهم الشخصية لمرة واحدة فقط لذا سيكون نهائي وقطعي ولا رجعة فيه بهدف استقرار المراكز القانونية في المجتمع وعدم تهديدها بالتبدل والتغير المستمرين مما يعرض الاسرة الى عدم الاستقرار.
لا اثر رجعي لهذا القانون على المراكز القانونية السابقة الا باتفاق اطراف هذه المراكز ويسري على هذا الاتفاق الاجراءات التي بينها هذا القانون.
مع ملاحظة ان عدم نص مقترح قانون تعديل قانون الاحوال الشخصية على تسجيل عقد الزواج لا يكفل لطرفي عقد الزواج وخاصة "العراقية" ان تكون الارادة بالاختيار ارادة واعية وحرة ومستنيرة.والارادة لا تكون حرة الا امام القاضي فهو حامي الحريات, فلا يكفي ان نقرر حرية العراقيون في اختيار تنظيم احوالهم الشخصية وانما يجب ان يكفل القانون لهذا الاختيار ان يكون واعياً وحر ومستنير,فيجب ان تكون الارادة تعرف ماذا ولماذا وعلى اي شيء اختارت هذا النظام القانوني دون غيره؟ لان الارادة التي تُرغم على فعل شيء لن تستقر لانها ارادة مصطنعة هلامية وسوف تكون سبباً لتفكيك الاسرة. فالنهايات ما تؤسسه البدايات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

الدولة لا الاحكام الظنية من تضع للاسرة تشريعاتها

العمودالثامن: من الشبيبي إلى رشيد الحسيني

تهميشُ القضاء وتفكيكُ العقل الحقوقي للدولة وتقويضُ الهوية الجامعة

بحث في إشكالية الزواج من ذوات التاسعة

العمودالثامن: داعية البسمة

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

 علي حسين من جديد، يطل علينا " البروفيسور " زيد الطالقاني برأسه، ولكن هذه المرة من دون مسؤولين كبار ولا شخصيات مؤثرة تدور حوله ، ولا عدد من مدعي الديمقراطية يسبحون بحمده ،...
علي حسين

قناطر: البنفسجُ.. وما يتأوّبُ الغرباءُ به

طالب عبد العزيز من مكانك في القبو، وقد أضاءَ الفانوسُ جبهتك، وشيئاً من ذراعك، كانت الأرفف من حولك فارغة، كيف لا وقد قضت الأيام بينك والاشياء، وأخذت صحفُ الغابرين أخبارك الى البدايات التي لا...
طالب عبد العزيز

مقترح أساسي لقانون الأحوال الشخصية العراقي

د. اسامة شهاب حمد الجعفري الفرد حرٌ في تسيير شؤون حياته وفق النمط الذي يؤمن به من معتقدات, ولكن عندما يعيش مع الاخرين فان حريته تتقيد باحترام معتقداتهم, وعندما يشترك مع آخر لتكوين حياة...
د. اسامة شهاب حمد الجعفري

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

محمد السيد محسن عام 2008 التقيت في لندن الفنان حمودي الحارثي الذي غادرنا قبل يومين في منفاه في مدينة دنهاخ في هولندا، المثير باللقاء انه هو من تعرف علي حيث كان يتابع برنامج "اغلبية...
محمد السيد محسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram