علي حسين
يقول دريد لحام في مسلسل سنعود بعد قليل لأحد أصدقائه القدامى: "لا تهتم للمصائب. تعودنا على قبول كل شيء"، تذكرت هذه الجملة وأنا أرى حالة التلبد التي أصابت البرلمان خلال الأشهر الماضية.. لم يعد مهماً كم عدد القوانين المؤجلة ، ولا حجم الفشل الذي أصبح مؤخراً موضوعاً يمكن أن يناقش في البرلمان، حيث قرر استنهاض كل قواهم في سبيل تعديل قانون الأحوال الشخصية.. فماذا يعني التدهور في الخدمات وغياب الكهرباء ، ما دام البرلمان – مشكوراً – يؤمن أن إقرار تعديلات قانون الأحوال الشخصية سترفع من مكانة العراق بين البلدان وستضعنا في مصاف الدولة المتقدمة ننافس الصين بالتجارة واليابان في الصناعة ونتفوق على سنغافورة في.. ومع هذا الأمر لا يحتاج إلى عجالة في مناقشة القوانين الأخرى .. ما دام هناك فاصل من الراحة لنوابنا الأعزاء يعودون بعده أكثر حيوية ونشاطاً في مناقشة أحقية النائب بزيادة راتبه ومخصصاته والمصفحة التي تحافظ على حياته التي هي ثروة لا يجوز التفريط بها.
يريد أن يقول لنا مجلس النواب، أن نقول كل القوانين غير مهمة ، وأن الأزمة فقط في عدم الاتفاق على تعديل قانون الأحوال الشخصية .. أما قرار زيادة الرواتب فقد مر داخل قبة البرلمان مثل النسيم. فالمسألة هنا ليست في القوانين التي تساعد المواطن ، بل سمعة العراق التي يمكن أن تهبط إلى الحضيض لو لم يصدر لدينا قانون يختص بالزواج ويحرم الأم من حضانة أبنائها .. ويستكثر عليها أن تأخذ نفقة ويساعد الرجل على استعراض ذكوريته بالزواج بأكثر من واحدة .
في كتابه "روح الثورات" يخبرنا المؤرخ غوستاف لوبون أن أكثرية أعضاء مجالس الثورة الفرنسية كانوا مطبوعين على اللامبالاة، محايدين وهم يرون المقاصل تعمل بأقصى سرعتها.. كان شعارهم "مادامت المقصلة بعيدة عن رقبتي فالبلاد تسير على الطريق الصحيح".
فيا أيها المواطن المبتلى بمسلسل سنعود بعد قليل.. كنت تأمل أن تعيش في دولة للقانون يتساوى الجميع أمامها، فإذا أنت أمام دولة لها أكثر من قانون يشجع جرائم النصب والاحتيال واستغلال المنصب وترهيب الناس ومطاردتهم حتى آخر مقهى.
أيها المواطن: ستظل مخدوعاً حين تتصور أن الديمقراطية قدمت إليك ساسة يسعون إلى بناء مؤسسات حديثة، وسيبدعون في الإعمار وإدارة شؤون البلاد أكثر من إبداعهم في فنون السرقة واللعب على الحبال.
يضع المفكر الإيراني الراحل علي شريعتى يده على نقطة مهمة تفضح "ساسة سنعود بعد قليل"، فهؤلاء دائماً ما يطمحون إلى أن ينأوا بأنفسهم عن الناس.