TOP

جريدة المدى > محليات > لمواجهة الاحترار: الحكومة تستبدل الأشجار بالمقرنص!

لمواجهة الاحترار: الحكومة تستبدل الأشجار بالمقرنص!

النخيل الحديدي أحدث الابتكارات العراقية!

نشر في: 27 أغسطس, 2024: 12:03 ص

 بغداد / علي عزيز

في يونيو/حزيران الماضي، وبينما كنت متوجهًا إلى النجف القديمة، فوجئت بأن الشارع المؤدي إليها قد شهد تغييرات جذرية، حيث تم استبدال الأشجار المعمرة التي كانت تظلل المارة منذ سنوات طويلة بأرضية مرصوفة بالمقرنص الأحمر البشع.
هذا الشارع، الذي كان يُعد حتى وقت قريب من أكثر الشوارع تشجيرًا في مدينة النجف، فقد جماليته بسبب عمليات إعادة التأهيل التي قامت بها الشركة المنفذة، والتي لم تضع في اعتبارها الحفاظ على الأشجار التي كانت تمنح الشارع طابعًا خاصًا. وعلى الرغم من مطالبات أهالي النجف وناشطيها بالإبقاء على تلك الأشجار، إلا أن القرار جاء مخالفًا لرغباتهم، ما أثار استياءً كبيرًا بين السكان.

النجف مدينة المقرنص
يقول الناشط علاء السفير إن النجف تحولت إلى “مدينة المقرنص”، مشيرا إلى أن السبب يعود لوجود أموال طائلة مخصصة لمشاريع المقرنص مقارنة بتشجير الشوارع. وأضاف أن الناشطين طالبوا مرارًا بإعادة تشجير شارع مدخل النجف القديمة بعد أن أصبح منظره مشوهًا بصريًا إثر تجريف الأشجار وزراعة المقرنص الأحمر مكانها. ومع ذلك، قامت الشركة المنفذة بزراعة حوالي خمسين مترًا فقط من الرصيف بالثيل قرب مجسرات ثورة العشرين، معتبرًا أن هذا الحل لا يرقى إلى مستوى التوقعات ولا يعوض عن فقدان الأشجار التي كانت تزين الشارع وتوفر الظل للسكان.
يعبر السفير عن أسفه للوضع الذي وصلت إليه النجف، ويعبر عن قلقه من غياب المساحات الخضراء عن المدينة، متسائلًا: “متى سنتخلص من هذا المقرنص؟ وما الفائدة منه في مدينة تعاني من تصحر كارثي ودرجات حرارة صيفية لا تطاق؟”. ويضيف: “لم يكن شارع المدينة القديمة مجرد شارع، بل كان غابة صغيرة تحتوي على مجموعة متنوعة من الأشجار المعمرة التي كانت تلطف الأجواء وتحسن من جودة الهواء. والآن، لم يتبقَ منها سوى الذكريات”.

البصرة عاصمة المقرنص!
من النجف وسط العراق إلى البصرة في جنوبيه، لا يختلف الوضع كثيرًا. فقد اُفتتِحَ مؤخرًا شارع الخورة أو الوفود في مركز البصرة، وهو شارع حيوي ومهم، لكن الناس فوجئوا بأن الجزرة الوسطية في الشارع قد رُصفت بالمقرنص وجُرّفت جميع الأشجار التي كانت موجودة، وتم إقامة أعمدة إنارة دون أي مظهر للحياة الخضراء.
شركة النرجس، التي تستحوذ على معظم عقود المشاريع في البصرة، حولت الشارع إلى مساحة جرداء، مغطاة بالمقرنص والإسفلت، ما أثار موجة من السخرية بين السكان. وتناقل المدونون والناشطون صورًا تظهر الشارع قبل وبعد إعادة التأهيل، معربين عن استيائهم من أن المدينة تفقد تدريجيًا ملامحها الطبيعية لتصبح مغطاة بالمقرنص فقط.
الناشطون أطلقوا على البصرة لقب "عاصمة المقرنص"، وأبدوا استياءهم من أن معظم المشاريع التي تنفذها الشركات المحلية لا تتضمن أي مساحات خضراء أو أشجار. وعبروا عن خشيتهم من أن تتحول البصرة إلى مدينة جرداء تخلو من أي مظهر للحياة الطبيعية في ظل ارتفاع درجات الحرارة المتزايد.

وعي المجتمع بأهمية الأشجار
يرى قائممقام قضاء غماس في محافظة الديوانية، محمد سوادي، أن المجتمع العراقي لم يصل بعد إلى مستوى الوعي الكافي بأهمية الأشجار، سواء على مستوى المهندسين الذين يقومون بإعداد تصاميم المشاريع، أو على مستوى الثقافة المجتمعية بشكل عام.
وأضاف أن هناك عدة أسباب لانتشار “ثقافة المقرنص”، من بينها ضعف كفاءة المهندسين العراقيين في إعداد تصاميم مستدامة وصديقة للبيئة، والظروف الجوية المتطرفة في العراق التي تجعل من الصعب بقاء الأشجار ونموها في الشوارع.
وأشار سوادي إلى أن غياب آلية واضحة ومستدامة لري المزروعات يعد سببًا رئيسيًا لهلاك الأشجار المزروعة في المدن العراقية.
وقدم مثالًا على ذلك بقوله: “في الخارج، عندما نسافر، نرى عمال سقي المزروعات يعملون باجتهاد حتى ساعات متأخرة من الليل، بينما في العراق نجد العامل المسؤول عن سقي وإدامة المزروعات يجلس في الظل صباحًا عند بداية الدوام، بينما تموت المزروعات أمام عينيه”. وأضاف أن البيروقراطية الحكومية تعيق تنفيذ المشاريع. فمثلاً في غماس، يحاولون منذ أكثر من سنة بناء كورنيش على ضفة النهر وسط المدينة، لكن المتطلبات المعقدة التي تضعها وزارة التخطيط تحول دون الإسراع بتنفيذ المشاريع أو الموافقة عليها من الأساس.

النخيل الحديدي: الحل المبتكر؟
في الوقت الذي تعاني فيه مدن العراق من تداعيات الاحترار العالمي، وجدت بلدية الكوت في محافظة واسط حلاً مثيرًا للجدل لمواجهة شمس العراق الحارقة: زراعة نخيل حديدي. هذا النخيل المعدني، الذي أُضيء بألوان خضراء ليوحي بأنه طبيعي، أثار موجة من السخرية بين السكان الذين اعتبروه تشوهًا بصريًا. الصحفي محمد الإمارة من واسط أشار إلى أن تكلفة النخلة الواحدة تجاوزت المليون دينار، وهي كلفة كان بالإمكان استثمارها في تشجير مساحات شاسعة من المحافظة بأشجار طبيعية.
التوجه نحو زراعة الأشجار الحديدية لم يكن حكرًا على واسط، فقد قامت بلدية النجف هي الأخرى بزراعة أشجار حديدية في أماكن متفرقة من المدينة، ما أثار تساؤلات حول جدوى هذا التوجه وتجاهل الحكومات المحلية للمطالبات بتشجير الشوارع بأشجار ذات جدوى بيئية حقيقية.

المجسرات ايضاً تزيح الأشجار!
بالتزامن مع حملة المجسرات والشوارع المقرنصة التي تقوم بها الحكومة، جرّفت مساحات واسعة من المساحات الخضراء والأشجار في بغداد. ولم تقم الجهات المعنية بنقلها أو زرع بدائل عنها. ولأن العاصمة بغداد لها حصة الأسد من المجسرات وتوسعة الشوارع، فإن نصيبها من التجريف هو الأكبر في العراق. ومثال ذلك شارع أبو نؤاس، المشهور بأشجاره المعمرة الممتدة على ضفة نهر دجلة.
يقول حسن الحجاج، وهو محام بصري مهتم بالتخطيط العمراني: “لم تكن الأشجار المعمرة في شارع أبو نؤاس قادرة فقط على جعله الأجمل، بل كانت تلعب دورًا أكبر في جعله الأبرد في العاصمة بغداد، بفارق قد يتجاوز عشر درجات أقل من درجة حرارة باقي الشوارع المليئة بالإسفلت والحجر الإسمنتي المقرنص”. ويضيف: “كان هذا الفارق الجمالي والبيئي يعود إلى كثافة الغطاء النباتي الذي كان يشكل مظلة طبيعية تخفض درجة حرارة السطح، ومع عملية التبخير تعمل هذه الأشجار كمكيف هواء طبيعي يلطف وينقي الأجواء”.
لكن المؤسف، بحسب الحجاج، أن الجهات الحكومية تفخر بارتكابها “أكبر مجزرة بحق الأشجار المعمرة” تحت مسمى “حزمة مشاريع فك الاختناقات المرورية”، والتي تتضمن وجهين لخراب هذا الشارع. الوجه الأول يتمثل بإزالة الأشجار المعمرة بقطعها، بينما يتمثل الوجه الآخر بنصب دعامات ثلاث جسور كبيرة في حوض النهر وبموازاة مسار الكورنيش، مما يحجب منظر النهر عن الناس.

الحاجة إلى حملات تشجير
يؤكد الخبراء أن العراق بحاجة إلى حملات تشجير واسعة لعكس تدهور الأجواء فيه، حيث لا تتجاوز نسبة المساحات الخضراء أو “الغابات” في البلاد 2%. وفي الوقت ذاته، تواجه حوالي 59% من الأراضي العراقية خطر التصحر والتدهور نتيجة لتجريف البساتين وزيادة التصحر. وقالت وزارة الزراعة في وقت سابق إن العراق بحاجة إلى زراعة نحو 14 مليار شجرة للقضاء على التصحر الذي وصل إلى مراحل متقدمة في البلاد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

التعديل الوزاري طي النسيان.. الكتل تقيد اياد السوداني والمحاصصة تمنع التغيير

حراك نيابي لإيقاف استقطاع 1% من رواتب الموظفين والمتقاعدين

إحباط محاولة لتفجير مقام السيدة زينب في سوريا

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

قلق في ذي قار من تصاعد جرائم الابتزاز الإلكتروني وانتحار الضحايا!

أهالي ذي قار: مياه الشرب بلون أخضر وذات رائحة كريهة

قائد حراك قضاء الصادق: نادم على الاجتماع مع الحكومة!

العراق يصدر 13 سلعة زراعية متنوعة

نينوى تقرع ناقوس الخطر بتراجع حاد في مناسيب الخزين الأول للمياه في العراق

مقالات ذات صلة

إحصائيات مرعبة لحوادث الطرق الخارجية في كردستان
محليات

إحصائيات مرعبة لحوادث الطرق الخارجية في كردستان

 السليمانية / سوزان طاهر مشهد متكرر لحوادث الطرق التي تحصد أرواح المواطنين على مختلف الطرق في العراق، ويبدو أن طرق إقليم كردستان الرابطة بين محافظات الإقليم، باتت تحمل نفس المعاناة، فحصد الأرواح يستمر،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram