قحطان الفرج الله
مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا للمركزيات الثقافية في مشروعه الفكري. يركز تحليله على تفكيك الأسس الحضارية والمعرفية للثقافتين الغربية والإسلامية، مع التركيز على العالم المعاصر الذي يزداد تعقيدًا وتشابكًا، وتتصاعد في أذهان الكثيرين فكرة "المؤامرة الكونية" التي تستهدف العرب وتضعهم في موقع الضحية.
هذا الاعتقاد، الذي أصبح جزءًا من الوعي الجمعي، يزعم أن العرب يتعرضون لمؤامرات تهدف إلى إضعافهم وتقويض مكانتهم في العالم. وقد يكون ذلك حقيقيا من جانب الصراع مع الكيان الصهيوني، لكن هل هذا الوهم يعكس حقيقة أم أنه يعبر عن هروب من مواجهة الواقع؟
لهذا الوهم جذور عميقة فلم تكن فكرة المؤامرة الكونية وليدة اليوم، بل ترسخت عبر عقود من التوترات السياسية والتدخلات الأجنبية. من الاستعمار إلى النزاعات الإقليمية، أصبح من السهل على بعضهم تفسير كل فشل أو تحدي بأنه نتيجة لتآمر خارجي. هذه السردية، وإن كانت تحمل بعض جوانب الحقيقة، إلا أنها لا تعكس الصورة الكاملة. فهي تتجاهل العوامل الداخلية التي ساهمت في تردي الأوضاع في العالم العربي، مثل الفساد، وسوء الإدارة، وغياب الرؤية المستقبلية، ومهيمنات الغيب وخرافات الميتافيزيقا، التي تدعمها افكار راجت في العالم العربي تحت عنوان (التنمية البشرية) التي تُسوق الجهل والوهم والتخلف بشكل انيق!!!!
يقدم د.عبد الله إبراهيم نقدًا لهذه المركزيات من خلال تحليل الأسس المعرفية والثقافية التي تقوم عليها، ويقترح أن هذا التمركز يؤدي إلى صراعات وتوترات بين الثقافات المختلفة. ويدعو إلى تجاوز هذه المركزيات من خلال تبني رؤية أكثر شمولية وتعددية، تعترف بقيمة وتنوع الثقافات المختلفة دون التمركز حول الذات.
هذا التحليل يعكس رؤية إبراهيم النقدية العميقة ويقدم إطارًا لفهم التوترات الثقافية والحضارية بين الشرق والغرب.
إن أول من طرح سوال التأخر هو (شكيب ارسلان) في كتابه لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟
ومع هذا يتناول أسباب تراجع المسلمين وتقدم الأمم الأخرى. الكتاب جاء استجابة لطلب من الشيخ محمد رشيد رضا، الذي طلب من أرسلان تحليل أسباب ضعف المسلمين وقوة الغرب… وبعين فاحصة فهو ركز على (تأخر المسلمين) في اعلاء واضح لهوية فرعية وحصره في الدين!!!! على الرغم من اننا نعي ان الحضارة الاسلامية كانت حضارة منتجة وموثرة على هذا الكوكب لكن هذا لا يعني انها الوحيدة على هذه الجغرافيا.
وحينها يكون السؤال اين التفوق العربي الذي يجعل من أمة العرب افضلية على غيرها…؟
هذا الوهم الذي يغذي العقل العربي بمورفين اليقين المزعوم …مورده الاساس نصوص دينية وتاريخية ووهم متخيل (للفردوس العربي المفقود) على هذه الارض.. تؤكد على مكانة العرب كأمة مختارة أو مفضلة. ومع ذلك، فإن هذا التفوق المتخيل يتناقض مع الواقع الذي يظهر تراجعًا واضحًا في مختلف المجالات. فالاعتقاد بالتفوق يخلق حاجزًا نفسيًا يمنع من قبول النقد الذاتي والتعلم من الآخر. وفي عصر يتطلب التعاون والانفتاح، يصبح التمسك بهذا الوهم عائقًا أمام التقدم.
فمن نحن؟ لعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي الإنجازات التي يمكن للعرب أن يفخروا بها في العصر الحديث؟ إذا ما قارنا العالم العربي بدول أخرى كانت في مراحل مشابهة من التطور قبل عقود، سنجد أن الفارق كبير. فمن التقدم التكنولوجي إلى الحريات المدنية، تجد المجتمعات العربية نفسها متأخرة. هذه الحقيقة تدفعنا للتساؤل: هل هناك ما يبرر الشعور بالتفوق؟ أم أنه حان الوقت للاعتراف بالتحديات الحقيقية والعمل على مواجهتها بجرأة وواقعية؟
لا يقتصر تأثير هذا الوهم على الجانب النفسي فقط، بل يمتد ليشكل عائقًا أمام التقدم السياسي والاجتماعي. فالاعتقاد بأن المؤامرات الخارجية هي السبب الرئيسي لكل مشكلاتنا يجعلنا نتجاهل الحلول الواقعية، ويعزز ثقافة الاستكانة والاعتماد على الآخر. هذا الوهم يبعدنا عن مواجهة التحديات الحقيقية، ويعطل أي جهود صادقة للتغيير والإصلاح.