متابعة / المدى
يُعد العراق من أكبر الدول المنتجة للنفط، ولكنه في الوقت ذاته ثاني أكثر دولة في العالم، بعد روسيا، تحرق الغاز المصاحب أثناء استخراج النفط. الشركات النفطية تجد في حرق هذا الغاز حلاً أقل تكلفة من معالجته وبيعه، ولكن هذه العملية تأتي بتكلفة باهظة على البيئة وصحة الإنسان.
في محافظة البصرة جنوبي العراق، تحرق الشركات المشغلة للحقول النفطية أكثر من 50% من الغاز المصاحب سنويًا، مما يسبب تلوثًا خطيرًا في الهواء نتيجة انبعاث مركبات كيميائية عالية التركيز، والتي ارتبطت بزيادة حالات الإصابة بالسرطان في المنطقة. تشير إحصاءات إلى أن مدينة البصرة سجلت في عام 2020 نسبة 76.3 حالة سرطان لكل 100 ألف شخص، وهي النسبة الأعلى في العراق.
حسين جلود، وهو والد الطفل علي الذي توفي بسرطان الدم، يسعى حاليًا لمقاضاة الشركة النفطية التي يعتقد أنها سبب وفاة ابنه نتيجة التلوث الناجم عن حرق الغاز. علي ليس الضحية الوحيدة، فقد توفي العديد من الأطفال والشباب في البصرة بأمراض سرطانية مماثلة.
وقد أشار تقرير تقويم الأداء التخصصي الصادر عن ديوان الرقابة المالية الاتحادي العراقي لشهر يونيو/حزيران 2023 إلى ارتفاع تركيزات الهيدروكربونات غير الميثانية المسببة للسرطانات في جميع نقاط الرصد في حقول نفط البصرة إلى درجة تتجاوز الحدود المسموح بها، وفق المحدد الوطني البالغ 0.24 جزء في المليون لكل 3 ساعات.
لم يكن الطفل علي حسين العراقي الوحيد الذي توفي نتيجة إصابته باللوكيميا (سرطان الدم) جراء التلوث الناتج عن حرق الغاز المصاحب للنفط في الرميلة بالقرب من مدينة البصرة جنوبي العراق، فهناك فاطمة وعباس وكاظمية وخلدون وغيرهم كثير، هؤلاء الذين تقترب مجتمعاتهم المحلية من حقول النفط وخاصة شعلات احتراق الغاز في البصرة، وفق رئيس منظمة طبيعة العراق جاسم الأسدي.
أما مسؤول ملف البيئة والطاقة وتغير المناخ في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق، مامونور راشد، فيرى في تصريح صحفي أنه "لا يوجد أي إثبات علمي حتى الآن يدل على أن حرق الغاز المصاحب السبب الرئيسي للإصابة بالسرطان في البصرة"، لكنه يؤكد أن "هناك روابط منطقية إذ يعتقد أن حرق الغاز له عامل مساهم مباشر في التسبب في الإصابة بالسرطان أو تحفيزه".
وفي حين أن الدراسات المحددة التي تركز حصريا على العلاقة بين حرق الغاز والسرطان في العراق محدودة، فإن هناك أدلة على ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان في المناطق التي تعاني من حرق الغاز بكثافة، ومحافظة البصرة مثال على ذلك، وفق حديثه.
ومع افتقاد العراق للدراسات المباشرة، يرى راشد أنه من الممكن القياس على تجارب أخرى ذات ممارسات مماثلة لاستخراج النفط، إذ وثقت الدراسات التي أجريت في دلتا النيجر في نيجيريا، وهي منطقة أخرى تعاني من حرق الغاز على نطاق واسع كما العراق، زيادة معدلات الإصابة بالسرطان وغير ذلك من المشاكل الصحية في المجتمعات القريبة من مواقع حرق الغاز. ولا يقتصر ضرر عملية حرق الغاز المصاحب للنفط عن كونها مسرطنة وإنما أيضا من الممكن أن تسبب أمراضا تنفسية، ومن ذلك الربو والتهاب الشعب الهوائية، فيمكن أن يسبب الحرق الصداع والدوار وأعراضا عصبية أخرى بسبب إطلاق مواد كيميائية سامة، وفق راشد.
أما عن البيئة فهي ليست بعيدة عن تلك المخاطر، إذ يقول المتخصص في شؤون الطاقة في البصرة، عادل صادق وكر، إن "حرق الغاز له تأثير كبير على البيئة لأنه يتسبب في دخول الملوثات للهواء، فينتج عنها ارتفاع حاد في نسبة تلوث الهواء الذي ينعكس على التنوع البيئي وعلى المساحات الزراعية، وهذا بات واضحا في المناطق العراقية التي توجد بها أحواض النفط". ويرى وكر أن عملية الحرق تحدث ضررا بيئيا على الزراعة باعتبارها تسبب تغييرا ديموغرافيا وتزيد من تغوّل المناطق النفطية باتجاه المناطق الزراعية ومن ثم تصحرها، كما تتسبب عملية حرق الغاز في هدر الأموال الباهظة التي تحتاجها عملية الحرق ويشكل ذلك هدرا للمال العام، وما يجعلنا ندق ناقوس الخطر هو أن الضرر البيئي الناتج عن عملية الحرق أمر خطير وليس من السهل معالجته، وفقا لموقع الجزيرة نت.