بغداد / ذو الفقار يوسف
وصف مختصون في الشأنين الاقتصادي والاجتماعي البطالة في العراق بأنها “قنبلة موقوتة” تهدد الاقتصاد الوطني، مؤكدين أن الشباب هم أول ضحايا هذه الآفة التي تفقد البلاد العديد من الخبرات والمشاريع التي من شأنها تنويع الاقتصاد العراقي وتحقيق التنمية.
تشير الإحصائيات التي يكشفها الخبراء والدراسات العالمية إلى ارتفاع معدلات البطالة في العراق عامًا بعد آخر، ورغم أن نسب الزيادة قد تبدو ضئيلة، إلا أن هذه المشكلة الخطيرة باتت تهدد الأفراد من جوانب اقتصادية، اجتماعية، ونفسية. ويشير المختصون إلى أن الشباب باتوا يفقدون الأمل في المستقبل، ما دفع بعضهم إلى الانخراط في الجرائم والمخدرات، بينما لجأ آخرون إلى الانتحار.
الخوف من المستقبل
أكد ولي الدين الخفاجي، الباحث في الشأن الاجتماعي، أن “الاقتصاد العراقي يعتمد بشكل رئيسي على واردات النفط، وإن كانت هناك واردات أخرى فإنها لا تشكل سوى جزء بسيط من الاقتصاد الوطني. لذا نرى أن معظم الشباب يفضلون الوظيفة الحكومية لعدم وجود ضمانات في القطاع الخاص”. وأضاف الخفاجي، في حديثه لـ(المدى)، أن “الدولة بحاجة ماسة لوضع خطة تستوعب العدد الهائل من الشباب لتقليص فجوة البطالة”. مشيرًا إلى أن “العنف أصبح سائدًا بين الشباب بسبب اليأس، كما رأينا في مظاهرات المجموعة الطبية قبل أيام”.
أوضح الخفاجي أن الشباب العراقي بات يصل إلى سن الأربعين دون أن يملك دارًا للسكن أو وظيفة. وأصبحت الأراضي الزراعية تمتلئ بالعشوائيات، ووصل الأمر إلى الملاعب والساحات. ويعزو سبب ذلك إلى “عدم وجود خطط حكومية لتوفير السكن الملائم للمواطن، مما يزيد من مشاكله ويعمق خوفه من المستقبل”. وأكد أن “المجمعات السكنية التي تُبنى حاليًا يصل سعر الوحدة فيها إلى 300 أو 400 مليون دينار، ولا تخدم المواطن البسيط. لذا نطمح لبناء مجمعات منخفضة التكلفة وبأسعار مناسبة ليتمكن المواطن العادي من شرائها”.
وأضاف: “على الدولة أن تجعل تشغيل الشباب أولوية في المرحلة القادمة لأنها ستعالج العديد من المشاكل، منها الجرائم، والهجرة الداخلية والخارجية، اذ ان العديد من الشباب يهاجرون إلى بغداد بحثًا عن عمل لعدم وجود فرص في محافظاتهم”. وأشار إلى أن “البطالة آفة خطيرة ومفتاح للعديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، منها الطلاق، المخدرات، الجرائم، والانتحار”. كما أضاف أن “معالجة البطالة ستساهم في حل مشكلة العمالة الأجنبية وتوسيع الاستثمار لتشغيل اليد العاملة”.
الاقتصاد يخسر
من جهته، أكد مجلس الخدمة العامة الاتحادي في وقت سابق أن عدد الموظفين في العراق قد يصل إلى 4 ملايين موظف بنهاية العام الحالي. وفي هذا السياق، قال الباحث الاقتصادي ضياء المحسن إن “معظم الشباب يفضلون العمل في المؤسسات الحكومية، حتى مع ضعف الرواتب مقارنة بالقطاع الخاص، والسبب في ذلك هو ضعف التسويق لوظائف القطاع الخاص وعدم وجود ضمانات كافية للعاملين فيه”.
وأضاف المحسن، في حديثه لـ(المدى)، أن “الكثير من الشباب يرغبون في تأسيس أعمالهم الخاصة، لكنهم يصطدمون بالإجراءات الروتينية المتعلقة بالتمويل، ما يدفعهم للبحث عن الوظيفة الحكومية التي قد لا تلبي طموحاتهم”. وأشار إلى أن “الاقتصاد الوطني خسر مرتين: الأولى بفقدان خبرات هؤلاء الشباب الذين أصبحوا عبئًا على الموازنة العامة، والثانية بخسارة مشاريع كانت من الممكن أن تكون رافدًا مهمًا لتغطية احتياجات السوق المحلية”.
البطالة كورقة انتخابية
وتابع المحسن قائلًا: “من الضروري أن تقوم الحكومة، التي تتحدث عن ارتفاع احتياطياتها المالية إلى أكثر من 115 مليار دولار، بدراسة المشاريع التي يطرحها الخريجون وغير الخريجين، والبحث عن طرق لتمويل هذه المشاريع بشكل يسير”. وأوضح أن “هذه المشاريع يمكن أن تستوعب أعدادًا كبيرة من العاطلين عن العمل، كما أنها تساهم في تلبية احتياجات السوق وتقليل الاعتماد على الاستيراد، مما يتيح للسلطة التنفيذية توجيه الأموال إلى البنى التحتية والاستثمارات طويلة الأجل”.
وأشار المحسن إلى أن “التفكير الجدي في إيجاد فرص عمل للأعداد المليونية من العاطلين عن العمل يتطلب دراسة عميقة لسؤال محدد: هل الحكومة جادة في إنهاء ملف البطالة؟ أم أن هؤلاء العاطلين يشكلون ورقة انتخابية ضرورية لبعض الكتل السياسية؟ إذا كانت الحكومة جادة في إنهاء هذا الملف، فعليها دعم الخريجين وأصحاب المشاريع الذين يمكنهم المساهمة في حل مشكلة البطالة”.
قنبلة موقوتة
واختتم المحسن حديثه بالتحذير من أن “أعداد العاطلين عن العمل تمثل قنبلة موقوتة قد تؤدي إلى مشاكل اجتماعية كثيرة إذا لم تحسن الحكومة التعامل مع هذا الملف”. وأكد أن “التعامل مع هذه المشكلة يجب أن يكون خارج نطاق زيادة العجز في الموازنة المتخمة بأعداد كبيرة من البطالة المقنعة في المؤسسات الحكومية”. وأضاف أن “الحكومة يجب أن تفكر بجدية في حلول خارج الصندوق لحل مشكلة البطالة، إلى جانب مشكلة السكن المزمنة التي تعاني منها البلاد رغم وجود العديد من المجمعات السكنية”.
وأشارت الإحصائيات المتعلقة بالوضع الاقتصادي إلى أن العراق يحتل المرتبة الأولى عربيًا والثالثة عالميًا في معدل البطالة، حيث يعيش ما لا يقل عن ثمانية ملايين مواطن تحت خط الفقر. وأكدت وزارة التخطيط العراقية أن النسب التي تتحدث عنها الاستبيانات الدولية والعالمية المتعلقة بالكشف عن نسبة البطالة والفقر في العالم لا تعكس الأرقام الحقيقية التي يسجلها العراق يوميًا حول هذا الملف.