-1-
الآن و بعد مرور عام على انسحاب القوات الأميركية . . يلاحظ مراقبون محايدون أن المشاكل و الأزمات بين الكتل المتنفذة التي تصل اليوم أعلى مستوياتها، بكونها قد ابتدأت واضحة و علنية منذ انسحاب القوات الأميركية . . الانسحاب الذي كان من المفترض أن يكون مفرحا للبلاد إلا أنه حصل بمشاعر عراقية تنوّعت بين فرح عاطفي بان (البلاد تحررت من وصاية أجنبي) بعد صدمة الحرب والاحتلال . . وكأن الاحتلال يتمثّل بوجود أفراد نظاميين مسلحين ببزات عسكرية أجنبية فقط، الأمر الذي تجنّبته دول إقليمية تتدخّل و تحتل مناطق لمدد و تنسحب، أو تتواجد لحد الآن و تمارس سلطات بأفراد ببزات مدنية .
و قد تناقلت حينها صحف ووكالات أنباء عالمية و متخصصة، بأن الانسحاب الآنف الذكر قد تمّ بمشاعر قلق و ترقّب و حذر بسبب ضعف الدولة المشكّلة حديثاً بعد حل الدولة السابقة، حين كان ما يجري في الشارع لايتناسب مع الإعلان عن الاستعداد الكافي للقوى المتنفذة للعمل معاً بدلالة الواقع القلق الجاري آنذاك . . و لابد من التذكير بأن الكتلة الكردستانية قد حذّرت من ذلك الانسحاب الذي وصفته بالمبكر و بيّنت مخاطر ذلك من كونه ينبع من احتمالات انتكاس الوضع الجديد المفترض أن يبنى على أساس دستور و دولة اتحادية و برلمان . .
و يرى متابعون بأنه إثر الانسحاب، بدأت الحكومة القائمة برئاسة السيد المالكي و التي تشكّلت إثر اتفاق أربيل بين الكتل المتنفذة ببنود لم يعلن عنها حينها، بعد استعصاء زاد عن عام كامل . . بدأت بإعلان قوانين و القيام بممارسات لاتتناسب لامع بنود الدستور و لا مع روحيّته التي استهدفت قيام نظام تعددي على أساس التبادل السلمي للسلطة معللة ذلك السلوك بكونه لخدمة (الصالح العام)، و بأن الدستور قد كتب في ظرف طارئ انتهى و قد انتفت متطلباته، و كأنما لم يكن السيد المالكي احد ابرز كتّاب الدستور . .
و في الواقع فان أوساط واسعة ترى بأن حكومة المالكي بدأت بالإجهاز على الحقوق التي نصّ عليها الدستور للمواطن و لخدمة الصالح العام، و بعملها على تركيز السلطة بحزب واحد يقوده رئيسها، الذي يعلل ذلك بـ (استحالة الحكم بعدة أحزاب، و كلّ حزب يحاول أن يقرر وفق مصالحه ورؤيته) ناسياً أو قد لايعرف بان من واجبات الحكومة الصعبة هو دورها التوجيهي والتوافقي والجامع لصفوف و طاقات البلاد من أجل النجاح في تحقيق مشاريعها و خططها للصالح العام . .
و بسبب موجات الغضب و الاحتجاجات السلمية التي عمّت البلاد بأطيافها مطالبة الحكومة بالحريات و الخدمات الأساسية التي تسبب بها الحكم باسم المحاصصة الطائفية، التي جابهتها الحكومة بالرصاص الحي وأدّت إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى . . والتي لم تتوقف وبإشكال متعددة، وبسبب مشاكل تتراكم بفعل سريان المحاصصة الطائفية ـ المغذّاة من الخارج ـ ، سريانها بعيداً في كل دوائر و هيئات الحكم الاتحادي و المحلي وإلى هيئات و مؤسسات البلاد و دوائرها . .
تصرّف رئيس الحكومة حتى بالمحاصصة الطائفية التي جاءت به، بتثبيتها إرضاءً لدوائر كبرى، و لكن ليس للانطلاق منها نحو حكم وطني ائتلافي متوافق، من جهة . . وإنما باستخدامها بما يعزز موقع (قائد ضرورة) و حزب طائفي قائد ـ بتقدير أوساط واسعة بما فيها أوساط حكم آخذة بالاتساع ـ . . سواء كان ذلك بعمد أو بدون عمد. و أدى به إلى تقريب من يؤيده كقائد، سواء من حزبه أو كتلته أو من كتل أخرى بغض النظر عن هوياتهم المذهبية وحتى الدينية والعرقية. . بمن فيهم عناصر من كبار القادة و الضباط المكروهين ممن عرفوا بمواقفهم الطائفية والشوفينية في سنوات حكم الطاغية المقبور ـ بأسلوب لايذكّر للأسف إلاّ بأسلوب الدكتاتور السابق ـ . .
وأمام ما تقدّم، يرى كثيرون بأنه من الطبيعي أن تنشط شخصيات وكتل متنفذة وغيرها لانتقاد ذلك . . ولمّا لايؤخذ بالمواقف الجادة المخلصة البنّاءة، فإن الأمور تتفاقم و تؤدي إلى تحرّك دستوري لكتل متنفذة للحد من تلك التوجهات، لأنها مسؤولة أمام ناخبيها و مكوّناتها . . تحركاً دستورياً يطالب بتنحي السيد المالكي واستقالة حكومته و فسح المجال لشخصيات وكتل أخرى سواء في المشاركة بحكومة جديدة أو بتكليف شخصية أخرى قد تكون من نفس كتلة السيد المالكي لتشكيل حكومة جديدة، عملاً بالدستور.
إلاّ أن تلك النشاطات الدستورية، وصفت من دوائر المالكي بكونها نشاطات تستهدف شخص السيد المالكي و تستهدف عزله، و ليس لتعديل المسيرة السياسية للجميع بسبب وصول الأمور إلى حدود خطيرة لتجاهل إيجاد حلول، حتى وصل إلى تفاقم الأمور . . التفاقم الذي أدى برئيس الحكومة المعروف بإرجاء المشاكل وليس نفيها، إلى اعتبار ذلك محاولة لعزله ليس إلاّ !! و صار يستعد لمواجهة محاولة عزله بالتلويح باستخدام العنف . . !!
و صار يؤدي بتقدير خبراء، إلى محاولة تحرّك المالكي رئيس الحزب الطائفي الحاكم للتقرب من السنّة ليس وفق أسلوب الكتل المتحاصصة وإنما بترضية و شراء و غض نظر عن ماضٍ غير نظيف لأشخاص ووجوه عشائر كما مرّ، و تلويح بكشف ملفات، لفرض قيادته . . من خلال محاولة إشعال حرب (قومية عربية) ضد الكرد ،مهدداً حكومة إقليم كردستان في مؤتمره الصحفي اليوم بـ (ربيع عربي . . وإن الصراع في العراق سيكون صراعاً قومياً) ، مبتدئاً ذلك بتهديد للكتل بإجراءات غير مسبوقة، و بتشكيله ـ كقائد عام للقوات المسلحة ـ قوات (عمليات دجلة)، على نسق إعلان حالة طوارئ بضم كل الصنوف المسلحة والساندة في مناطق تواجدها إليها، كما تتابع جهات عراقية من جهة، وجهات إقليمية ودولية ذات مصالح من جهة أخرى .
وأوكل تلك القوات لوجوه عسكرية كريهة في مناطق النزاع، من جهة . . كبداية لا يمكن السكوت عنها لمحاولة العودة إلى زج الجيش بحل المشاكل السياسية بدل تفرغه للدفاع عن البلاد، ومحاولته تصعيد التسلّح على حساب البناء للدفاع عن ثباته على كرسي الحكم . . في مخالفات صريحة وانتهاكات كبيرة للدستور، بلا مبالاة باندلاع حرب أو حروب جديدة، ناسياً أن العراق لا يزال تحت طائلة البند السابع . . الذي يضع العراق في قائمة الدول التي تشكّل أوضاعها غير المستقرة تهديداً للأمن والسلام في العالم، الأمر الذي يبيح للمجتمع الدولي التدخل العسكري فيه لإحلال السلام . . وفق معاني نصوصه. (يتبع)