لا يعد الاستفتاء على مصير الجنوب في السودان غداً -وفقا للعديد من المراقبين- استفتاء على مصير الجنوب فحسب، بل هو استفتاء على استمرار أواصر علاقات اجتماعية وروابط إنسانية مختلفة لأسر قد يصبح أفرادها من جنسيتين مختلفتين، وأبناء ستتوزع ولاءاتهم بين أم وأب، وجنوب وشمال، والانفصال حينئذ قد لا يحدث تغيرات في الخرائط وحدها، بل سيطبع أثره على القلوب والمشاعر والهوية.
وتتمثل الآثار الاجتماعية للانفصال المتوقع نتيجة الاستفتاء -وفقا للخبراء النفسيين- في تشتت الأسر وظهور هوية جديدة وزيادة التوتر الإثني والديني وتوتر العلاقات الاجتماعية والصداقات وقبول الآخر وظهور منعدمي الجنسية، وسيؤثر بشكل خاص على الزيجات المختلطة التي تكثر في السودان. زيجات مختلطة تنحدر أصول المدرس ألول دانيال ألول من قبيلة الدينكا في منطقة أويل بولاية شمال بحر الغزال، وهو من مواليد الخرطوم وفيها درس وعمل، وتزوج منذ سبع سنوات من وصال بلال عبد العزيز من قبيلة التعايشة إحدى القبائل العربية العريقة في دارفور، وأنجبا ابنهما دينق وابنتيهما توتا وليزا. ولم يواجه ألول -كما يقول- أي رفض من أسرة زوجته التي لم تنظر إلى مسألة الجنوب والشمال آنذاك، وتنعم أسرته الصغيرة التي تجمع -حسب رأيه- ثلاث مناطق جغرافية من السودان، باستقرار نسبي في منطقة أم بدة المتاخمة لأم درمان، لكن حديث الاستفتاء والانفصال ألقى بظلاله على مستقبلها. ويضيف مدرس الرياضيات واللغة العربية الجنوبي للجزيرة نت أنه ينتظر نتيجة الاستفتاء لتقرير مصير العائلة وأين ستعيش، مشيرا إلى أنه سيعود إلى الجنوب في حال الانفصال الذي قد يطيح -حسب رأيه- بكثير من الأسر المختلطة، لكنه استبعد أن تكون أسرته من بين الضحايا نظرا لتماسكها وتفهم زوجته. وأوضح ألول أنه قلق على مصير أبنائه من تبعات ذلك الانفصال، ويتمنى أن تكون هناك جنسية مزدوجة كي لا يحصل أثر اجتماعي خطير على العائلات وخاصة الأبناء ونظم العلاقات بين الناس، في حال حصول الانفصال بين الجنوب والشمال. من جهتها تبدي الزوجة وصال تخوفا من ترك الخرطوم والهجرة إلى الجنوب نظرا للوضع الجديد الذي سيكون مختلفا خاصة بالنسبة للأبناء، ويتطلب تكيفا من جديد، لكنها أبدت استعدادها لمرافقة زوجها أينما ذهب، مستبعدة حصول أي مشاكل بينهما إن حصل انفصال الجنوب. أما الرشيد أنور عبد المجيد من منطقة دنقلا بأقصى شمال السودان فهو متزوج من نادية جيمس المواطنة الجنوبية من قبيلة منداري في منطقة تالي بولاية الاستوائية الوسطى. وتعرف الرشيد على نادية من خلال عملهما في منظمات المجتمع المدني، لكنه يقول إن زواجه بها واجه رفض الأسرتين، مبرراً ذلك بما أسماه تعقيدات المجتمع السوداني الذي يصفه بأنه "مجتمع متأخر في أفكاره تجاه قبول الآخر". من جهة أخرى قالت اختصاصية علم النفس ندى حليم إن التأثير النفسي على المواطنين الجنوبيين والشماليين بعد الانفصال سيختلف من شخص لآخر، بحسب ما يسمى في علم النفس "تكوين الاتجاهات النفسية عند الفرد تجاه الآخر" وتصل هذه الاتجاهات النفسية –كما تقول - إلى مستوى ما يسمى الصور النمطية التي تحدد القبول أو الرفض عند الفرد، مشيرة إلى أن هناك كثيراً من الشماليين تكونت عندهم صور نمطية تجعلهم يرفضون الجنوبيين، كما تكونت عند كثير من الجنوبيين صور نمطية تجعلهم يرفضون الشماليين. وتؤكد أن الأسر -إذا انفصل الشمال عن الجنوب- ستعيش صراعاً نفسياً مهما كانت درجة الوعي أو الاتفاق بين الزوجين.
أواصـر اجـتـمـاعـيـة عـلـى مـحـك الاسـتـفـتــاء وتداعيات إثنية ودينية خطيرة

نشر في: 7 يناير, 2011: 05:47 م