بغداد / تبارك المجيد
وقعت منار، المريضة التي كانت بحاجة لإجراء عملية جراحية في معدتها، على ورقة دخول المستشفى الأهلي بسعر متفق عليه قدره 700 ألف دينار عراقي. ومع ذلك، عند مغادرتها المستشفى، اكتشفت أنها قد تكبدت تكاليف تصل إلى نحو 2 مليون دينار عراقي، وهو ما يفوق بكثير المبلغ الذي تم الاتفاق عليه مسبقاً.
واجهت منار (29 عاماً) مشاكل صحية تمثلت بألم شديد في معدتها، وبعد استشارة عدة أطباء، لم يتمكن أي منهم من تشخيص حالتها بدقة. أخيرًا، تمكن طبيب من تحديد المشكلة وأكد لها حاجتها لإجراء عملية جراحية عاجلة.
لتمويل العملية، استعارت منار المال من أحد أقاربها، معتقدة أن المبلغ المطلوب سيكون 700 ألف دينار كما تم الاتفاق عليه. لكنها تفاجأت بأن النفقات الفعلية شملت تكاليف إضافية تجاوزت 1.5 مليون دينار، وذلك لتغطية أجور المغذيات، الأدوية، والمستلزمات الطبية، بالإضافة إلى دفع أجور المرافقين الذين بقوا معها في المستشفى.
وتحدثت منار لـ(المدى) عن تجربتها قائلة: "طوال فترة تواجدي في المستشفى، شعرت بأنني أتعرض للاستغلال. كنت أخشى دخول أي شخص إلى غرفتي ليعطيني دواء، لأنني لا أعرف سعره ولا أملك تكلفته". وأضافت: "كان لدي من يساعدني في تغطية تكاليف العلاج، لكنني الآن أحاول تسديد ديوني. أفكر في أولئك الذين لا يملكون من يساعدهم، كيف سيكون حالهم؟".
وأوضحت منار أنها لو كانت قد وجدت الرعاية الكافية في المستشفيات الحكومية لما كانت قد فكرت في اللجوء إلى المستشفى الأهلي. ولكن، بسبب الطوابير الطويلة والانتظار في القطاع الحكومي، وكون حالتها لا تحتمل التأخير كما أكد لها الطبيب، اضطرت لاختيار المستشفى الأهلي.
وطالبت منار بوضع تسعيرة منصفة للخدمات الطبية في المستشفيات الأهلية، تُراعي قدرة المواطنين على تحمل تكاليف العلاج.
أسعار "خيالية"
تشير الأسعار الخيالية في المجمعات الطبية والصيدليات إلى وجود فجوة كبيرة في النظام الصحي العراقي. يثير هذا الوضع تساؤلات حول دور النقابات ووزارة الصحة في حماية المواطنين من استغلال أصحاب المستشفيات. فكيف يمكن للعراقيين الحصول على رعاية صحية مناسبة بأسعار معقولة؟
الدكتور سلون البياتي، طبيب يعمل في مستشفى أهلي، أشار إلى أن هناك جانبًا من الصحة في القول بأن "بعض الأطباء قد فقدوا إنسانيتهم، وهمهم الوحيد هو الحصول على المزيد من المال". لكنه أوضح أن "الأطباء يواجهون أيضًا تحديات وضغوطات تجعلهم في موضع صعب". وأضاف أن القطاع الصحي الحكومي في العراق يعاني من نقص حاد في المعدات والتجهيزات الطبية، ما يدفع المستشفيات الأهلية إلى استيراد هذه المعدات من الخارج بتكاليف عالية. هذه التكاليف تشمل الأسعار الباهظة للمعدات، بالإضافة إلى الإجراءات البيروقراطية التي تتطلب دفع مبالغ إضافية لتسجيلها في وزارة الصحة، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الخدمات الطبية في المستشفيات الأهلية.
وأضاف البياتي أن بعض المستشفيات الأهلية تفتقر إلى المعايير المهنية الصارمة، حيث تنتشر الأخطاء الطبية والتشخيصات الخاطئة، مما يعرض حياة المرضى للخطر. وأشار إلى أن "هذه المستشفيات تدار أحيانًا بمنطق تجاري بحت، مع تجاهل شكاوى المرضى من قبل الجهات المعنية".
ودعا البياتي إلى ضرورة تحسين الرقابة على المستشفيات الأهلية وتوفير مستشفيات حكومية جديدة، خاصة في المناطق النائية التي تفتقر إلى الخدمات الصحية الأساسية. وأكد أن "أغلب المجمعات الأهلية تعود لسياسيين ومتنفذين في الدولة، مما يصعب مراقبتها أو السيطرة عليها، خاصة في المناطق التي تشهد سيطرة كاملة من قبل ذات الجهات والأشخاص".
القطاع الصحي في مدينة هيت
مدينة هيت، شمالي الرمادي، تواجه تحديات كبيرة في القطاع الصحي، حيث تفتقر إلى المستشفيات الأهلية ولا تتضمن سوى مستشفى حكومي واحد. الدكتور مؤيد الهيتي، طبيب اختصاص في المدينة، أوضح أن "المستشفى الحكومي يغطي فقط حوالي 30 في المئة من احتياجات السكان. يعاني المستشفى من نقص حاد في الأدوية، حيث يُعطى المرضى جزءًا فقط من العلاجات التي يحتاجونها، مما يضطرهم لشراء الباقي من الخارج بأسعار مرتفعة، تفوق قدرة العديد من المواطنين". وأكد أن "غياب القطاع الحكومي سمح للقطاع الأهلي بالتمادي، وكان المواطن هو الضحية".
وأشار الهيتي إلى أن "المجمعات الطبية الأهلية المتواجدة في المدينة تستنزف جيوب المواطنين، حيث الأسعار خيالية والصيدليات تضطر لرفع أسعار الأدوية نتيجة للعمولات التي يتقاضاها الأطباء من وصف الأدوية". وأوضح أن هذا الواقع ينعكس على جميع محافظات العراق.
وأكد الهيتي أن العديد من الصيدليات لا تلتزم بتسعيرات الأدوية المحددة من قبل نقابة الصيادلة ووزارة الصحة، مشيرًا إلى أن بعضها يصرف أدوية زائدة عن الحاجة لتحقيق مكاسب أكبر. وأضاف أن "بعض الأطباء يلجؤون إلى كتابة الوصفات الطبية بخط مشفر لا يفهمه سوى الصيدلية المجاورة، مما يجبر المرضى على شراء الدواء بالسعر المفروض دون منافسة".
وطالب الهيتي نقابة الأطباء بمحاسبة الأطباء الذين يكتبون الوصفات الطبية بشكل غير واضح، وحثهم على استخدام الوصفات المطبوعة بدلاً من الكتابة بخط اليد لتجنب الأخطاء، كما طالب بمتابعة الصيدليات والمضمدين الذين قد يصرفون أدوية دون مراعاة لأضرارها المحتملة.
زيادة التخصيصات المالية
أكد الدكتور أسامة هادي حميد، المتحدث الرسمي لنقابة صيادلة العراق، على أهمية زيادة التخصيصات المالية لقطاع الرعاية الصحية لمواجهة النقص الحالي في الأدوية والمستلزمات الطبية. وأوضح أن "النقابة تعتبر أن هذه الزيادة ضرورية لتتمكن وزارة الصحة من تطوير خدمات الرعاية الصحية المقدمة للمواطنين، وضمان توفير الكميات والنوعيات المناسبة من الأدوية الضرورية لعلاج الحالات المرضية المختلفة".
وأشار حميد إلى أن "العراق يضم 28 معملًا دوائيًا وطنيًا، سواء كانت حكومية أو أهلية، تنتج مجموعة واسعة من المستحضرات الدوائية، بما في ذلك المسكنات والمضادات الحيوية، بالإضافة إلى أدوية الأمراض المزمنة وعلاج الأمراض السرطانية". وأكد أيضًا أن هناك العديد من مشاريع إنشاء معامل دوائية جديدة تنتظر الموافقة على إجازة البدء بالإنشاء، مما يعكس التزام الدولة بدعم الصناعة الدوائية الوطنية وتعزيزها للوصول بها إلى مستوى الدول المتقدمة في هذا المجال.
وأضاف حميد أن "نتائج توطين الصناعة الدوائية الوطنية ستكون ملموسة خلال السنوات الخمس القادمة، مع إمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي أو شبه الذاتي من الأدوية والمستلزمات الطبية للقطاعين العام والخاص".
نقص الأدوية والمعدات: كيف يدفع القطاع الحكومي المرضى إلى المستشفيات الأهلية؟
نشر في: 1 سبتمبر, 2024: 12:11 ص