ثامر الهيمص
رغم الوضع الاستثنائي في الشرق الاوسط، المؤدي على الاقل الى تغيرات جيوسياسة في المنطقة، فاننا لسنا بعيدين عن تجاذباتها، ولكن هكذا كان ويجب ان يكون، استعدادا لمجاهيل لسنا طرفا مباشرا لها رسميا، كما اننا امام مستحقات ملحة’ تتفاقم يوميا’ وعلاج اليوم خير من الغد.
لنعلن متأخرين جدا عن الموازنه السنوية لعامنا هذا، لتصبح (خمس) الخطة الخمسية (2024—2028) وهكذا توكلنا لوضع لبنتنا الاساس من خلال الموازنة الحالية، كسنة اولى ابتدائي، بوضع خطة خمسية، وايضا مواكبة ومكملة لمشروع طريق التنمية،’ من الفاو الى تركيا فأوروبا، كنوع ايضا من التحدي الاقتصادي،, الذي لم يباركه الحليف الامريكي.
(املين ان تعدي على خير)، لتصبح خطة اساس والسنه الحالية حجر اساسها، باعتبار اننا نفتقر لاي تخطيط منذ اكثر من اربعين عاما, وبعد ان باتت الصناعة والزراعة في اسفل السلم وهما القطاعين الاساس, اذ بلغت تخصيصاتهما اقل من 1%, ليشكلان حافزا محوريا للاندفاع نحو تنمية حقيقية سيما باقترانهما بطريقنا للتنمية, اضافة للمهمة التقليدية لهما في اقتصاد ديناميكي بعيدا عن الهشاشة كما عودنا عليها الريع النفطي, الذي اوصلنا لعاهة الاستبداد والفساد(والذي منه).
فمن خلال السنة الاولى للخطة التي نضع نواقصها ومعالجاتها امامنا، لتدارك الخلل البنيوي، سيما وهي حلقة الوصل او العقدة الاساس في الانتقال الى الاقتصاد المخطط بالحد الادنى، بعد فشل التخطيط المركزي عالميا ومحليا، وبعد تراجع اللبرالية, اذ كنا لعشرين خلت من السنوات احد ابرز حقول ومسارح التجربة برعاية ودراية امريكية, (وكان ما كان).
لنعود الى التخطيط المركزي(بتنفيذ لامركزي) اذ اللامركزية بدون تخطيط هي الثمرة المرة للبرالية كما جسدتها المشاريع المتلكئة والوهمية، لتظهر جلية العاهات في الموازنة الحالية, المفترض انها سنة اساس, اي تقاس الامور قبل وبعد في ضوء ارقامها، والعاهات هي:
(اولا) لدينا عجز قياسي (64ترليون دينار) رغم تعديل سعر البرميل من (70دولار الى 80 دولار), ولهذا خدمته اي فوائده سواء كان خارجيا او داخليا سيما والحارس الامين (صندوق النقد الدولي) يتربص ويتدخل في اقتصادنا النقدي بموجب ديونه واتفاقية باريس بشروطها. لنبقى اسرى الهشاشة النفطية.
(ثانيا) لدينا 8 ملايين مشمول بالرعاية الاجتماعية وفي تزايد، اما عن بطالة لغياب المشاريع او نتيجة تجاوزات تعلن عنها سنويا من فضائيين وغير مستحقين, في ظل اجواء فساد لا نحسد عليه, كما اننا لا نعلم عن مبالغها الحرام بأي نفق نفقت.
(ثالثا) كلفة الامن والدفاع وصلت 16% من الموازنة فهي تزيد عن تخصيصات (الصحة والتربية والتعليم والصناعة والزراعة مجتمعة) (جريدة طريق الشعب ليوم 8/اب/2024). ومع ذالك داعش يباغتنا وازمة البككه تستعصي, ناهيك عن الجريمة المنظمة والسلاح المنفلت يراودنا. اذن المسألة ليست بالعدة والرجال ربما.
(رابعا) تسمو موازنة الاوقاف على الزراعة والصناعة مجتمعة, رغم ان الاولى لديها موارد, قد تؤهلها ان تكون دائرة ممولة ذاتيا, ان لم تفيض او تقرض الوزارات غير السيادية وغير الدسمة. وبدون فوائد, هل هذا وارد تنمويا؟
(خامسا) المشاريع المتلكئة, باتت عنوانا وبالبنط العريض المخزي المحرج لذوي العلاقة، اذ خسر العراق من خلال المشاريع المتلكئة 16 مليار دولار، اي حوالي ثلث الموازنة الاستثمارية الحالية البالغة (55) ترليون دينار، وحوالي ربع العجز القياسي. اذ هناك مشاريع لم تنجز منذ 15 عام, منها ثلاث مستشفيات لم تر النور سوى على الورق مدفوعة الكلف كما يقول وزير صحة سابق (شبكة الساعة).
(سادسا) لدينا مشاريع منتجة ترفض دوائر الدولة المعنية الشراء منها, اي تفضل الاستيراد. وعلى رؤوس الاشهاد ورغم تعليمات الدولة ورئاسة الوزراء, كون الوزارة المعنية اقطاعية وعلى عينك يتاجر يا عراقي. وهذه من بركات التحاصص اللبرالي. هل هذا يخدم خطتنا الخمسية او السنوية؟ اننا ننتج اسلحة ورفضت رغم مجاهرة الدائرة الحكومية المنتجة باعلى صوتها؟، وهكذا في الملابس والجلود, وهكذا باقي الدوائر وصولا لوزارة الصحة ومعمل سامراء للادوية وهو يستغيث.
هذا غيض من فيض وكما ظهر جليا لدرجة يصعب جدا الدفاع عن هذه الثغرات التي تتسع مع الايام, انها مقدمة ودعامة لتراجع, لتتحول المشاريع من التلكأ الى التقادم والتهرء وصولا للسكراب.
اذن السبب الاول هو الاقطاعيات الناجمة عن تقاسم وتناغم، بعد غياب الكفاءة ليحل الولاء من الوزارة الى اصغر دائرة، مدمرين اي الاستثمار الناجح مهما كانت رصانته حيث الرصانة لها ثمن وهو سبب غياب الحلفاء وتحفظ الاصدقاء.
قد تكون الصورة قاتمة وهذا غير مفاجئ ونحن نبتلي بالمضاعفات الاجتماعية اولها التفاوت الطبقي حيث حصل استقطاب حاد وشديد من خلال الاقطاعيات المتغانمه المتخادمة، ليفرز لنا سلاح منفلت للايجار’ مع غياب الشفافية لتصل الى المخدرات ذات القاعدة العريضة من العاملين كما نسمع يوميا ونرى, تتعايش مع الجريمة والسلاح المنفلت.
لذا نختم بحلول الحد الادنى وحسبما يلي:
1)) عودة الرقابة المالية بهيبتها ونفوذها السابق منذ تأسيسها في الثلاثينيات من القرن الماضي, لتقدم موازنة رصينة في ضوء ارقامها اليومية من ميادينها مباشرة, من (الخضراء الى البيداء) ولا نترك الموازنة كرة لملعبي مجلس الوزراء والبرلمان.
2)) فرض القانون من الخضراء الى البيداء ايضا, ومع بديهيات الدستور في العدالة والمساوات والحقوق والواجبات, ردما للفجوات التي حصلت فسادا او لبرلة او استهانة, وذلك من خلال قوننة مواد الدستور, ولا نكتفي بالمحكمة الاتحادية فقط, واول هذه القوانين قانون النفط والغاز, الذي بات عقدة العقد.
3)) اعادة النظر بصلاحيات المركز والاقليم, كون الاقليم تقتدي به المحافظات بما ينسجم و مصالح المتنفذين في الطرفين, ولنكف التنافس’ بين المحافظ والاقليم, وخير شاهد على هذه المتاهات هو ديالى وكركوك وما كرسته الطائفية والعنصرية, ناهيك عن ازمة رئاسة البرلمان. وهذه لا تخدم التنميه بل تعرقلها
4) وضع حد لازمة المنافذ تصديرا اي تهريبا للنفط وغيره, واستيرادا باتمته رحمانية شاملة لجميع المنافذ نهائيا’ والا لا امل في انتاج وطني’ اذ لا زلنا نستورد مشتقات ونحن اهلها ولا نهرب خام برا وبحرا كما يقال,
بدون سد هذه الثغرات وما خفي منها الاعظم، ليس ممكنا الا بقدرات استثنائية لتنفيذ الخطة الخمسية وكيفية تعشيقها مع طريق التنمية، املنا واجيالنا في وضع حد لفقر مدقع لربع الشعب سيذهب مرتزقة لمافيات المخدرات التي تتعاظم علينا كساحة وجغرافية وسط الشرق الاوسط.
عندما تكون الساحة مفتوحة لها نتائج تكاد تساوي انغلاقها، لا يحسم هذا الامر بالاستقواء بالداخل او الخارج، بل بالمتاح من قوة بديلة في الداخل ببعد نظر, ونحن لدينا المؤهلات تاريخيا وجغرافيا وموارد, تكفي لتشكيل قوة داخلية من خلال بعث الطبقة الوسطى الجامعة’ بصناعييها والزراعة بملاكيها بزراعة حديثة، اما النفط والغاز فأنه لم يعد كاف لمواجهة الزحف الديمغرافي، اذ لدينا عشرة ملايين فقير حسب معايير الامم المتحدة، هؤلاء لم يشبعهم ويواجه معاشهم النفط والغاز ولا الشعارات المجربة، اذ الابتكار يبقى سيد الموقف في كل الاحوال هو حبل النجاة.