واسط / جبار بچاي
سجلت محافظة واسط خلال 24 ساعة حالتي انتحار لشابين في العشرينيات من العمر، وقعت إحداهما في ناحية شيخ سعد والأخرى في قرية البتار، 13 كم شمال الكوت. وفيما لم تكشف التحقيقات التي تجريها القوات الأمنية عن الدوافع الحقيقية التي تقف وراء انتحار الشابين، فإن هناك شكوكاً تحوم حول جماعة القربان، خاصة وأن أحد الشابين ترك رسالة لوالده يخبره فيها بنيته الانتحار. ويرى ناشط مدني أن تراخي العائلة وعدم متابعة الأبناء، والدور المهمل للعشيرة، ساهما في تنامي الظاهرة التي تعد من الظواهر الدخيلة على المجتمع العراقي. مؤكداً أهمية تفعيل دور منظمات المجتمع المدني بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية المختصة بتنظيم محاضرات وورش للشباب للحديث عن هذه الجماعة المتطرفة والإجراءات العقابية التي يمكن أن تتخذ بحق المنتمين لها.
وكشف مصدر أمني في محافظة واسط أن “الأجهزة الأمنية في المحافظة سجلت حالتي انتحار لشابين كلاهما في العشرينيات من العمر وذلك في غضون 24 ساعة فقط، دون أن يتم حتى الآن التوصل إلى الأسباب والدوافع التي تقف وراء انتحار الشابين".
وأوضح أن “الحالة الأولى سجلت في ناحية شيخ سعد، نحو 55 كم جنوب شرق الكوت، وكانت لشاب يبلغ من العمر 22 سنة يسكن مع ذويه. وتفيد المعلومات المتوفرة عنه بأنه شاب مهذب وليست لديه مشاكل، وأنه ملتزم دينياً وعلاقاته مع أقرانه جيدة لكنها محدودة".
وأشار المصدر الأمني إلى أن “المعلومات الأولية التي تم جمعها ومن خلال الأحاديث التي سرت في المدينة تشير إلى أن الشاب قد انضم إلى كروبات دينية، وأن والده تلقى رسالة من ولده يوم الحادثة تفيد بأنه سيقدم على الانتحار، لكن لم تعرف حتى الآن أسباب الحادثة وكل تلك المعلومات وغيرها ما تزال في طور التحقيق".
وكشف المصدر عن أن “حالة الانتحار الثانية التي سجلت في منطقة ريفية كانت بدوافع نفسية وفق التحقيقات الأولية، حيث يدعي ذوو الشاب المنتحر أنه يعاني من مشاكل نفسية تحول دون اندماجه في المجتمع كما هو حال زملائه الآخرين، لكن تلك المعلومات لم تعد دليلاً قاطعاً على انتحاره". وقال إن “التحقيقات ما تزال مستمرة بخصوص الحادثتين وتحتاج إلى مزيد من الوقت للوصول إلى الحقيقة، ولا نستبعد أن تكون الحالة الأولى مرتبطة بجماعة القربان، لكن التحقيق ما زال مستمراً لحين التوصل إلى النتائج النهائية". في الأشهر الأخيرة، سُلطت الأضواء على مجموعة دينية غامضة ظهرت قبل عدة سنوات واختفت لفترة، تعرف باسم “جماعة القربان”، بالتزامن مع إعلان السلطات شن حملة أمنية واسعة لملاحقة أفرادها الذين يقدمون على الانتحار طواعية “تقرباً” للإمام علي بن أبي طالب، رابع الخلفاء الراشدين.
وأعلن جهاز الأمن الوطني، أمس الاثنين، عن حصيلة جديدة من المعتقلين من أعضاء “القربانيين” أو “العلاهية”، والذين تكشفت تفاصيلهم مؤخراً وبدأ الأمن الوطني بملاحقتهم نتيجة الممارسات الخطيرة التي يقومون بها والمتمثلة بالانتحار عبر “القرعة”.
وقال الجهاز في بيان إنه “استمراراً لمتابعة جهاز الأمن الوطني في ملف الحركات السلوكية المنحرفة، لا سيما حركة ‘القربانيين’، واستناداً إلى معلومات استخبارية دقيقة، وتكثيف الجهدين الفني والميداني، تمكنت مفارزنا في محافظة المثنى من إلقاء القبض على (20) متهماً من الحركة، ومنهم العارف، وهي تسمية تطلق على المنظرين لهذه الحركة أو بمعنى (المبلغ والداعية)". وأضاف الجهاز: “كما تمكنت مفارزنا في محافظات (ذي قار وواسط وميسان) من القبض على (27) متهماً ينتمون للحركة، ليتم إحالتهم جميعاً إلى الجهات المختصة واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم.”
وأشار إلى أن جهاز الأمن الوطني كان قد أعلن مطلع تموز الماضي عن اختراق هذه الحركة التي يطلق عليها أيضاً (العليُ اللهية)، حيث يقوم أفرادها بالترويج لأفكارٍ منحرفة تتلخص بقيامهم بإجراء قرعة ومن يقع عليه الاختيار يقوم بالانتحار شنقاً.
من جانبه، يرى الناشط المدني مالك القريشي أن “الضعف الرقابي للعائلة على أبنائها وتراخي العشيرة عن متابعة شبابها يعد سبباً من الأسباب التي أدت إلى تنامي ظاهرة الانتحار وشيوعها بين الشباب". وأضاف القريشي لـ(المدى) أن “تزايد حالات الانتحار في صفوف الشباب في الفترة الأخيرة وفي مختلف المحافظات، ومنها واسط، بسبب الحركات المنحرفة والدخيلة على المجتمع، بات أمراً ينذر بالخطر ويهدد بنية المجتمع، خاصة الشباب فيه.” مشيراً إلى أن “الدور الرقابي للكثير من العائلات ما زال غائباً، ولابد من أن تضع العائلة أبنائها الشباب تحت المراقبة ومعرفة انتماءاتهم الفكرية والعقائدية، كذلك لابد من التعرف بصورة دقيقة على أصدقائهم ومعرفة توجهات الأصدقاء".
وأوضح أن “هذه المراقبة ينبغي أن تمتد إلى كيفية تعاملهم مع مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك طبيعة القراءات التي يقوم بها البعض منهم للكتب وغير ذلك".
وقال: “تلبية لنداء الواعين من شبابنا ومشايخ عشائرنا الكريمة والوجهاء، سنباشر وبالتنسيق مع الجهات الأمنية المختصة ورجال الدين بعقد ندوات ومؤتمرات ثقافية لمواجهة هذه الحركة الخطرة التي تحاول استغلال الشباب المراهقين بأفكار منحرفة لا وجود لها".
ودعا منظمات المجتمع المدني إلى “أخذ دورها في هذا الجانب وأن تكون فاعلة وتتابع حركات الشباب والوقوف على التوجهات التي فيها شكوك نحو الانحراف الفكري ووضع الحلول والمعالجات قبل فوات الأوان"، معتبراً أن “الأفكار التي تحملها تلك الجماعات، والتي يطلق عليها (القربان)، دخيلة على المجتمع العراقي وبدأت تعطي نتائج سلبية وقد تصبح تلك النتائج كارثية في حال استمرت حالات الانتحار بين الشباب دون رادع حقيقي، وقبل ذلك معرفة الأسباب والدوافع الحقيقية".
وتطرح جماعة القربان أو “العلاهية”، أفكارًا وطقوسًا غريبة، أخطرها الانتحار أو “التضحية بالنفس” كما يسمونه في المناسبات الدينية، وغالباً ما يترك ضحاياها رسائل مكتوبة تتحدث عن كونهم “قرابين للإمام علي”. وظهرت لهذه الجماعة منشورات مثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي وتُعد ممارساتها خروجاً صارخاً عن المعايير الاجتماعية والدينية المقبولة.
ووفق طقوس وممارسات تلك الجماعة، فإنها تقوم بإجراء قرعة بين أعضائها تُعرف بقرعة القربان، ومن تقع عليه القرعة يجب أن ينتحر ليكون قرباناً وفق معتقدات تلك الجماعة. ويعد ذلك طقساً سنوياً من شعائر الجماعة، التي تشابه طقوس الأضاحي التقليدية لكنهم يستبدلونها بالنفس البشرية للتقرب من المولى. وتعتبر هذه الجماعة محظورة في الدستور والقوانين العراقية. ويعتقد أتباعها بألوهية الإمام علي بن أبي طالب. وأن الانتماء لها يقود إلى المؤبد أو الإعدام وفقًا لأحكام المادة 372 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل.