الفساد، ببساطة، هو عكس النزاهة. وان كانت له أشكال وألوان متعددة كالأخلاقي والاقتصادي والسياسي والإعلامي والإداري، فالأخير لا يعني، كما قد يتصور البعض، ملأ الجيوب بالمال العام، فقط، بل هو ، في اقل اضراره، تدمير لمستقبل العباد والبلاد.
تفاقمه يعني، بما لا يقبل الشك، ان السياسيين والحكام الذين يديرون شؤون البلد يضعون مصلحتهم الخاصة فوق مصلحة الشعب. ويعني ايضا ان الخدمات، التي يفترض ان تقدمها الدولة للمواطن مجانا تصبح مدفوعة الثمن (رشوة).
هذه المفاهيم كانت هي محور المعايير التي اعتمدتها "منظمة الشفافية العالمية" لتقييم درجة الفساد الاداري في دول العالم. المقياس الذي طبقته يتدرج من 0 الى 100. انه كما الامتحانات او الاختبارات المدرسية. الناجح الافضل او "الأنزه" هو من يحصل على درجة اعلى. طبعا لم تجد المنظمة دولة حصلت على الـ 100، لكن هناك دولا اجتازت الامتحان باكثر من 90 درجة. العراق حصل على 18 من 100. انه في اسفل قائمة الدول النزيهة شأنه شأن افغانستان والسودان والصومال، فالف مبروك لدولة القانون.
ان "سقوط" العراق في امتحان النزاهة يعني ان هيئة النزاهة فاشلة. ومن يسقط في الامتحان أمامه طريقان: اما ان يترك الدراسة ويجد له طريقا آخر للعيش، او ان يراجع نفسه ويحاسبها ويجد ويجتهد من جديد لينجح. لكن ما هو رأيكم لو قلت لكم ان هيئة النزاهة عندنا فخورة بهذه النتيجة"؟! هل تعلمون ان لدى الهينة "اكاديمية" عراقية شارك اعضاؤها، قبل أيام، بمؤتمر دولي يهدف الى تأسيس اكاديمية دولية لمنح درجة الماجستير في مجال مكافحة الفساد؟! لو بس أعرف بيا وجه؟
حين قرأت الخبر الذي يخص الاكاديمية، ومن قبله نتائج المنظمة الدولية، تخيلت طالبا جامعيا يدرس اللغة العربية في احد الكليات قد حصل على 18 من 100 في الامتحان النهائي. لكن الجامعة بدلا من ان ترقن قيده، لانه فاشل، عينته معيدا لتدريس اللغة العربية!
بصراحة احترت في وصف هؤلاء الذين لم يكتفوا بالضحك على عقولنا بل صاروا يضحكون على دول العالم باعتبار ان تجربة العراق "الجديد" مثال يجب ان يحتذى به فصاروا يسافرون بها كل يوم الى بلد!
حيرتي دفعتني ان استرشد برأي استاذ كان قد درسني في ايام الجامعة، فقال لي، اطال الله عمره، ان هذا هو "التجعمص" بعينه. ضحكت حال سماعي المفردة حتى دون ان افهم معناها بالضبط. وما هو "التجعمص" يا استاذي؟ طلب من ان انتظره قليلا ثم أتاني بكتاب "موسوعة الكنايات العامية" لعبود الشالجي وقال لي اقرأ، فقرأت:
يتجعمص: كناية عمن يتواقر ويدعي المعرفة وهو خال منها، تقال للطنز. قال الكرخي من قصيدة تضمنت محاورة بين الذئب والحمل:
كلـه الذيب: تتكلم نحـو طرطـور زيد ضرط، كبّ ارماد بالتنور
تتمضرط، وتتجعمص، أبو البعرور من أين العلم يأتيك والأشعار؟