ديانا جويد
في لحظة مفاجئة، انطفأ ضوءٌ ساطعٌ في سماء الأدب. هكذا ومن دون مُقدّمات رحل عنّا الكاتب، السيناريست والناقد السينمائي "حسن سامي يوسف" المُشبع بالروح السورية، رغم فلسطينيته التي كان يتنفسها كما يتنفس الهواء. لذا لا غرابة إن عنون باكورة أعماله الروائية ب "الفلسطيني"
عاش "حسن" بين كلمات رواياته مُحمّلاً بهموم الحب وبساطته وجماله الفائض، وفي الوقت ذاته جابه قساوة الواقع بما يحمله من مفاجآت واحتمالات. فروايته الشهيرة "عتبة الألم" على سبيل المثال، لم تقدم لنا مواضيع عابرة، أو قضايا هامشية، بل كانت جسراً مُدعّماً بالثقافة والفكر والفن والمشاعر النبيلة، يمتد بين عواطفنا الجياشة، وما يعتمل في زوايا الروح من خبايا وأسرار حيث تختلط الذكريات والمشاعر وتنصهر في بوتقة الحب، إلى هنا وصل بنا يوسف بسلاسة وهدوء، ونسج بحرفية ملفتة خيوط عوالمه الفريدة التي تتجاوز المألوف، وجعلنا نعيش معه كأننا أبطال رواياته. نقرأ "رسالة إلى فاطمة" فنشعر أن الكلمات موجهة لنا شخصياً. ثم نبحر في "الزورق" فنشم رائحة البحر ونضحك أو نبكي أو نصارع مشاعرنا كما يصارع الزورق الموج. ثم نقف معه "على رصيف العمر" ونتجاوز "عتبة الألم" لنصل إلى "بوابة الجنة" حيث نقابل "فتاة القمر" فنبحث ونناقش "هموم الدراما" قبل أن نصحو من نشوتنا ونعود إلى الواقع، لكن ليس إلى الواقع الذي انطلقنا منه، بل إلى مستوى آخر أكثر اتساعاً، و أقل ظلمة. هذا هو الروائي "حسن سامي يوسف" هذا أثره على من يقرأه وهذا ما ننتظره من الأدب والفن عموماً. وبنفس الطريقة وبذات الروح دخل "يوسف" عالم الدراما فأغناه بفكره وثقافته التي تظهر جلية في كل عمل من أعماله، وهذا حقيقة ما يميزه ويمنحه خصوصية لا نجدها عند الكثيرين ممن خاضوا في هذا المجال. هل نتكلم عن "شجرة النارنج" أم "الشقيقات" أم "نساء صغيرات" أم عن "أسرار المدينة" و"الانتظار" و"زمن العار" و"الغفران" و"فوضى" و"الندم" (الذي أُخذ عن روايته الشهيرة، عتبة الألم) وغير ذلك من الأعمال المهمة الأخرى التي ستبقى طويلاً في ذاكرة الناس كزاد، ثقافي فكري، فني، إنساني..
شاءت الأقدار أن تضع حداً لمسيرة الكاتب "حسن سامي يوسف" عند هذا الحد، في الوقت الذي كنا ننتظر منه المزيد. فمسيرته الغنية في عالم الرواية لم تكتمل، ونحن نعلم أنه ترك فوق مكتبه مخطوطاً لم ينته منه بعد. كذلك في عالم السينما رغم مسيرته القصيرة ترك بصمته الخاصة التي للأسف كانت بحاجة لزمن أطول وتجارب أكثر كي تتبلور وتكمل اللوحة البانورامية الابداعية لهذا الرجل الغني بفكره وثقافته وأحلامه التي لا حدود لها. فخمسة أفلام - رغم أهميتها - كحصيلة نهائية ليست كافية بالنسبة لمحبي "حسن سامي يوسف" لكن الموت كان له رأياً آخر حين حضر بكامل هيبته وقسوته ووضع نقطة في وسط السطر.
إذاً رحل "حسن سامي يوسف" رحل صاحب الموقف المبدئي والقلم الحر. رحل تاركاً خلفه الكثير من الدمع و زوبعة من المشاعر والأفكار والآمال، وحشداً من الأصدقاء والمحبين المفجوعين، بالإضافة إلى بلدٍ يخوض صراعاً عنيفاً من أجل البقاء. رحل تاركاً فلسطينه تكتب تاريخها ومستقبلها بالدم. رحل كقامة إبداعية كبيرة لكن روحه ستبقى تتلاطم في أمواج الحلم مذكّرة إيانا بأن الحياة ليست سوى عملية ترتيب للأبعاد بين الندم والانتظار في رحلة لا تنتهي، فهنيئاً له على هذه الخاتمة وهذا السمو الذي ارتقى إليه.
في وداع "حسن سامي يوسف"
نشر في: 5 سبتمبر, 2024: 12:22 ص