TOP

جريدة المدى > سياسية > زواج القاصرات في العراق: كيف تؤثر التعديلات القانونية على مستقبل الفتيات؟

زواج القاصرات في العراق: كيف تؤثر التعديلات القانونية على مستقبل الفتيات؟

نشر في: 5 سبتمبر, 2024: 01:10 ص

المدى – تبارك المجيد
في ظل تصاعد قلق المجتمع المدني من التعديلات المقترحة على "قانون الأحوال الشخصية" في العراق، تظهر الإحصائيات الرسمية أن واحدة من كل أربع فتيات تتزوج قبل بلوغ سن الرشد. وفقاً للبيانات الأخيرة، تم تزويج 5129 فتاة تحت سن الـ18 خلال عام 2023 فقط. وفي الفترة ما بين كانون الثاني وتشرين الأول 2023، صدقت المحاكم العراقية على 37,727 زواجاً تم خارج إطار القانون، مقابل 211,000 زواج مدني.
تشير المادة 10 من "قانون الأحوال الشخصية" لسنة 1959 إلى حظر زواج القاصرات خارج إطار المحاكم في العراق. ومع ذلك، وبحسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، يعقد رجال الدين آلاف الزيجات سنوياً خارج إطار القانون، بما في ذلك زيجات الأطفال، مما يعد انتهاكًا صريحًا لحقوق النساء والفتيات ويعرضهن لمخاطر اجتماعية واقتصادية جسيمة.
تحدث القانوني علي القيسي لـ(المدى) بشأن هذه الظاهرة، ووصف زواج القاصرات بأنه "أشبه بالقتل للأطفال وإنهاء حياتهم في وقت مبكر". وأوضح أن "الذين يستندون إلى زواج ابنة الرسول كمبرر يتجاهلون أن الظروف والتكوين الجسدي والنفسي للإنسان قد تغيرت بشكل جذري على مر العصور".
وأوضح القيسي أن التعديل المطروح حاليًا على قانون الأحوال الشخصية يشمل العديد من النقاط المثيرة للجدل، أبرزها إلغاء العقوبة المفروضة على الزواج خارج المحكمة، والتي كانت تتضمن الحبس لمدة ٦ أشهر أو فرض غرامة مالية. وأشار إلى أن مجلس النواب اتجه نحو إباحة تصديق عقود الزواج الخارجية، مما يفتح الباب أمام زواج الأطفال وفق بعض التفاسير الدينية.
وأضاف القيسي: "تمرير هذا التعديل دون مناقشة مؤشرات الخطر التي يحملها يعكس توافقات سياسية بين الكتل البرلمانية، التي تهدف إلى تحقيق مكاسب انتخابية على حساب حقوق النساء والفتيات". وأكد أن هذه التعديلات تشكل خرقًا للمادة 14 من الدستور العراقي، التي تنص على المساواة بين أفراد المجتمع.
وعن سبب اختيار الزواج خارج المحاكم، أوضح قائلاً، أنه "يعود السبب للتحايل على شروط الزواج الواردة في قانون الأحوال الشخصيّة، وخاصة القيود المفروضة على زواج الأطفال والزواج القسري وتعدد الزوجات، وفي حالات أخرى، قد يرفض الزوج الزواج وفق القانون لتجنب دفع النفقة الزوجية في حالة الطلاق".
وفي إطار جهود التصدي لهذا التعديل، أُنشئ تحالف جديد باسم "تحالف 188" لرفض تمرير هذه التعديلات. يهدف التحالف إلى حماية الهوية الوطنية ومنع أي تشريع من شأنه تفكيك المجتمع العراقي. وقال القيسي: "نحن سنستمر في الدفاع عن حقوق الإنسان والطفل، وسنقف بحزم ضد أي تشريع يهدد تماسك المجتمع العراقي".
وبحسب "بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق"، فإن 22 في المئة من الزيجات التي تتم خارج المحاكم هي لفتيات قاصرات، دون سنّ 14 عاما.
حرمان من الحقوق!
وتظهر مخاطر الزواج غير المسجل بوضوح عند عدم قدرة النساء والفتيات على الولادة في المستشفيات الحكومية لغياب عقد الزواج المدني، مما يجبرهن على الولادة في المنزل في ظروف غير آمنة، تزيد من احتمالية حدوث مضاعفات طبية خطيرة تهدد حياة الأم والجنين، خاصة عندما تكون الأم طفلة.
وتواجه الفتيات في العراق حرمانًا من التعليم ومشكلات نفسية واجتماعية جسيمة نتيجة زواجهن في سن مبكرة، حيث يتم تبرير هذا الزواج بحجة أنهن "مستعدات جسديًا". هذا ما أكدته الناشطة النسوية نجوان علي في لـ(المدى)، مشيرة إلى أن "الفتيات في هذا العمر غير مؤهلات لتحمل مسؤولية فتح بيت وتكوين أسرة. فالزواج يتطلب وعيًا وإدراكًا لطبيعة هذه المؤسسة".
وأضافت علي، أن "تزويج الفتيات القاصرات هو أحد الأسباب الرئيسية وراء ارتفاع معدلات الطلاق في العراق، حيث تفتقر الفتيات في هذا العمر إلى النضج اللازم للتعامل مع تحديات الزواج"، وأوضحت أن "زواج القاصرات يؤدي إلى مشاكل اجتماعية عديدة، منها حرمان الفتيات من التعليم وفرص العمل، مما يتسبب في ضياع مستقبل الأطفال وارتفاع معدلات العنف الأسري".
وأعربت علي عن رفضها القاطع لتعديلات قانون الأحوال الشخصية التي تسعى لتشريع زواج القاصرات، معتبرة أن هذه التعديلات تساهم في "تشريع الاغتصاب قانونيًا". وشددت على ضرورة فرض عقوبات صارمة على رجال الدين الذين يزوجون الأطفال ويسمحون بانتهاك حقوقهن، بدلاً من تمرير قوانين تشرع هذه الانتهاكات.
وأضافت: "منذ سنوات ونحن نطالب بمحاسبة رجال الدين ممن يزوجون القاصرات بشكل غير قانوني خارج المحاكم، وفرض عواقب صارمة على الابوين، الا ان البرلمان الحالي يحاول اباحة هذا الزيجات قانونياً من خلال التعديلات التي يسعى إلى تمريرها في قانون الأحوال الشخصية. حيث اتم القراءة الأولى، ويسعى الى تمرير القراءة الثانية".
واختتمت علي حديثها بالتأكيد على أن "زواج القاصرات لا يؤثر فقط على الفتيات المعنيات، بل يؤدي أيضًا إلى تدمير نسيج المجتمع ككل، حيث ينتج عنه جيل جديد محروم من حقوقه الأساسية في التعليم والحياة الكريمة".
رئيسة إحدى منظمات المجتمع المدني، إلهام قدروي، طالبت بإلغاء التعديل المقترح على قانون الأحوال الشخصية الذي يسمح بزواج القاصرات، مؤكدة أن هذا التعديل لا يخدم مصلحة النساء في العراق. وفي حديث لـ (المدى)، قالت قدروي: "نحن كمنظمات مدنية نعارض بشدة هذا القانون الذي يتيح تزويج الفتيات في سن مبكرة، وندرك جيدًا التبعات السلبية لهذا القرار على المستويين الجسدي والنفسي للفتاة".
وأشارت قدروي إلى أن "بعض الرجال يروجون لمفاهيم خاطئة حول زواج النبي محمد بعائشة، موضحة أن "هذا الاعتقاد شائع ولكن غير صحيح. فالرسول عقد على عائشة في عمر تسع سنوات، ولكن الزواج الفعلي لم يتم إلا بعد أن بلغت سن الرشد". وأضافت أن مثل هذه المفاهيم المغلوطة تساهم في إصدار قرارات خاطئة.
وأكدت قدروي أن "زواج الفتاة القاصرة يؤدي إلى نتائج وخيمة، إذ أن الفتاة في هذا العمر ليست مستعدة لتحمل المسؤولية، والجسد الصغير لا يتحمل العبء المترتب على الزواج، مما يؤدي إلى مشكلات صحية ونفسية". وأضافت: "الشرع الإسلامي يحترم حقوق المرأة ويعطيها اهتمامًا ورعاية تفوق ما يحاولون تطبيقه من قوانين حالياً".
وأوضحت أن "الجهل وعدم الوعي هما من الأسباب الرئيسية وراء انتشار هذه الظاهرة، وإذا تم تطبيق هذا القانون، ستكون هناك عواقب وخيمة على الفتيات والمجتمع ككل". وتابعت: "نحن نطالب بإلغاء هذا التعديل نهائياً لحماية الفتيات من هذا المصير القاسي".
وأكدت قدروي، أن "العدد المتزايد من حالات الطلاق هو أكبر دليل على فشل الزواج المبكر، كما أن حالات الزواج خارج المحكمة تفاقم المشكلة". وأشارت إلى أن المنظمة التي ترأسها تقوم بتنظيم ورش توعوية وتثقيفية للتصدي لهذه الظاهرة، مشددة على ضرورة أن يقوم الشيوخ والعشائر ورجال الدين بدورهم في نشر الوعي بين أفراد المجتمع.
وختمت قدروي حديثها بالإشارة إلى أن "الفقر والظروف الاقتصادية الصعبة، خاصة في المناطق الريفية، تدفع بعض الأسر لتزويج بناتها في سن مبكرة، ". وشددت على أن "العادات والتقاليد تلعب دورًا كبيرًا في استمرار هذه الظاهرة، مما يتطلب جهودًا مشتركة من كافة الأطراف للحد من زواج القاصرات".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

مقالات ذات صلة

هجوم
سياسية

هجوم "الطوز" يكشف وجود تمويل ومصانع عبوات لـ"داعش"

بغداد/ تميم الحسن بعد 7 سنوات من هزيمة تنظيم "داعش" في العراق، اعترف التنظيم بتنفيذ هجوم "دقيق"، وفقًا لوصف خبراء، استهدف قوات عسكرية شرقي صلاح الدين.الهجوم، الذي أسفر عن مقتل وإصابة 6 عسكريين، بينهم...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram